جريدة الحقيقة الإلكترونية
أتت الأزمة المالية العالمية في ثلاثينيات القرن الماضي بظلالها القاتمة على كُل شئ في الولايات المتحدة الأمريكية، تسرّب معماري من السلك الأكاديمي، بينما لحقه مصرفيّ آخر، ليلتقيا داخل استديوهات MGM- Metro Goldwyn Mayer، الذي امتلكه «فريد كويمبي»، المنتج الذي لطالما وقعت عينك على اسمه في تتري المقدمة والنهاية لأفلام سلسلة القط والفأر الأشهر على الإطلاق «توم وجيري»، لعل أول مرّة قرأت اسمه كُنت في طور التهجئة، بينما اليوم لازال بك شغف لمعرفة المزيد عنه، وعن كارتونك الطفوليّ المُحبب القادر على أن يخلبك ويلفت انتباهك لليوم.
وفي حين رُبما وأنت تسترق السمع والنظر اليوم من خلف مشاهدة أطفالك على حلقات السلسلة العالمية، تثيرك بعض التغيرات والفروق في الرسوم وخط القصة، بين فيلم وآخر، كما تحفظك لفتات عنصرية ومشاهد عنيفة، بينما قد لايلحظها أطفالك في سنهم المتقدمة هذه، يبقى لتاريخ توم وجيري حلقة أخيرة لم تشاهدها أنت بعد، وتلقي الضوء هذه الحلقة الجديدة على الأبطال خلف الرسوم التي تُشاهدها، ولأي مدى انعكست شخصيات كُل واحد منهم على رسومه، وكذلك لأي مدى حكمت الظروف المحيطة سياسيًا واقتصادية على الحبكة أن تتخذ مسارًا مختلفًا في أكثر من مرة…
المصري لايت تستعرض مراحل تطور رسوم وحبكات توم وجيري من أربعينيات القرن الماضي لليوم كما جاء في كتاب «Tom and Jerry: 50 years of Cat and Mouse».
6. جاسبر وجينكس
لم تبدأ القصة الحقيقية لدى «توم وجيري» الخالدين، وإنما لدى قط وفأر آخرين، Jasper القط، و Jinx الفأر، في فيلم الثنائي الأول Puss Gets the Boot. وقف الثُنائي «وليام هانّا»، و«جوزيف باربرا» من خلف الشاشات وراء هذا الفيلم عام 1940، كقصة اعتياديّة تمامًا لصراع قط منزليّ وفأر ظريف في فيلم قصير.
مشاكسًا في البداية، عنيفًا رُبما، تُنبئ أنيابة الأمامية الحادة عن طابع مفترس غير الذي تبناه رساموه فيما بعدُ، كقط منزلي أليف قليل الحيلة في بعض الأحيان ومُتسرع، كانت البداية لدى «توم»، أو «جاسبر» بالأحرى، يمشي على أربع، ويكلل وجه مزيد من الفراء، وترسم رموشه بصراحة وقوة.
أما «جينكس»، أو جيري، فرُبما امتلك ثباتًا أكثر من توم في هذه المرحلة، ولم يتغيّر عما اعتيد عليه كثيرًا، ممتلئ الوجه ربما، ولكنه مارس هوايته الأثيرة في توريط توم في حماقات، وتكسير الأثاث والنوافذ، لتطرُده سيدة المنزل أخيرًا.
ما بين 1940 و1957، شهد توم وجيري فترتهما الذهبية ربما بصحبة رساميهم الأوائل هانا وباربرا، الذيْن ما لبثا أن عقدا في ستوديوهات MGM مسابقة قصيرة لإعادة تسمية القط والفأر الذين بدأ محبيهم السؤال عن مزيد من أفلامهم القصيرة، ليقع الاختيار على «توم وجيري»، ويبدأ نجم البطلين في الصعود حد الترشح وحوز «الأوسكار»، وإنتاج ما يزيد عن 100 فيلم.
وعلى مدار هذه الفترة، تحوّر شكل توم قليلاً، منتصب القامة أخيرًا، يمشي على رجلين غالبًا، بينما ملامح وجهه تحولت لوجه طفوليّ أليف مغاير لسيرته الأولى.
غير أن دخول التلفاز جاء بما لا تشتهيه استوديوهات MGM، فبالرغم من محاولات المنتج فريد كويمبي لأن يحوّل الأفلام القصيرة لنسخ تلفزيونية، إلا أن ذلك لم يعوض خساراته، ليغلق الاستوديوهات سريعًا، وتنطوي صفحة القط والفأر قليلاً.
5. صُنع في «براغ»
بواسطة فنان تشيكيّ، يُكتب الفصل الثاني من حياة الثنائي، في عام 1960 بدأ فريق «جين ديتش» في رسم القط والفأر على طريقته الخاصة هو وفريقه الشرق أوروبي، وتُمحى من تترات الأفلام جملة «صنع في هوليود».
13 فيلمًا تقريبًا هُما حصيلة هذا الفترة غير المحببة من قبل عشاق الثنائي؛ فعلى مستوى الجودة، جاءت الحركة سريعة، مما تسببت في مشاهد مهزوزة وضبابية كثيرة، بينما تحوّل الحوار بين الأثنين إلى تمتمة غير مفهومة طوال الوقت.
أما عن أكبر دواعي كراهية العشاق لهذه المرحلة من عمر «توم وجيري» هي حقيقة تحول توم إلى قط مغلوب على أمره لا يمثل أي شكل من أشكال التهديد للفأر جيري، بسبب مالكه القاسي الذي يعاقبه طوال الوقت عقوبات دمويّة وعنيفة، بينما جيري، فانتقصت من وسامته كثيرًا حُقبة جين ديتش، لتجرده من أهم سمات فتنته وذكاؤه، ليُصبح الثنائي أخيرًا محض شخصيتين يمران على المشاهد مرور الكرام.
4. عدوى «باجز باني» تنتقل إليهما
أغلقت استديوهات WB- Warner Bros.، ووجدتها إدارة MGM فرصة سانحة لدخول السوق من جديد عام 1963، لتتعاقد مع «شاك جونز» رسام الأرنب «باجز باني» الناجح لتجديد عهد ثنائي القط والفأر.
«واقعين تحت تأثير مخدّر خفيف»، هكذا كانت صفة الفصل لتوم وجيري في حقبة «شاك جونز»، الذي جلب توم وجيري كثيرًا من عيوب الأرنب «باجز باني» التقنية، حيث الاهتمام بالشخصية على حساب الخط الدرامي للفيلم.
ويرى البعض أن توم مع جونز ربما فقد كثيرًا من هويته الشكلية المميزة، فبامتلاكه لخدود غنية بالفراء، ورموش كثيفة، وعين مقطوشة، تجرد من سلوكه الشيطاني كثيرًا، وأصبح في مرات عدة يضاهي باجز باني، أو «سلفستر».
أما جيري، فربما كذلك كانت حقبة جونز فتحة وسامة ولُطف مبالغ فيهما، بواسطة العيون الأوسع والآذان الأكبر الذين وهبوا له.
غير أن واحدة من إمضاءات شاك جونز المميزة لحقبته هي تغييره للأسد الذب اعتاد أن يحيي جماهير توم وجيري مع تتر المقدمة بزأرة مرحبة منه، ليستبدل الشعار الأيقوني بالقط توم نفسه، غير أن هذا لم يشفع له لدى ستوديوهات MGM التي قررت ألا تجدد التعاقد معه مرة أخرى.
3. قصقصة أجنحة العُنف
الأخبار السعيدة أنه بحلول عام 1975، كان توم وجيري على موعد مع صناعهم الأوائل: هانّا، وباربرا. غير أن الصُناع الأوائل لم يكُن ثمة مفر من إجراء تعديلات جديدة على قطهم وفأرهم ذوي الشعبية، ليس بسبب فقر الجودة، ولا بسبب التأثر بمدرسة رسم أخرى، وإنما بقوة القانون هذه المرة، قانون الكوميكس الذي وضع قيود موسعة على العنف والعنصرية.
هذه المرة، وفي الفترة ما بين 1975 إلى 1977، تراجع الثنائي عن الثأر المبيّت بين القط والفأر، لتتحوّل العلاقة بينهما إلى محض صديقين، لا يشاكسان بعضهما، بل ربما يتعاونان، أو يساعدان بعضهما البعض في حل أحجيات وألغاز، في مسلسل صباحي يعرض في السبت من كُل أسبوع.
جدير بالذكر أن تطورًا بارزًا على صعيد الشكل ميز هذه الحقبة من توم وجيري، وهو ارتداء الثنائي رابطة عنق «ببيونة» حمراء اللون.
غير أن تعاونًا بين ستديوهات MGM و Filmation بين عام 1980 و 1982، كان مسؤولاً عن عودة فكرة المطاردة كطابع غالب على علاقة القط والفأر، والأهم، عن إزالة روابط العنق حمراء اللون.
واحدة من علامات هذا الحقبة الفارقة أيضًا، هي تقديم شخصيّات جديدة تثري الصراع، من أهمها الكلب «سبايك»، ذائدًا عن جيري في أحيان كثيرة ضد خطر توم، أو متعاونين ثلاثتهم ضد خطر أكبر.
2. العودة للطفولة
لم يكُن توم وجيري وحدهما هما من طالتهما موجة إعادة الشخصيات الكرتونية إلى عصر الطفولة، وتخيل صناعهم لهم على أنهم أطفال، أو أطفالهم المستقبليين، والتي امتدت بين ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
ومع بداية التسعينيات طالت الموجة القط والفأر وكذلك الكلب سبايك، ليرى عشاق السلاسل الصغار: توم وجيري، وتايك.
وعلى مدار أربعة سنوات هي عُمر بث حلقات توم وجيري الأطفال، كوّن عشاق الثنائي علاقة جديدة مع شكل أكثر يفوعة من توم وجيري الأوائل، واستمتعوا بحوار أبوي مشترك بين سبايك وتايك الصغير، وبشاشة كاملة بنسبة 3 إلى 4.
1. جرافيك
مع بداية الألفيّة الجديدة، كانت أكثر من محاولة لاستعادة مجد الثنائي وسابق عهده ومحبيه. عاملان مشتركان أساسيان عنونا كل هذه التجارب: أولها هي التسويق لها على أنها استعادة حبكات وشخصيات توم وجيري الكلاسيكية، وثانيها نسبة درجة تعديل الصورة والألوان والرسوم ببرامج تعديل الصور، والتي تعطي رسوم وألوان الفأر والقط على درجة من الكمال تليق باستخدام تكنولوجيا الألفية.
وكانت أول هذه المحاولات بإصدار حلقات خاصة ما بين 2001 و 2004، بينما مع حلول 2006 كان المشاهدون على موعد مع عهد WB بتوم وجيري، مصدرين سلسلة حلقات قصيرة بعنوان Tom & Jerry Tales أو قصص توم وجيري.
أما عام 2014، فكان الفصل الخاتم بإمضاء WB أيضًا مصدرين سلسلة بعنوان Tom & Jerry Show.
جدير بالذكر أن نسبة الشاشة في الإنتاج الجديد كانت 9:16، أو ما يُعرف بالشاشة العريضة التي تعكس درجة عالية من الجودة.
