سلطت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، في عددها الصادر الثلاثاء الضوء على الظروف المأساوية التي عانا منها المعتقلون السوريون في سجون ومراكز اعتقال النظام السوري خلال الخمس سنوات الماضية.
واستهلت المجلة تقريرا إخباريا بالقول إنه منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011 فرَ 9.5 ملايين شخص من ديارهم، بينما لم يجد عشرات آلاف آخرون فرصة للهرب فوقعوا أسرى في يد قوات الرئيس بشار الأسد.
ونقلت المجلة عن تقرير أعده محققو الأمم المتحدة من شهادات أكثر من 500 ناج من سجون نظام بشار الأسد، قالت به إنهم جميعا تعرضوا للتعذيب، أو شهدوا تعذيبا، وأكثر من 200 منهم رأوا شخصا يموت أمامهم، وبشكل مباشر على يد قوات الأسد.
وبحسب التقرير، فإن معاملة المدنيين بالسجون ترقى لمرتبة “الإبادة”، التي تعتبر جريمة ضد الإنسانية، كما دعا مجلس الأمن لفرض عقوبات على كبار مسؤولي النظام السوري.
ويوثق التقرير الجرائم المرتكبة في سجون النظام خلال الفترة من 10 آذار/ مارس 2011، حتى 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015.
ومن بين الوفيات داخل تلك المعتقلات أطفال لم تتجاوز أعمارهم السبعة أعوام. وضربت المجلة مثلا بوالدي صبي عمره 13 عاما اعتُقل في مظاهرة عام 2011 في بلدة صدنايا بريف دمشق، لكنهما رأوه مرة أخرى بعدما أعيد إليهما جثة هامدة مشوهة. وفي أغلب الأحوال يتولى حراس السجن تعذيب وقتل المعتقلين على مرأى من النزلاء الآخرين.
وفي 2014، أجبر المعتقلون في دمشق على مواجهة جدار بينما ركل الحراس أحد السجناء بكل مكان في جسمه حتى مات نزفا، ثم طلبوا من الآخرين أن يقولوا لعائلته، بحسب ما أخبر أحد المعتقلين، قائلا:”أغلقنا عينيه، وغطيناه ببطانية عسكرية، وقرأنا عليه القرآن بقلوبنا”.
وفي 2014، أجبِر السجناء في دمشق على أن يولوا وجوههم شطر أحد جدران السجن بينما قام الحراس بركل زميل لهم في الزنزانة في رأسه وجميع أجزاء جسده. وطلب هذا الزميل المعتقلين من رفاقه الآخرين وهو يتقيأ دماً، أن يبلغوا عائلته بما جرى له.. “لقد مات”، قالها أحد الناجين للمحققين الأمميين.. “أغمضنا عينيه، ولففنا جثته ببطانية للجيش ثم تلونا آيات من القرآن الكريم سراً”.
ناج آخر من حمص تذكر كيف شاهد رجلا كبيرا يموت بعد أن أحرق الحراس عينيه بالسجائر، وطعنوه بحديدة محترقة، وشبحوه من رسغه، إذ ظلوا يعذبونه لثلاث ساعات حتى فارق الحياة.
وفي حالات أخرى، لم تكن الحالات بهذه السرعة، ففي عام 2014، شُوهت الأعضاء التناسلية لأحد السجناء، في سجن تابع للفرقة الرابعة، وظل حيا لثلاثة أيام قبل أن يفارق الحياة.
وعادة ما يترك أولئك الذين تعرضوا للتعذيب دون علاج، مما يسبب تفاقم الجروح لديهم إلى التهابات، إذ ترك أحد السجناء في ممر سجن للمخابرات الجوية في حلب، عندما رآه الحراس لا يستطيع الوقوف على ساقه المكسورة، وأخذ الأمر وقتا من جميع الأطراف ليدركوا أنه قتل، وعندما حصلت عائلته على جثته لم تتمكن من التعرف عليه حتى.
وبحسب اللّذين تمت مقابلتهم، كانت ظروف السجن متشابهة في كل أنحاء البلاد، إذ أن الزنازين مكتظة، وعادة ما يجبر الرجال لأخذ فترات للوقوف والجلوس، مع عدم السماح الدائم باستخدام الحمامات، واستخدام الزنازين نفسها لذلك، مع ازدحامها، كما أن القمل والجرب كانا منتشرين في كل الزنازين.
وترك الكثير من المساجين جوعى حتى وصلوا لحالة المجاعة تقريبا، أو الطعام الذي قدم لهم كان فاسدا وسبب التسمم والملاريا، إذ قال عدد من المساجين في التقرير الصادر الاثنين أن زملاءهم ماتوا بسبب الظروف السابقة التي لم يعالجها الحراس، مع إصابة البعض بالسكري والربو وأمراض القلب.
وحتى أولئك الذين سمح لهم باستخدام الخدمات الطبية، لم يكونوا يحيون هناك، بل كان يطلب منهم لف جثث المعتقلين الذين وصلوا متأخرين للمستشفيات، في حين عانى آخرون من متلازمات نفسية بعد تركهم في ظروف تعذيب أو عزلة، كما أورد الكثيرون أن الكثير من شركائهم توقفوا عن الأكل أو الشرب وماتوا في زنازينهم لاحقا.
وبحسب التقرير، فإن هناك سببا يدفع للتأكد من قتل المعتقلين دون محاكمات، ففي عام 2013، بدأت الجثث تطفوا على وجه نهر قويق، وبينهم 140 على الأقل مقتولون بالرأس، وكانت أيديهم مربوطة وراء ظهورهم، في حين قال الشهود إنهم كانوا يعيشون في مناطق سيطرة النظام.
أما العائلات التي حاولت الحصول على شهادات وفاة لأبنائها تم إبلاغها أن المساجين ماتوا بجلطات قلبية.
لكن أحد الآباء قال إنه رفض قبول هذه الشهادة، قائلا إن قبوله بها يعني أنه “يمنح المجرمين إذنا بقتله”.