الرئيسية / كتاب وآراء / ليبيا.. والدوامة القاتلة

ليبيا.. والدوامة القاتلة

بقلم الكاتبة:
فوزية أبل
الأوضاع المعقدة التي تعيشها ليبيا تضع دول المنطقة والعالم أمام مسؤوليتها تجاه المعاناة الفريدة التي يعانيها شعب بلد يفترض أن يكون مزدهرا (كونه من الدول المنتجة للنفط)، ومستقرا (لأن الاستقرار على أراضيه وعلى شواطئه من شأنه أن يساعد في تأمين حرية الملاحة بين أوروبا وكل من أفريقيا والمشرق العربي). ولقد مرت سنوات عديدة منذ أن حاول الليبيون إيجاد صيغة لنظام بديل عن نظام معمر القذافي.
أما الجهود الدولية المكثفة الهادفة إلى إيجاد حل سلمي للنزاع، فقد وصلت إلى مرحلة بالغة الدقة، من خلال إقرار وجود حكومة وحدة وطنية تضم ممثلين لمختلف مكونات الشعب الليبي، لكنها لقيت بعض الاعتراضات. والعالم كله يترقب مصير هذه الحكومة التي تقررت في المفاوضات، وحتى البرلمان المعترف به دوليا (مقره طبرق) اعترض على بنية الحكومة المقترحة، كونها تضم 32 وزيرا، فطالب بتقليص العدد، ورفض بندا في الوثيقة السياسية، ينص على نقل المراتب السيادية العليا إلى صلاحية الحكومة الجديدة، وليست إلى البرلمان الحالي، ومن بين هذه المراتب السيادية قيادة الجيش.
أما الواقع الاجتماعي والمعاناة الإنسانية فقد عبّر عنها تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة والأمومة (يونيسيف) بالقول إن 2.4 مليون ليبي %40 منهم أطفال، بحاجة إلى المساعدة والحماية. وفي مدينة بنغازي وحدها هناك حوالي 270 ألف طفل بحاجة إلى الدعم النفسي والاجتماعي، بسبب تعرضهم للعنف المتصل بالنزاع المسلح. والعنف الدموي الذي يجتاح بنغازي ومدنا أخرى أصبح يفوق أي تصور، وهناك تفجيرات متتالية لألغام أرضية تطلقها عناصر التنظيمات الإرهابية المسماة، في صراع مرير مع قوات الجيش الليبي الذي يبدو عاجزا عن ضبط الأوضاع، لا سيما أن هناك انقسامات في القيادة العسكرية بالتزامن مع التشتت والتفتت في البنية القيادية للدولة في ليبيا.
وفي ظل تفاقم أزمة اللاجئين والمهاجرين عبر السواحل الليبية في البحر المتوسط، وأيضا تسلل ألوف من الليبيين عبر الحدود البرية إلى تونس ومصر وغيرهما، فإن الانقسام المستمر في ليبيا يدفع بعض الدول إلى التدخل، المباشر أو غير المباشر، في الشأن الليبي، فيما يطالب البعض بأن يكون هناك نوع من التدخل العسكري بإشراف الأمم المتحدة، لإنقاذ الوضع في ليبيا الذي يشهد فوضى عارمة منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011.
وبالإضافة إلى وجود حوالي مليون لاجئ ليبي في تونس المجاورة، هناك مئات الألوف يحلمون ببلوغ الشواطئ الأوروبية وبأي ثمن، فيقع بعضهم فريسة العنف في الداخل الليبي، أو يتم اعتقالهم ونقلهم إلى مراكز إيواء ينقطعون فيها عن الأهل والأولاد، وعن العالم كله، فيما يتوجه آخرون إلى قوارب وسفن بعد دفع مبالغ طائلة إلى بعض المتاجرين بالبشر، وخبراء التهريب. وبعضهم يتم إيقافهم في عرض البحر وإعادتهم إلى ليبيا، أو يتم إنقاذهم ونقلهم إلى اليونان أو إيطاليا، وهناك تبدأ مرحلة جديدة من العذاب والألم والضياع.. وأن جهاز مكافحة الهجرة الليبي يعاني من تأثيرات حالة الفوضى السياسية والدستورية.
من الطبيعي، أن ينعكس الصراع الليبي على دول المغرب العربي والعديد من دول الداخل الأفريقي.. وهذا عدا المخاوف الأمنية المرتبطة بدخول تنظيم داعش الإرهابي إلى قلب النزاع المتفجر في ليبيا، وسيطرته على مرافق حيوية وعلى مرافئ لتصدير النفط.
نعود ونقول إن الآمال لا تزال معقودة على إيجاد الصيغ الكفيلة بالتجاوب الفعلي مع جهود الأمم المتحدة، لأجل إنقاذ الوضع ووضع حدّ لكارثة إنسانية تكاد تكون فريدة من نوعها.

عن ALHAKEA

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*