جديد الحقيقة
الرئيسية / أقسام أخرى / منوعات / مذكرات رأفت الهجان بخط يده: «سيدات أوروبا أغرقوني بالأموال لتمضية وقت معهن» (ح 5)

مذكرات رأفت الهجان بخط يده: «سيدات أوروبا أغرقوني بالأموال لتمضية وقت معهن» (ح 5)

في يوم كهذا قبل 34 عامًا، كان يرقد في سريره ينتظر الرحيل، يكتب بأصابعه المريضة آخر الكلمات عن حياته، تلك التي حفلت بكثير من المغامرات والأسرار التي لم تكن سوى لعبة، بل أخطر ألعاب الدنيا، لم يختر هو أن يلعبها، بل فُرضت عليه، لكنه أتقنها حتى أصبح ملكها، إنها لعبة الجواسيس التي قادته من قلب القاهرة لقلب تل أبيب، ليصبح عينًا لا تنام، تراقب كل شيء وأي شيء في أرض العدو، ويصبح أهم «قطعة» للمخابرات المصرية في لعبة شطرنج، ربما لن تنتهي أبدًا، بينها وبين الموساد، إنه جاك بيتون، أو رفعت الجمال، أشهر جاسوس في تاريخ مصر، إنه من تعرفه أنت باسم «رأفت الهجان».

«جريدة الحقيقة» تنشر مذكرات الجاسوس المصري رفعت الجمال على حلقات، كما كتبها هو بخط يده، وحسب روايات زوجته، «فولتراود الجمال»، التي نشرتها في كتاب يحمل اسم «قصة الجاسوس المصري رفعت الجمال.. 18 عامًا من الخداع لإسرائيل»، الصادر عن «دار الأهرام للترجمة والنشر»، عام 1994، وذلك بمناسبة اقتراب ذكرى وفاته في 30 يناير 1982.

في مارس من عام 1950، عاد رفعت الجمال إلى مصر ليروي: «كنت موزع الوجدان بين الإحساس بالسعادة والحزن، لم أجد  لي أسرة أعود إليها، ومن ثم قررت أن أترك البلاد ثانية بأسرع ما يمكن، عدت لأعمل مستخدمًا على متن سفينة تحمل العلم الفرنسي، وأبحرت بي لنصل بعد أربعة أيام إلى مارسيليا.

وهناك نزلت في فندق في الميناء سيء جدًا وصغير جدًا، واستثمرت إجادتي للفرنسية وسحري مع النساء وكل ما تعلمته من (بيتي)، وأفضى بي هذا إلى أن تشملني امرأتان عجوزتان برعايتهما وتتوليان أمري وتدفعان لي أجرًا مقابل صحبتهما والترفية عنهما، وظننت أن الأسلوب الذي نجح معي في مارسيليا سوف ينجح أيضًا في باريس، وربما على نحو أفضل، فشددت الرحال إلى العاصمة الفرنسية، ولم أكن مخطئًا في ما اعتقدته، إذ وجدت سيدات كثيرات دفعن لي مالًا وفيرًا مقابل تمضية وقتا ممتعا، وواجهت خطر الطرد من البلاد لأنني لم أكن أملك تأشيرة إقامة.

لهذا ركبت القطار إلى لندن زاعمًا أنني مضطر إلى استشارة الطبيب الذي أجرى لي العملية الجراحية لاستئصال الزائدة الدودية، وحصلت على تأشيرة دخول لزيارة تمتد أسبوعين. بدا الأمر مختلفًا هذه المرة فقد أصبحت جسورًا مغامرًا بصورة عدوانية وأنانية.

وقفت مستقلًا قادرًا على أن أفعل كل ما أريد، لم يعد بمقدور أحد أن يدفعني بعيدًا عن طريقي المرسوم، حققت بعض الثروة بفضل سخاء السيدات اللاتي صاحبتهن، لم يكن لي من حاجة تدفعني للسفر إلى ليفربول غير أني ذهبت إلى هناك لأرى (جودي)»

كان لقاء «جودي» هذه المرة مختلفًا بالنسبة للشاب المصري: «استبدت بها فرحة غامرة لرؤيتي جعلتها تبكي طوال الوقت، ظنت أنني عائد إليها ومن أجلها، ولم يكن هذا صحيحًا، غير أنني مكثت معها إذ أدركت أن هذه أفضل فرصة لي، وساعدني القس الذي التقيت به سابقًا في الحصول على وظيفة في وكالة للسفريات حيث بدأت العمل بحماس كبير.

كان اسم وكالة السفريات التي عملت بها (سلتيك تورز)، وكانت لدي أفكار لتطوير عملها، إذ أقنعت رئيسي بأن أسافر إلى لندن في محاولة للحصول على موافقة السفارة المصرية على أن تتولى وكالتنا تنظيم سفر الديبلوماسيين المصريين والحاصلين على منح دراسية من وإلى بريطانيا العظمى، وكنت على ثقة من نجاحي على الرغم من أن شركة (توماس كوك) كانت هي التي تقوم بهذه الأعمال وقتذاك.

ذهبت في لندن لمقابلة الملحق المصري وأقنعته بأن يوكل إلينا هذا النشاط، وأوضحت له أن أسعارنا أرخص، وأنني كابن بلد سوف أتابع ذلك لأضمن لجميع العملاء أفضل رعاية. وعدت إلى ليفربول حاملًا في جيبي عقدًا مربحًا، وبلغت عمولتي عن هذه الصفقة 2000 جنيه إسترليني».

ابتسمت الحياة مجددًا لـ«الجمال»، كما يروي في مذكراته: «كانت هذه مجرد بداية، وفي أقل من خمسة أشهر تضاعف حجم عمل وكالة السفريات وزادت حصتي إلى 5000 جنيه وأودعتها في بنك أمريكان إكسبرس مقابل شيكات سياحية بنفس القيمة، واقترحت بعد ذلك على رئيسي أن أبذل نفس المحاولة مع السفارة المصرية في نيويورك، ووافق على الفور وحجز لي تذكرة سفر إلى نيويورك. ودعت (جودي) ووعدتها بالعودة سريعًا، ولم يدر بخاطري أن هذا كان وداعنا الأخير».

وفي نيويورك، قال لي المدير المسؤول عن وكالة للسفريات حاولت التعاون معه فيما جئت لأجله إن ليفربول مدينة صغيرة ولا يمكن أن يتم فيها تنظيم السفريات لأمريكا، وامتدحني قائلًا إنني موهوب وأن علي أن أبرز مواهبي في نيويورك، وعرض علي وظيفة وقبلتها، واهتز قلبي فرحًا لنجاحي.

كان قبولي لهذا القرار يعني من الناحية القانونية أنني خدعت صاحب الوكالة الإنجليزية، وحصلت بموجب ذريعة كاذبة على تذكرة سفر بالطائرة من إنجلترا إلى الولايات المتحدة، ومن ثم كان منطقيًا أن يوجه لي رئيسي السابق في ليفربول تهمة الغش.

مع إقلاع طائرته من إنجلترا متوجها إلى الولايات المتحدة، كان فصلا جديد يستعد أن يكتب في قصة حياة رفعت الجمال: «بقيت في نيويورك وحولت شيكاتي السياحية إلى دولارات، بما يساوي قيمة ما معي من جنيهات إسترلينية مرتين ونصفًا، وأصبحت بذلك أملك اثني عشر ألف دولار ملكية قانونية، غير أن إقامتي في الولايات المتحدة لم تكن قانونية لأني لم أحصل على بطاقة التأمين الاجتماعي الخضراء، التي تضفي على وجودي وضعًا قانونيًا، وبدأ موظفو إدارة الهجرة يهتمون بي، لذلك رحلت إلى كندا، حيث تقدمت بطلب للحصول على تأشيرة دخول للزيارة في مطار مونتريال، وحصلت على التأشيرة لزيارة مدتها أسبوع، وعلى أية حال، فلم أكن أرغب في البقاء أطول من ذلك لأن كندا كانت جزءً من الكومنولث البريطاني، وهو ما من شأنه أن يسبب مشكلة لي.

تم وضع اسمي في القائمة السوداء في الولايات المتحدة، ومن ثم توجهت إلى فرانكفورت في ألمانيا، حيث حصلت على تأشيرة عبور لمدة 48 ساعة، ومن هناك طلبت السفر إلى النمسا، غير أن الأمور جاءت على غير ما أريد».

وفي ألمانيا، وقبل أن يرحل إلى النمسا كانت مفاجأة بانتظاره، مفاجأة في صورة امرأة: «في مطار فرانكفورت، قابلت فتاة شقراء عرضت علي مساعدتها، ولتأمين نفسي من المفاجآت، خبأت نقودي عندما ذهبت لقضاء ليلة معي في غرفتي بالفندق، وبالفعل وجدت النقود كما هي في صباح اليوم التالي، لكن الفتاة كانت قد اختفت ومعها جواز سفري.

توجهت إلى القنصلية المصرية وأبلغت عن فقدي لجواز السفر، وتقدمت بطلب للحصول على جواز جديد، وألمح القنصل إلى أنني بعت جواز سفري لأن كثيرين من النازيين السابقين كانوا آنذاك يحاولون الخروج من البلد، ومن ثم يشترون جوازات سفر أجنبية ليسافروا بها.

وبعد يومين أوقفتني الشرطة للتحقق من شخصيتي، واحتجزوني مؤقتًا في حجز قضائي، وأحالوني إلى القضاء، وأودعوني الحبس بتهمة الإقامة غير المشروعة، وصدر ضدي حكما بعد ثلاثة أشهر بدفع غرامة كنت قد استنفذت قيمتها خلال فترة احتجازي إلى حين المحاكمة، ورحلوني قسرًا على متن أول طائرة إلى القاهرة».

 

عن ALHAKEA

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*