لا تُخطئه عين المارة ومن اعتادوا على الجلوس أمامه أو المرور به، فانحسار المياه عن شواطئ نهر النيل في عدة مناطق في القاهرة والمحافظات وظهور الجزر الرملية والطينية للمارة، أثار تساؤلاً ودهشة عن الوضع المائي لمصر، وحقيقة ما تمر به من فقر مائي.
ففضلاً عن أزمة نقص مياه الزراعة، بدأ قاطنو القرى وعدد من المدن، بالإضافة إلى بعض المناطق في القاهرة، يشعرون بأزمة في مياه الشرب بدت جليّة للعيان.
فمع الشروع في بناء سد النهضة الإثيوبي يرى خبراء أن المصريين يشعرون حالياً بالتأثيرات السلبية للسد عليهم، لا سيما بعد انحسار المياه في النيل وظهور الجزر الرملية والطينية، وأن تلك الأزمة مُرشحة للتفاقم في حال شرعت إثيوبيا في تخزين المياه بالسد في ظل السنوات العجاف.
– ندرة مائية
بهذا الخصوص قال وزير الري المصري الأسبق، محمد نصر علام، إن مصر تعاني حالياً من ندرة مائية.
وحول ملامح هذا الأمر لفت في حديثه لـ”الخليج أونلاين” إلى أن “نصيب الفرد في العام انخفض ليصل إلى 600 متر مكعب؛ أي إنه أقل من حد الفقر المائي”.
وتابع قائلاً: “هناك فجوة غذائية في مصر تصل إلى سبعة مليارات دولار سنوياً، ناتجة من الفرق بين ما تحتاجه من الغذاء وما تستورده”.
وأكد علام أن هناك “نقصاً في مياه الري في جميع ترع مصر، كما أن هناك أزمة جسيمة في مياه الشرب في القرى والمدن، حتى طالت تلك الأزمة أماكن في قلب العاصمة”.
وألمح وزير الري الأسبق إلى أن “هناك مشاكل تلوث نتيجة إعادة استخدام مياه الصرف الصحي والصرف الزراعي”، مشيراً إلى أن “عدداً من المشروعات القومية توقفت في مصر بسبب أزمة المياه كمشروع توشكى وترعة الحمام”.
– المصريون يشعرون بالأزمة
من جانبه أكد الخبير المائي نادر نور الدين أن مرحلة الجفاف التي تزامنت مع بناء سد النهضة الإثيوبي بدأ يشعر بها المصريون ويُدركون تأثيرها على بلادهم.
وتابع في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن “مصر تعيش في السنة التاسعة من السنوات العجاف؛ بسبب تغييرات المناخ التي من المتوقع أن تؤدي إلى نقص المياه على هضبة إثيوبيا بنحو70%”.
وأشار إلى أن “مصر اعتمدت خلال السنوات التسع على مياه بحيرة ناصر التي وصل مخزون المياه فيها إلى أقل ما يمكن”.
– ضخ مياه قليلة
ولفت نور الدين إلى أنه “بسبب ما تعانيه مصر من أزمة مائية بدأت الجزر الرملية والجزر الطميية في النيل تظهر للمواطنين في منطقة القاهرة والجيزة”، عازياً ذلك إلى أن “وزارة الري تضخ كميات قليلة من المياه من خلف السد العالي”.
وألمح إلى أنه “مع قدوم الموسم الصيفي في الزراعة، وبدء زراعة القطن نهاية الشهر الجاري، سيشعر المصريون إن كان هناك عجز مائي أم هو أمر طبيعي، رغم نفي وزارة الري وجود أزمة مائية”.
وأوضح الخبير المائي أن مصر “تعيش مرحلة شح مائي عميق حتى من قبل الشروع في بناء سد النهضة” متابعاً: “نصيب الفرد في مصر تناقص إلى 650 متراً مكعباً، ولكي تتفادى مصر مرحلة الشح المائي من الضروري ألّا يقل نصيب الفرد عن ألف متر مكعب”.
وتابع نور الدين: “مصر بدأت تضخ المياه لاستخدامها في الأمور الضرورية على أمل أن يأتي الفيضان في يوليو/تموز القادم”، مؤكداً أنه “في حال لم يأت فيضان قوي فستكون مصر في أزمة مائية حقيقية”.
وشدد على “ضرورة أن تنتظر إثيوبيا قدوم أول فيضان مائي كبير للبدء في تخزين المياه في سد النهضة، وإعطاء مصر والسودان الفرصة في تخزين المياه”، متابعاً: “وفي حال بدء إثيوبيا بتخزين المياه دون انتظار الفيضان سيزيد إحساس المصريين بعجز كبير في المياه”.
– سد إثيوبي جديد
وحول تصريح إثيوبيا بالشروع في بناء سد مياه جديد لتوليد الكهرباء، أشار نور الدين إلى أنه ليس كل أنهار إثيوبيا تصب في نهر النيل، متابعاً: “وفي حال بدأت إثيوبيا في بناء سد جديد على أحد الأنهار التي لا تصب في نهر النيل لن يؤثر ذلك على مصر”.
وشدد على أنه “من الضروري ألّا يُبني السد على روافد النيل الأزرق وعطبرة والسوباط التي تمثل 85% من مياه نهر النيل”، موضحاً أنه “لو تم بناء السد الجديد عليها سيكون على حساب المياه المتجهة إلى مصر والسودان”، لافتاً إلى أن “إثيوبيا لم تُدل بتصريحات رسمية حول السد الجديد وتفاصيله إلى الآن”.
– التحكم في تصريف المياه
اتفق معه الخبير الاستراتيجي فى مياه الشرق الأوسط، نور الدين عبد المنعم، الذي أكد أن مصر تشهد حالياً أزمة مائية؛ نتيجة ثبات حصتها المائية بالتزامن مع ارتفاع عدد السكان.
وفي حديثه لـ”الخليج أونلاين” شدد على أن “المستقبل خطر على مصر في استهلاك المياه، وأن الكارثة الكبرى ستكون بحلول عام 2050، عندما يزيد عدد السكان فمن المتوقع أن يصل نصيب الفرد إلى 300 متر مكعب من المياه”.
وحول ظاهرة انحسار المياه في النيل وظهور الجزر الرملية والطينية، أكد الخبير المائي أن تلك الظاهرة “يتم التحكم بها وفق التصريف اليومي والشهري والسنوي لاحتياج مصر من مياه الري والشرب من خلف السد العالي جنوب مصر”.
ولفت إلى أن “ذلك نتج عن عدم ملء المجرى المائي للنيل بالكمية المطلوبة؛ فبعدما كان يتم تصريف نصف مليار متر مكعب من المياه يومياً في النيل، يتم تصريف 60 مليون متر مكعب يومياً في الشتاء”.
وأشار عبد المنعم إلى أن “مصر تستهلك نحو عشرة مليارات متر مكعب من المياه من حصتها السنوية من الماء (55 ملياراً ونصف مليار متر مكعب) في مياه الشرب حالياً، دون حساب المدن الجديدة الجاري إنشاؤها، أو الزيادة في أعداد السكان”، لافتاً إلى أن “ذلك يأتي على حساب كمية المياه المتوفرة للزراعة؛ فأي زيادة في مياه الشرب يتم خصمها من مياه الزراعة”.
وتابع قائلاً: “لا حل سوى ترشيد الاستخدام وإعادة استخدام مياه الصرف، والتوسع في سحب المياه الجوفية، والتوسع في بناء محطات تحلية المياه على البحرين الأحمر والمتوسط، وزيادة الوعي المائي لدى المواطن”.