صرح الدكتور وليد خالد صالح الفلاح وكيل وزارة الصحة المساعد لشئون الجودة والتطوير بأن نظام الخدمات الصحية السائد في معظم دول العالم بما فيها دولة الكويت هو نظام قائم أساسا على المرض أو الأمراض و ليس على الصحة وأن هذا النظام يجب تسميته نظام الخدمات المرضية وليس الخدمات الصحية. إن النظام القائم حاليا هو نتيجة منطقية للتطور التاريخي للطب الحديث حيث كان التحدي الأكبر هو التعامل العلمي و العملي مع الكثير من الأمراض التي كانت تهدد البشرية, واستمر هذا التوجه كأساس لبناء نظام خدمات صحية متشعبة يرتكز على تطوير و تحسين القدرة على التشخيص والعلاج والتأهيل. ولكننا في السنوات الأخيرة بدأنا ندرك قصور وسلبيات هذا النظام.
لا يستطيع أحد أن ينكر التطورات الكبيرة التي حققها الطب الحديث وبالذات فيما يتعلق باستخدام الاكتشافات العلمية المذهلة والتكنولوجيا المتطورة في كل أفرع الطب. ولكن في المقابل يجد القائمين على الخدمات الصحية في معظم دول العالم أنفسهم أمام تحديات كبرى تتخلص في ازدياد الطلب بشكل سريع على الخدمات المقدمة وارتفاع حاد في التكاليف المالية لهذه الخدمات وكذلك في تدهور ثقة الجمهور بالمؤسسات الصحية وانخفاض مقياس الرضا عن هذه الخدمات. لقد تم بذل جهود كبيرة و مضنية للتعامل مع هذه التحديات ولكن النتائج لم تحقق الآمال المنشودة, ولذلك فإنه قد بدأ يتبلور تدريجيا اعتقاد بأن المشكلة الرئيسية تكمن في ركائز النظام القائم وأن المطلوب هو نظام جديد لمفهوم الخدمات الصحية.
لو تأملنا في الطبيعة من حولنا, لوجدنا أن الصحة هي الوضع الطبيعي وأن المرض هو الوضع الغير طبيعي. ولذلك فإن نظام الخدمات الصحية يجب أن يرتكز على هذه الحقيقة البسيطة والمنطقية وأن الهدف من أي نظام للخدمات الصحية يجب أن يكون في المقام الأول هو المحافظة على الصحة وليس الانتظار حتى حدوث الأمراض ومن ثم التعامل معها. يبذل الناس المال والجهد للمحافظة على ممتلكاتهم ومنازلهم وسياراتهم ولكن عندما يتعلق الأمر بأكبر نعمة أنعم الله عز وجل بها على البشر وهي الصحة, نجد الاعتقاد السائد مع الأسف هو أن الناس يمكنهم العيش كما يشاءون لأن الأطباء قادرون على التعامل مع الأمراض عند حدوثها. هذا الوضع الغريب والعجيب يجب ألا يستمر وحان الوقت لأن يدرك الناس أن المحافظة على الصحة وتقويتها هو الهدف الأول والأخير لأي خدمات تستحق أن يطلق عليها مسمى خدمات صحية.
إن أهمية وضع أسس جديدة لنظام خدمات صحية حديثة يعتمد على الصحة وليس المرض يتجلي في نتائج هذا النظام الجديد. أهم نتيجة هي إدراك أن الصحة قضية مجتمع و ليست قضية وزارة حيث أن جميع قطاعات المجتمع يجب عليها المشاركة في الحفاظ على الصحة. الأب والأم يقدمون خدمات صحية لأطفالهم في المنزل من خلال توفير بيئة صحية وآمنة وكذلك في حسن اختيار الطعام والشراب الصحي والمفيد بالإضافة إلى أهمية كونهم قدوة لأطفالهم بالابتعاد عن السلوكيات الضارة بالصحة والتحلي بالعادات الصحية. وكذلك تقوم المدرسة و بيئة العمل وبقية قطاعات المجتمع بدور أساسي وضروري في المحافظة على الصحة. أما في فيما يتعلق بوزارة الصحة فإن المطلوب هو إعادة ترتيب الأولويات للخدمات التي تقدمها الوزارة من خلال التركيز على تعزيز الصحة ونشر الثقافة الصحية وتطبيق برامج الفحص المبكر وتغيير سلوكيات الناس لاكتساب العادات الصحية وممارسة الرياضة المعتدلة والابتعاد عن كل ما هو ضار بالصحة, بالإضافة إلى السعي الحثيث لتطوير خدمات الرعاية الصحية الأولية وتوفير كافة الإمكانيات البشرية والمادية لهذا القطاع الحيوي وعدم الاكتفاء بالتركيز على الرعاية الصحية المقدمة في المستشفيات العامة والتخصصية. كما يجب عدم إغفال فتح أبواب التعاون مع كافة قطاعات المجتمع من أجل النهوض بمستوى الصحة في الدولة.
إن وزارة الصحة كونها أكبر وأهم جهة تنفيذية في الدولة لتقديم الخدمات الصحية يجب ألا يقتصر دورها في العمل على تقديم خدمات تشخيصية وعلاجية وتأهيلية متطورة وعالية الجودة, ولكن يجب أن تقوم بتطوير مفهوم الخدمات الصحية في المجتمع بما يتناسب مع احتياجات هذا المجتمع وتطور الوعي والإدراك لدي أفراده وبما يتوافق مع تحديات العصر الذي نعيش فيه. إن المطلوب هو نظام جديد يقدم خدمات صحية وليس مجرد خدمات مرضية.