مهما اشتدت العواصف السياسية والاجتماعية، وحتى التوتر الأمني والمخاطر المحدقة بهذا البلد أو ذاك، فلابد في نهاية المطاف من فتح باب الحوار، إنقاذاً للوضع من التدهور الذي لا يعرف حدوداً، وأيضاً من أجل وضع آلية معينة للتوافق بين القوى السياسية المتخاصمة (أو بعضها على الأقل)، إن لم نقل: التوافق بين مكونات المجتمع إذا كانت الأحداث والتطورات المتسارعة قد أخذت منحى طائفياً أو مذهبياً أو قبلياً أو مناطقياً.
حتى في الدول التي شهدت نوعاً من الحرب الأهلية، أو الثورات المشتعلة – بما فيها بعض دول الربيع العربي – تم فتح الباب للحوار، ولو بعد سلسلة من المحاولات الصعبة أو المساعي المتعثرة، لأجل وضع حد للعنف الدموي، أو للتظاهرات الغاضبة، وما يرافقها من قمع ومواجهات في الشارع.
أما البلدان التي استحال فيها الحوار، ولو في حده الأدنى، فإنها واصلت الدوران في الحلقة المقفلة، وصار الوضع يتنقل بين هدوء نسبي واضطراب وتوتر وتصعيد في المواقف، مع ما يفرضه ذلك من احتمالات بالغة الخطورة، أمنياً واقتصادياً واجتماعياً.
وفي حال عدم اغتنام الفرصة المتاحة للحوار منذ اللحظة الأولى، فإن هذا الظرف الإيجابي قد لا يتكرر، وستسيل الدماء من دون إيجاد وسيلة لإنقاذ الوضع.
يكفي أن نعيد إلى الأذهان أن الهيئات النقابية والسياسية، المشرفة على الحوار في تونس حصلت على جائزة نوبل للسلام، في قرار يعطي قيادة الحوار داخل هذا البلد أو ذاك الثقة كي تقوم بدورها من دون الرضوخ لضغوط الشارع الملتهب، أو المواقف المتشنجة للأطراف المتخاصمة، ولاسيما منها قوى التشدد أو التطرف أو العداء لمنطق الحل السياسي.
ولا شك في أن قوى المجتمع المدني غالباً ما تقوم بدور فاعل في إرساء أسس التفاهم إلى الحد الأدنى المطلوب لإيجاد حل سياسي للنزاع، وقد تقوم بعض الشخصيات المستقلة بدور إيجابي أيضاً في هذا السياق، فيما تلجأ شخصيات أخرى إلى دفع الأمور في منحى تصعيدي، ربما خوفاً من أفول نجمها، أو من وصول القوى «الائتلافية» إلى موقع الصدارة.
حتى في بلد مثل ليبيا مشتعل بكل أنواع الصراعات، وتتنازع السلطة فيه حكومتان ومجلسان نيابيان، فإن الحوار عاد إلى الواجهة، وبرعاية الأمم المتحدة، لكن هذا لا يخفف من أهمية الحوار الذي جرى ويجري من أجل إنقاذ البلد وأمنه وإعادة بناء جيشه ومؤسساته.
وحتى في البلدان الهادئة نسبيا، والتي لا تشهد توترا أمنياً وسياسياً، فلابد من إيجاد صيغة للحوار بين القوى الفاعلة في المجتمع، حتى لا يقع البلد في مشاكل ناجمة عن سوء التعاطي مع هذا الملف أو ذاك.
بقلم الكاتبة | فوزية أبل