الرئيسية / أقسام أخرى / فن وثقافة / أسرار حياة «النمر الأسود»: معهد التمثيل يُعدّل شروطه خصيصًا لقبول أحمد زكي (ح 1)

أسرار حياة «النمر الأسود»: معهد التمثيل يُعدّل شروطه خصيصًا لقبول أحمد زكي (ح 1)

ولد أحمد زكي في أحد الأحياء الفقيرة بمدينة الزقازيق، يوم الأربعاء 18 نوفمبر عام 1949، في أسرة متوسطة، وقبل أن يكمل عامه الثاني توفي والده، وكان عمر الوالد آنذاك 31 عامًا، وكانت الأم في السابعة والعشرين من عمرها، وأصر أهلها على أن تتزوج بمن تقدم لخطبتها خشية عليها من الفتنة، فتولت جدته تربيته، وبذلك ولد الطفل الصغير محروما من حنان ودفء الأبوين.

في هذا الشهر، مارس، وتحديدا يوم 27 عام 2005، رحل عن عالمنا الفهد الأسمر، نجم السينما المصرية وأحد علاماتها منذ ثمانينيات القرن الماضي، وإلى ما لا نهاية، وبهذه المناسبة –وإن كانت حزينة- نتذكر أهم الأحداث واللقطات في حياة أحمد زكي، والتي يروي بعضها الكاتب محمود معروف، في كتابة «روائع النجوم»، ننشرها على حلقات متتالية.

بدايةً، اسمه بالكامل أحمد زكي متولي عبدالرحمن بدوي، بدأ حياته منطويًا على نفسه، وفي مدرسة الزقازيق الإعدادية، ظهر حلمه الأول في أن يلتحق بكلية الشرطة عندما يكبر، ليتخرج منها «ضابط بوليس»، وبالتحديد ضابط مباحث، حتى أنه –على حد قول معروف- كان يتقمص هذه الشخصية في كل مناسبة، حتى وهو يلعب مع زملائه في المدرسة «عسكر وحرامية» كان يصمم أن يكون هو الضابط.

ذهب أحلامه أدراج الرياح بعد أن فشل في الحصول على مجموع يؤهله للالتحاق بالثانوية العامة، والتي ستساعده على دخول كلية الشرطة، ولم يجد أمامه سوى الالتحاق بمدرسة الزقازيق الثانوية الصناعية، قسم برادة وخراطة، لكن الحلم لم يتوقف، وظهر في الأفق مجالا جديدا بدأ يستهويه، هو التمثيل.

لحسن حظ زكي أن ناظر المدرسة واسمه كامل اسماعيل نجم، كان فنانا ورساما ويعشق تصميم الديكورات المسرحية والملابس، وأراد أن يستثمر ويستغل الإمكانات المتاحة بالمدرسة، مثل ورش النجارة الخراطة والديكور والملابس والإضاءة، وقرر عمل حفل مسرحي بالمدرسة يشارك فيه الطلبة، وكان يهوى قراءة نقد المسرحيات ويجمع صور المجلات، وأحضر عددا من نصوص روايات نجيب الريحاني وبديع خيري، واختار إحدى هذه المسرحيات وقرر أن يمثلها الطلبة، وتولى عدلي أفندي، أحد مدرسي المدرسة إخراجها ووضع لها الموسيقى عبده درويش، مدرس الموسيقى، وتولى المدرسون أعمال الإضاءة والملابس والأزياء، بينما قام الناظر بتصميم الديكور.

عرضت المسرحية في شهر رمضان، وحضرها مفتش المسرح بالشرقية، وأعجب بها وأعجب بتمثيل أحمد زكي، وقر أن تشترك المسرحية في مسابقة المدارس على مستوى الجمهورية، وحصلوا على الكأس وجائزة أحسن ممثل حصل عليها الطالب أحمد زكي، وكانت أول جائزة يحصل عليها في حياته، وتم اختياره ليشترك بالتمثيل مع فرقة قصر الثقافة بالزقازيق، وهناك تعرف على بطلة الفرقة واسمها عائشة حمدي، التي أصبحت فيما بعد الفنانة المعتزلة شهيرة، زوجة محمود ياسين، ومثل معها أكثر من مسرحية على مسرح قصر الثقافة التابع لهيئة قصور الثقافة الجماهيرية.

ذات يوم، جاء إلى الزقازيق محمد الحيوان، رئيس نادي فاقوس الرياضي، وشاهد أحمد زكي وهو يمثل، فطلب منه أن يقوم بإخراج مسرحية يمثلها أبناء نادي فاقوس، من تأليف الأديب الكبير يوسف إدريس، اسمها «اللحظة الحرجة».

ظل يعمل بروفات لمدة شهر، وليلة البروفة الأخيرة التي تسبق ليلة الافتتاح، ركب القطار من الزقازيق وغلبه النوم، وبدلا من النزول في فاقوس وصل إلى مدينة المنصورة وأيقظه المُحصّل لأن القطار سيدخل المخازن.

كانت ليلة شديدة البرودة، واقتربت الساعة من منتصف الليل وتوقفت كل المواصلات، ولمح عن قرب مقهى صغيرا وأمامه سيارة نقل لوري، وبعض العمال أشعلوا موقدا من الأخشاب للتدفئة، فكى لهم ما حدث، فوعده سائق اللوري بأن يأخذه معه إلى فاقوس بعد إنزال الحمولة، واضطر أن يركب في الصندوق الخلفي في العراء.

وصل فاقوس في الثالثة بعد منتصف الليل، ولم يجد أحدًا، فقد أغلقوا باب النادي وانصرف الجميع، واضطر أن يطرق باب السيد الديب، ممثل بالفرقة، الذي استيقظ من نومه مفزوعًا ولم يفتح له إلا بعد أن تأكد من شخصيته، ونام عنده حتى الصباح ولم يستطع أن يحضر عرض المسرحية.

مرت الأيام والتحقت عائشة الشهيرة بـ«شهيرة» بكلية الحقوق جامعة عين شمس، حيث تعرفت هناك على الطالب محمود ياسين «ابن بورسعيد»، الذي كان طالبًا بالسنة الرابعة بالكلية، أما الطالب أحمد زكي فحصل على دبلوم الصنايع، وراودته فكرة الالتحاق بمعهد التمثيل، ولكن كيف والمعهد لا يقبل إلا حملة شهادة الثانوية العامة؟

اهتدى إلى فكرة، بأن يذهب إلى عم «صقر» خاله، الذي يعمل نجارا بمسرح القاهرة للعرائس بالعتبة، الملاصق لمسرح الأزبكية والمسرح القومي الذي يضم عمالقة التمثيل والمسرح في مصر، ولم يخيب عم صقر ظن زكي، ورحب بمساعدته وأخذه معه إلى القاهرة، ولأن منزله متواضع وصغير قال له «معلهش يا أحمد يا أبني، هتنام هنا في ورشة النجارة بالمسرح لغاية لما ربنا يفرجها» فرد أحمد مهللاً: «يا سلام يا عم صقر، دا كده رضا أوي الله يسترك».

في اليوم التالي، أخذه من يده وذهب به إلى المسرح القومي، ووجد هناك الممثل القدير محمد توفيق، وقال له إنه «ابن أخته» وأمنيته أن يلتحق بمعهد التمثيل، فأبدى توفيق هشته وقال له «يا حج صقر، إزاي يدخل معهد التمثيل بدبلوم الصنايع؟!» فاستسمحه عم صقر قائلاً: «والنبي يا أستاذ محمد، علشان خاطري، دا الولد يتيم وظروفه صعبه»، فما كان من توفيق إلا أن قال: «طيب يا سيدي أنا بكرة راح أكلم الأستاذ زكي طليمات والأستاذ سعيد خطاب عميد المعهد».

لم ينم أحمد زكي من الفرحة، وانتظر محمد توفيق لكنه لم يحضر، فذهب إلى زميل صحفي بمجلة «الإذاعة والتلفزيون»، وكان قد انتقل إلى مجلة «الكواكب» هو الزميل محمد بركات، فأخذه من يده وقدمه إلى زكي طليمات، وطلب منه تمثيل بعض المشاهد، فأداها بمنتهى الإتقان وأعجب ووافق على استثنائه من شرط الحصول على الثانوية العامة، وتقدم للامتحان وكانت اللجنة مكونة من الدكتور رشاد رشدي، والدكتور علي فهمي، وكرم مطاوع ونبيل الألفي، وتم قبوله بالسنة الأولى في سبتمبر 1968، وكانت الدفعة تضم 15 طالبًا وطالبة منهم عفاف شعيب، مصطفى متولي، أحمد عبدالوارث، نفيسة المغربي، أميرة عبدالعظيم، والتقى أحمد زكي مرة أخرى بزميلة في مسرح الثقافة الجماهيرية، عائشة حمدة «شهيرة»، وأقنعها بأن تحول أوراقها من كلية الحقوق إلى معهد التمثيل، وبالفعل حولت أوراقها وأصبحت زميلة له بالدفعة بعد أن كانت قد تمت خطبتها على الممثل محمود ياسين.

عن ALHAKEA

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*