عندما طرحنا مصطلح المراجعة السياسية لم نكن نقصد به ترفا فكريا أو مجرد استهلاك مرحلي، ولكن ما قصدناه أن نعاود التفكير والتأمل في مواقفنا السابقة بعيدا عن المجادلة السياسية، وفقا لفقه الواقعين السياسي والاجتماعي اللذين يحيطان بنا.
وعليه، فالسياسيون (شعبيون وتنفيذيون) مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى، وبعيدا عن المكابرة، وبضمائر حية ومن أجل المصلحة العامة، أن يعيدوا التفكير في خطهم السياسي، والخط السياسي هنا لا نقصد به الأيديولوجية المنهجية للتنظيم أو للسياسيين غير المنتمين إلى تيارات، ولكن ما نقصده الأساليب التي فضّل كل طرف اتخاذها للوصول إلى غايته السياسية.
لقد فرضت قوانين اللعبة السياسية على الجميع في وقتنا الحالي، وبعد سنوات قليلة من الحراك الشبابي، واقعا مغايرا عن السابق. فقد أصبحت مطالب السقف العالي المرتفع إحدى علامات الماضي، وانتهى معها أيضا أسلوب خلط الأوراق الذي كان يمارس من قبل بعض السياسيين، أو الحكومة نفسها في أحيان كثيرة.
لذلك أصبحت المحددات والمطالب، وما يمكن الوصول إليه، واضحة لجميع أطراف اللعبة – بمن فيهم القواعد الانتخابية – القادرون على تصنيف السياسيين الساعين الى الترشح إن كان هدفهم الكراسي، أو التأجيج الطائفي والقبلي، أو خدمة متنفذين، أو لخدمة المسار السياسي.. الخ.
وإن كان النظام الانتخابي هو عصب اللعبة السياسية في البلاد، فعلى من قاطع الانتخابات الأخيرة والتي قبلها أن يراجع مواقفه وفقا لمبادئ الربح والخسارة، وليس هناك حرج في أن يقوم البعض، وبشجاعة، بمراجعاته السياسية في عالم سريع التغيير في ضوء أحداث إقليمية ودولية أكثر سرعة وتحركا، يجبر هذه الجهة أو هذا الفصيل على إعادة التفكير والتراجع عن مواقفه السابقة، وليس فقط مجرد أفراد سياسيين.
وإن كانت المسؤولية الكبرى تقع على من اتخذ قرار المقاطعة، فهناك مسؤولية وطنية ومجتمعية تقع على كاهل الحكومة، فهي وفقا لما تمتلكه من أدوات دستورية، بجانب طبيعة الوضع السياسي الحالي، قادرة على تمرير أي مشروع أو اقتراح يتعلق بالمجرى السياسي.
لذلك، ووفقا لكونها حكومة الشعب بمختلف مشاربه وتوجهاته، ندعوها في ما تبقى من عمر المجلس الحالي، وهي في موقفها القوي، الى أن تسارع إلى إعطاء فرصة للآخرين لمراجعة أنفسهم سياسيا، وإعطاء إشارات لهم بقدرتها على الوصول إلى أرضية مشتركة في كل الملفات العالقة، وعلى رأسها النظام الانتخابي، في حال تحركهم بشكل إيجابي وفق الشروط الأساسية المتمثلة في احترامهم للدستور، والمؤسسات الشرعية.
وحسنا فعلت اللجنة التشريعية عندما أحدثت رواجا في الشارع السياسي، وناقشت المقترحات بقوانين المتعلقة بالنظام الانتخابي، ووافقت على أحدها (خمس دوائر وصوتين).. فطرح تلك المقترحات وغيرها، سيكون المدخل إلى أرضية الحدّ الأدنى للتوافق بين كل القوى، ومن ثم إعادة ترتيب أفكارها من جديد.
بقلم الكاتبة | فوزية أبل