رأى تقرير نشره مركز ستراتفور للدراسات السياسية والإستراتيجية أن الدولة الأمنية والبوليسية التي أسسها الرئيس الأسد الأب هي أبرز العوامل التي ساهمت في بقاء النظام السوري على قيد الحياة حتى الآن، وذلك بعد مرور خمس سنوات على اندلاع الثورة السورية.
وقال التقرير: «لقد مرت خمس سنوات كاملة منذ بداية الحرب في سوريا. وسط مفاوضات السلام التي تأجلت بشكل معتاد، ترافق وقف إطلاق النار مع ثغرات وخروقات، فضلًا عن تقديم الدعم للوكلاء من جميع أنحاء العالم، ما يبدو الآن أزمة عالمية حقًّا، تبدو كما لو أنها سوف تستمر إلى ما بعد الذكرى السنوية الخامسة».
كيف وصل الأمر إلى هذا؟
قبل اندلاع أعمال العنف عام 2011، كان الرأي السائد هو أن إدارة الرئيس السوري بشار الأسد في مأمن من الثورة.
وذكر إيملي هاوثورن أنه وبينما كان يستعد للتوجه إلى دمشق مع تصاعد الاحتجاجات المناهضة للحكومة في تونس ومصر والبحرين، أخبره أحد الأصدقاء اللبنانيين برأي كان ينظر إليه على نطاق واسع في سوريا: هذه الانتفاضات لا يمكن أن تحدث هناك. هذه الحكومة لن تسقط أبدًا.
وفي 15 مارس 2011، خرج المتظاهرون في شوارع دمشق، معبرين عن غضبهم من قيام الحكومة بتعذيب عدد من الطلاب الذين كتبوا كتابات مؤيدة للثورة في درعا. تحولت المظاهرات إلى أعمال عنف. وأصبح العنف حربًا أهلية شاملة.
ولكن، وبحسب ما ذكره التقرير، فإن الأسد، ومع عناد ملحوظ، تمسك بمنصبه خلال خمس سنوات من الصراع الدامي، وإطالة تحكم عائلته بالبلاد حتى عندما واجه معارضة من المجتمع الدولي.
الآن بات الأسد يتمتع بدعم من أمثال روسيا وإيران وحزب الله. لكن إدارة الأسد أثبتت مرونة لأسباب تتخطى الدعم الخارجي. وقد ساعدت القدرات الاستخباراتية والأمنية الضخمة للحكومة التي تقودها أقلية في الحفاظ على السيطرة على مجموعة متنوعة من السكان.
صعود الدولة البوليسية
التقرير استعرض كذلك صعود الدولة البوليسية في سوريا بقوله إن مجموعة متنوعة من الجماعات الدينية والعرقية داخل الحدود السورية، شكلت التحديات التي تواجه حكامها. وكان الحفاظ على التراث السوري الحديث المتنوع يبدو في أبهى صوره تحت الحكم العثماني أفضل مما كان الوضع عليه تحت الانتداب الفرنسي في وقت لاحق، والذي أسس سابقة مؤسفة في تفضيل بعض الجماعات على الجماعات الأخرى.
وعندما غادر الجنود الفرنسيون الأراضي السورية في عام 1946، عملت الجمهورية السورية المستقلة حديثًا على تعزيز قدرات جيشها وجهاز الاستخبارات. وشكلت سوريا وحدة قصيرة الأجل مع مصر في عام 1958، مما وسع نطاق انتشارها عبر الحدود الوطنية. طوال هذه الفترة، حاز حزب البعث العربي الاشتراكي المزيد من السيطرة، وجمع تدريجيًّا سلطة الحكومة وانقلابات رائدة في عامي 1963 و1966.
وتابع التقرير القول بأنه بعد انقلاب غير دموي في عام 1970، نصب زعيم حزب البعث حافظ الأسد (والد الرئيس الحالي) نفسه رئيسًا للبلاد. وكان يوزع المناصب الرئيسية على حلفائه المقربين، وخلق دائرة من الأتباع المخلصين لضمان السيطرة في نظام لا مركزي نسبيًّا.
ربما كان العنصر الأكثر أهمية في احتفاظ الحكومة بقبضتها على السلطة هو جهاز الاستخبارات السوري، وهو من بقايا الإرث الاستعماري الفرنسي، وفق رؤية التقرير.
وأوضح التقرير أنه تم تشكيل قطاع الاستخبارات السوري الذي كان يعرف باسم المكتب الثاني حتى عام 1969، على غرار قطاع الاستخبارات السوري الذي تم إنشاؤه تحت الحكم الفرنسي. واستهدف الجهاز جماعات المعارضة في لبنان، وعزز الدعم بين الجماعات الدينية والعرقية المتعاطفة خارج الحدود السورية، ودعم منظمات مثل حزب الله.
تحت حكم الأسد الأب، أصبحت المخابرات أكثر قوةً. ومكنت شبكات المخابرات العابرة للحدود الحكومة من مراقبة قطاع متنوع من السكان على مساحة كبيرة من الأراضي ومعاقبة المعارضة.
بفضل السيطرة العسكرية والشرطية، فقد مضى حكم الأسد تقريبًا دون منازع. عندما نشأت التهديدات، تدخل الجيش بكل حسم على الفور. وفي عام 1982 أُسست جماعة الإخوان المسلمين في حماة ضد الحكومة التي يقودها العلويون. وردًّا على ذلك، قتل الجيش السوري عشرات الآلاف من السوريين للقضاء على التمرد، وهو الفعل الذي عزز التصور العام للرئيس كقائد وحشي.
لم يعانِ الجميع من تهديد الدولة البوليسية. فالسوريون الذين انصاعوا للقانون وتجنبوا المشاعر المناهضة للحكومة أفلتوا من وحشية النظام. والعقوبات القاسية التي فرضتها الأجهزة الأمنية ردعت الجرائم اليومية.
الفرصة الضائعة للإصلاح
التقرير أعاد إلى الأذهان تولي بشار الأسد الرئاسة بعد وفاة والده في عام 2000. ولم يكن يفترض أن يتولى طبيب العيون، والذي لا يحظى بخبرة سياسية كبيرة منصب رئيس البلاد. ولكن شقيقه الأكبر توفي في حادث سيارة عام 1994، الأمر الذي أفسح المجال لترك المنصب شاغرًا أمام الأسد الأصغر.
ورث الرئيس الجديد الدولة الأمنية التي أنشأها والده. منذ اندلاع الحرب في عام 2011، قدم له النظام خدماتٍ جيدة. واليوم يحتفظ الرئيس السوري بدعم من العلويين، جنبًا إلى جنب مع مختلف الطوائف الدينية التي تعتبر أن سوريا ستكون أكثر خطورة من دون الأسد.
وقد وفرت العلاقات الوثيقة بين القائد وكبار رجال الأعمال والعسكريين في البلاد ما يكفي من الدعم لمساعدته على الاستمرار، والدفاع عن أرضه الساحلية والجنوبية، بحسب التقرير.
في بداية توليه المنصب، قام الأسد بإصلاحات ليبرالية ضئيلة للدولة البوليسية. وبدرجة ليست كبيرة، سمح بإبداء الرأي الآخر للحفاظ على الاستياء من الانفجار.
وخلال هذا الربيع الدمشقي، كما كان يطلق على هذه الفترة الوجيزة بعد تولي الأسد للرئاسة، سمحت الحكومة بمزيد من حرية التعبير. وعلى الرغم من أن الرسائل المناهضة للحكومة كانت ما تزال عرضةً للعقاب الوحشي، فقد سُمح ببدء حوار سياسي وطني مؤقت.
واختتم التقرير بقوله إن الحرب الأهلية طغت إلى حد كبير على أي مطالب للإصلاح. ورصد التقرير ما ذكره الأسد أخيرًا من أنه يريد أن يذكر بكونه الرجل الذي أنقذ بلاده. لكن بالنسبة لغالبية المجتمع الدولي، فإنه سيكون تراثًا مختلفًا تمامًا: أزمة أسفرت عن مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين.
أقصى ما يمكن للأسد أن يأمله ليكون تركةً هو بقاء النظام، وهو شبكة من المؤيدين الذين تمكن الأسد من الاحتفاظ بولائهم لنصف عقد من الزمن، والذين ستعتمد قوتهم في سوريا الجديدة على قوة رئيسهم.
“ساسة بوست”