يرى اقتصاديون أن تقنين ابتعاث الحالات المرضية إلى الخارج سيوفر على الدولة الكثير من الأموال المهدورة، مبينين أن هناك حالات حرجة بحاجة إلى العلاج الا ان الحالات المرضية التي بالفعل تحتاج إلى السفر إلى الخارج لا تتعدى العشرات.
وذكروا في مقابلات مع «الأنباء» انه من المفترض أن يكون هناك خدمات صحية جيدة بداخل البلاد لما تصرفه الدولة على تلك الخدمات من مبالغ باهظة جدا وبتكلفة عالية، فلماذا السفر للخارج.. وفيما يلي تفاصيل القضية برؤية اقتصادية.
في البداية، قالت وزيرة التجارة السابقة اماني بورسلي انه يجب ان تتقلص اعداد المبتعثين للعلاج بالخارج، مشيرة في الوقت ذاته الى النظر في الحالات الإنسانية التي تحتاج علاجا فعليا غير متوافر لدى الدولة.
وذكرت: «أنا مع تقنين ابتعاث المرضى ولكن إذا توفر العلاج بالداخل»، لافتة إلى أن المحسوبية ارتفعت في الفترة الأخيرة.
وبينت بورسلي انه في ظل الوضع المالي الحالي والظروف التي تمر بها الدولة، يستحسن أن يتم إيقاف الهدر، مشيرة إلى حالات أخرى ايضا يجب إيقافها بعيدا عن العلاج بالخارج.
من جانبه، شدد نائب رئيس شركة الشال للاستشارات الاقتصادية جاسم السعدون على أن يمنح العلاج بالخارج للحالات المستحقة فقط، مبينا انه استخدم في الفترة الأخيرة لشراء ولاءات الناس سواء كانوا نواب أو وزراء أو مواطنين عاديين، لافتا إلى انه إذا تم تقنينه سيوفر على الدولة أموال باهظة وإسراف ليس له معنى.
وأشار إلى أن العلاج بالخارج تحول إلى مهزلة حيث أصبح من خلالها يمارس فقط للسياحة وليس للعلاج الحقيقي، مضيفا انه هناك العديد ممن يحتاجون بالفعل للعلاج بالخارج لكن لا تمنح لهم ما لم تكن لديهم «واسطة قوية» على حد وصفه.
وقال انه من المفترض أن يتوقف ابتعاث المرضى وأن يكون فقط للحالات الحرجة جدا.
وتساءل السعدون قائلا: «لماذا يتم صرف كل هذه الأموال على الخدمات الصحية في داخل البلاد بينما ابتعثت الدولة 11 ألف مواطن للعلاج بالخارج فقط في عام 2015؟.. يفترض أن الحالات التي تسافر للعلاج بالخارج لا تتعدى العشرات نظرا لما توفره الدولة من امكانيات صحية».
من جهته، قال الخبير الاقتصادي حجاج بوخضور إن تقنين العلاج بالخارج سيوفر على الدولة الكثير من المال، مشددا على ضرورة ان يكون هناك رفع في مستوى الخدمات الصحية داخل الدولة، مشيرا إلى أن المستوى الطبي في الكويت جدا متدني على قدر الجهود المبذولة.
وأضاف ان لدى الدولة مشكلة في الكوادر بأنها بحاجة إلى تدريب والمستشفيات لا تكفي والمشكلة الاخرى تكمن في أن وزارة الصحة تحاول أن تتطور ولكنها غير قادرة على ذلك، لافتا إلى أن الحل يكون في إدارة جيدة في تصحيح المسار والتخطيط.
من جانب آخر، ذكر بوخضور ان مشكلة العلاج اصبحت واقعة ما بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ولم تعد مشكلة رقابة.
من المتوقع أن تتجاوز ميزانية العلاج بالخارج هذا العام 300 مليون دينار
مصادر صحية: صعوبة منع العلاج في الخارج لتدني مستوى الخدمات المقدمة بالداخل90 % من المرضى الذين يتم ابتعاثهم للخارج للعلاج لا تنطبق عليهم الشروط
حنان عبد المعبود
في الوقت الذي توافقت فيه أغلب الآراء حول عدم امكانية منع أو ايقاف العلاج بالخارج أو حتى تقنينه بالشكل الذي أقرته لجنة الشؤون التشريعية والقانونية بمجلس الأمة، حينما وافقت على مقترح القانون الذي يحظر العلاج بالخارج الا في حالات نادرة، أكد البعض أن العلاج بالخارج يشكل عبئا ثقيلا على ميزانية الدولة، مؤكدين في الوقت نفسه صعوبة تطبيق القانون.
وفي هذا السياق، أكدت مصادر صحية لـ «الأنباء» استحالة تطبيق المقترح، خاصة أنه يتعارض مع الواقع الصحي الذي نعيشه، والذي يشهد تدني مستوى الخدمات الصحية، خاصة أن هناك الكثير من الحالات المستعصية التي يصعب علاجها داخليا في ظل نقص الخبرات وتزايد ظاهرة الأخطاء الطبية حتى في العمليات البسيطة، موضحين ان مواقع التواصل الاجتماعي تعج بالكتب التي تظهر اهدارا كبيرا للمال العام والذي يتمثل في سفر حالات لا تستحق السفر كون علاجها متاحا بأبسط المراكز الصحية في الكويت، مشيرة الى أن هذا الهدر والفوضى يعدان استغلالا للقانون الذي يضمن العلاج في الكويت للجميع ويوفر الملايين ويصون المساواة ويعطي أطباء البلد فرصة الاستفادة من الأطباء الزائرين ويفتح أبواب التوسع للطب الخاص.
ولفتت المصادر الى أن استقدام أطباء أكفاء من الخارج يفتح المجال لجلب أحدث الأجهزة العلاجية أيضا للمستشفيات العامة والخاصة، ما يتيح توفير الخبرة للأطباء الكويتيين بمصاحبتهم لكبار الاستشاريين العالميين، مبينة في الوقت نفسه أن سياسة العلاج في الداخل قد اتبعتها عدة دول بواسطة استقدام الخبرات الطبية.
بدوره، أشار مصدر في إدارة العلاج بالخارج الى أن بعض المعاملات في الادارة تتم خارج الأطر القانونية، كما أن 90% من المرضى الذين يتم ابتعاثهم للخارج للعلاج لا يستحقون السفر ولا تنطبق عليهم الشروط.
وأعرب مصدر رفيع المستوى عن استغرابه من أنه بموجب القانون الجديد الذي وافقت عليه اللجنة التشريعية فإنه يحظر إرسال أي كويتي، أو غيره، لتلقي الرعاية الطبية والعلاج في الخارج على نفقة الدولة، ولكن في حال عدم توافر الرعاية الطبية والعلاج في الكويت لمواطن يعاني مرضا مستعصيا، فإن وزارة الصحة تلتزم باستقدام طبيب أجنبي مختص وطاقمه المساعد، على نفقة الدولة، لتقديم الرعاية الطبية للمريض، سواء في مستشفى حكومي أو خاص، مشيرة الى أن كلفة تنقل الفريق الطبي ستكون مرتفعة وتتجاوز كلفة علاج المريض بالخارج أضعافا مضاعفة.
من جهة اخرى، أكدت مصادر صحية رفيعة المستوى أن العلاج بالخارج يحتاج فقط إلى التقنين وليس المنع، مبينة أن هذا ما كان متبعا قبل سنوات عدة. واستدركت بأن تطبيق القانون يتطلب تعزيز البنية التحتية للقطاع الصحي في البلاد بإنشاء مراكز متخصصة واستقطاب أطباء وخبراء على أعلى مستوى، كما لفتت الى أنه يجب مراعاة أن هناك الكثير من الخبراء والمتخصصين عالميا يرفضون زيارة البلاد بسبب المبالغ المتواضعة التي تخصص لهم والتي تتراوح بين 500 دينار و3 آلاف لليوم الواحد.
ومنذ تطبيق العلاج بالخارج عام 2000 وحتى 2004 كانت ميزانية العلاج بالخارج لا تتعدى 30 مليون دينار، ولكنها قفزت إلى 120 مليون دينار خلال الفترة بين 2007 و2010 ومن المتوقع أن تتجاوز هذا العام 300 مليون دينار بخلاف المصاريف الإدارية.