مرة أخرى، تتجه الأنظار إلى تونس، على الرغم من الهدوء الذي شهدته مؤسسات البلاد في الفترة الأخيرة، والنجاح في إنهاء المرحلة الانتقالية في البلد الذي أطلق شرارة الربيع العربي، عبر عملية البوعزيزي.
تتجه الأنظار إلى تونس لسبب: العنف والإرهاب، ولا سيما بعد الهجوم الوحشي على متحف باردو، جنباً إلى جنب مع اعتداءات متفرقة تستهدف قوات الأمن وغيرها.
خلال الفترة الماضية نظر العالم كله إلى نجاح التونسيين في إرساء معالم تجربة ديمقراطية فريدة من نوعها، مقارنة بدول أخرى في المنطقة.
أجل.. حتى في تونس، التي لم يقع فيها الإسلاميون في أخطاء «إخوان» مصر، وقامت بتهنئة خصمها الباجي قايد السبسي رئيساً للجمهورية، بدأت أعمال العنف والإرهاب تفرض نفسها، كما أن بعض المناطق والأحياء السكنية المهمشة إنمائياً في تونس بالذات يستغل المتطرفون ظروفها، كي يجعلوا منها بيئة حاضنة لتصرفاتهم ومخططاتهم.
فقد ذكرت تقارير تونسية ازدياد عدد حوادث الانتحار في تونس (انتحار أو محاولة انتحار، تضاعفت 3 مرات بعد الثورة، و63 في المئة من المحاولات كانت حرقاً).. وأن المقدمين عليها من مختلف الشرائح العمرية، وهم أيضاً موظفون وأصحاب شهادات عليا ومتقاعدون وتلاميذ وأطفال.
وهو ما فسَّره المختصون من الشعور بخيبة الأمل والإحباط بعد الثورة، والظروف المعيشية الصعبة، والبطالة، وغياب الرعاية الاجتماعية والنفسية، ومشاكل أسرية ومدرسية، والانقطاع المبكر عن التعليم، وانشغال الوالدين بالعمل عن تربية أولادهم، والكبت الذي عاناه المجتمع لسنوات طويلة.. فعدم الاستقرار السياسي كان سبباً في ارتفاع عدد المصابين بالاكتئاب.
فقد تحوَّل البوعزيزي، رمز الثورة، إلى رمز للانتحار، ونموذج للمطالبة بتوفير الحياة الكريمة.. فيرى المختصون أن الإعلام أدى دوراً في التسويق لها، من دون الأخذ بالاعتبار ما قد يؤثر في النفوس.. ودعوا المجتمع المدني إلى أخذ موقف واضح من انتحار البوعزيزي، وطالبوا بسجل رسمي للحالات ورعاية الأطفال الناجين واستراتيجية وطنية لمقاومة الانتحار، حتى لا تتحول هذه الحوادث المتفرقة يوماً إلى ظاهرة مرعبة.
لا شك في أن التصدي للمخاطر الأمنية يشكل مهمة ملحة أمام القيادة السياسية في تونس.. غير أن العمل الأمني لوحده ليس كافياً، ولا بد من تنمية المناطق التي تعاني التهميش والفقر، حتى في بعض أحياء العاصمة، فكيف بالنسبة لبعض المناطق البعيدة التي تنطلق منها أعمال العنف والتخريب؟
الآن، هناك نقمة على الإهمال والعنف السياسي، فالتعاطي الإيجابي مع هذه الهموم الإنمائية والإنسانية، هو الذي يفتح الباب أمام حل ما تبقى من المشاكل المتصلة بالمرحلة الانتقالية في بلد انطلاقة الربيع العربي.