للكويت تجربة رائدة في مجال جمعيات النفع العام والعمل التطوعي، فقد نص الدستور في مادته الـ43 صراحة على حرية تكوين الجمعيات والنقابات على أسس وطنية وبوسائل سلمية. وعلى هذا الأساس، وبعد إقرار الدستور، انطلقت جمعيات النفع العام، وأحدثت تغييراً نوعياً في التعاطي مع قضايا الوطن، لتكون بذلك مساندة للمؤسسات الدستورية في البلاد.
ودائماً ما يطالب المراقبون والمختصون بضرورة تحمل مؤسسات المجتمع المدني مسؤولياتها في التوعية، والوصول إلى حلول لقضايا المجتمع. ويرى الكثير أن المجتمع الذي يمتلك جمعيات نشطة يكون قادراً على طرح القضايا ومناقشتها من خلالها، بعيداً عن ضغوط البرلمان وإشكاليات البيروقراطية التنفيذية، ومن ثم الوصول إلى رأي شعبي يساهم في حل تلك القضايا من دون ضجيج وبأقل تكلفة.
وعلى الرغم من أن منتسبي مؤسسات المجتمع المدني طالبوا في أوقات سابقة بإجراء تعديلات على القانون، الذي ينظم عملهم، لإعطائهم مساحات أوسع مما هي عليه حالياً، لكن فوجئ الجميع بتوجه وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لإحداث تغيير جذري في شكل جمعيات النفع العام وأدائها، عن طريق مسودة قالت إنها مشروع قانون لجمعيات النفع العام.
ومن دون الدخول في تفاصيل مسودة المشروع، الذي صنف الجمعيات الأهلية والخيرية والمجاميع التطوعية في تصنيف واحد. ووفقاً لآراء مختصين، فإن الهدف من المشروع تحجيم العمل التطوعي، فظاهر المسودة تنظيمي، وباطنها تغيير صفة جمعيات النفع العام الأهلية وطبيعتها من خلال الإصرار على تقليص استقلالية الجمعيات العمومية ومجالس الإدارة، وجعلها مؤسسات تتبع الجهة الحكومية.
فجوة قوية
استهداف العمل المدني بذلك التوجه قد يقضي على ما تبقى لنا من إرث تحسدنا عليه الدول العربية، ويصنع فجوة قوية بين جمعيات النفع العام الرافضة للمشروع والجهة الإدارية الممثلة في وزارة الشؤون، فضلاً عن الدخول في إشكاليات دستورية وقانونية وفقاً للآراء التي تؤكد مخالفة المقترح المنتظر لمواد الدستور.
وعلى الرغم من النجاحات التي حققتها جمعيتا الخريجين والثقافية النسائية في حشد عشرات الجمعيات الرافضة لذلك التوجه في مهرجانين خطابيين، وإحداث قوة مؤثرة رافضة للمشروع، لكن الظروف السياسية تشير إلى احتمالية تمرير القانون، كما حدث مع عدد من المشاريع التي رفضها الشارع، ومرت في الفترة الأخيرة، كقانون الجمعيات التعاونية، والإعلام الإلكتروني، وهيئة الاتصالات.. وغيرها.
وبذلك تكون الكرة في ملعب الحكومة، وعليها أن تتريّث كثيراً قبل إرسال المشروع إلى مجلس الأمة، وإن كان الهدف من وراء المشروع الوصول إلى صيغة تنظيمية.. فعلى الوزارة دعوة ممثلي الجمعيات، والاستماع إلى وجهات نظرهم، والخروج بصيغة متفقة للمشروع الحكومي، توازن بين الضوابط الحكومية ومطالب المشتغلين في العمل المدني.
بقلم الكاتبة | فوزية أبل