عبرت نقابة الأطباء عن خيبة أملها من أداء وزير الصحة د.علي العبيدي خلال ولايته الوزارية الثانية التي كان يتطلع خلالها “مقدم ومتلقي” الخدمة الصحية لأداء أكثر فاعلية وإصلاحات جذرية في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه القطاع الصحي والمسئوليات الجسيمة التي عجز العبيدي عن حملها وإيجاد الحلول الفعلية لها.
وأكدت النقابة في بيان صحافي لها على لسان نقيب الأطباء د.حسين الخباز أن العبيدي لم يضف على السياسة العامة لوزارة الصحة ولا على العمل الإداري والفني أي جديد يذكر حتى يمكن دعمه أو التمني باستمراره في منصبه وزيراً للصحة، مشيرا أنه وعلى العكس من كل تلك التطلعات والطموحات التي يبتغيها الشعب الكويتي والعاملين بالقطاع الصحي فقد استمر مسلسل التجاوزات المالية والقانونية والإدارية التي لم يحرك العبيدي لها ساكنا بالرغم من كشفها بالوسائل الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي وحتى بالأسئلة البرلمانية، لافتا أن ذلك يثير علامات الاستفهام حول أداء الوزير وعن إمكانية استمراره بحمل هذه الحقيبة الوزارية التي بدا واضحا أنها أثقل بكثير من إمكانياته السياسية وقدراته الإدارية.
وفي هذا الصدد كشف الخباز عن مجموعة من التجاوزات التي حصلت بعهد الوزير الحالي والتي وصفها “بالخطيرة والفادحة” كونها قد مست المال العام والخاص، وتعلقت باستهتار واضح بحياة وأرواح المرضى، وشملت التعسف الوظيفي بحقوق الجسم الطبي، وصولا إلى تنفيع صارخ بالمناصب القيادية والإشرافية، وذهبت إلى أبعد من كل ذلك بخداع الوزير لأعضاء السلطة التشريعية بإجابات برلمانية مغلوطة عن وقائع فساد مثبته بالأدلة لدى نقابة الأطباء، مؤكدا أنها تجاوزات شارك بها العبيدي بطريقة “مباشرة وغير مباشرة” بما يجعله المسئول الأول عنها سياسيا وتجعل مساءلته عنها “وتقديم الاستقالة” أمرا مستحقا لابد منه، خصوصا بعد نيله لثقة القيادة السياسية التي أصبح معها لزاما عليه “البر بقسمه” في خدمة الوطن والمواطن وتطبيق مسطرة القانون والعمل بأمانة وإخلاص بعيدا عن المصالح الشخصية والحزبية.
وكشفت الخباز بعضاً من أشكال التنفيع وأوجه الفساد التي رصدتها نقابة الأطباء خلال الفترة القصيرة الماضية التي تولى فيها الوزير العبيدي لحقيبته الوزارية الثانية، وكانت بالآتي :
أولا : اتخذ الوزير الحالي في سبيل “طمس الحقائق” عن التجاوزات الوزارية منهجا جديدا لم تشهده وزارة الصحة عندما “خدع وضلل” السلطة التشريعية بإجابات برلمانية مغلوطة عن أسئلة برلمانية تخص شبهات فساد كشفتها نقابة الأطباء بالوسائل الإعلامية، وهي سابقة خطيرة كفيلة باقتلاع أي وزير من منصبه كما حدث مع وزير الداخلية الأسبق بحادثة المرحوم الميموني التي تسببت بتقديم الوزير لاستقالته بعد إدلائه بمعلومات مغلوطة عن وقائع الحادثة للنواب ووسائل الإعلام، إلا أن الوزير العبيدي – وبالرغم من تلك المغالطات والخداع – لا يزال يجلس على كرسي الوزارة.
ثانيا : استهتار وزير الصحة بحياة وأرواح مرضى وقعوا ضحية “لأخطاء طبية” بدا واضحا في تجاهله لشكاوى قدمت للوزارة دون إجراء أي تحقيق فيها، بما دفع النواب لتوجيه أسئلة برلمانية بهذا الخصوص إلا أن العبيدي لا يزال يرفض الرد عليها ويتعمد تجاهلها بالرغم من مرور (6) أشهر على توجيهها وذلك لارتباطها بمتنفذين يبدو واضحا أن الوزير يحاول التستر عليهم على حساب حياة وأرواح الشعب الكويتي، بما يصبح معه “طرح الثقة فيه” أمرا مستحقاً.
ثالثا : تخبط الوزير بملف العلاج بالخارج كان واضحاً للجميع بدليل تغيير ثلاثة مدراء لهذه الإدارة خلال (5) أشهر فقط وذلك للتخفيف من وطأة التجاوزات التي عصفت بالإدارة وكانت مع الأسف الشديد على حساب المرضى المستحقين الذين اضطروا للتوجه إلى مواقع التواصل الاجتماعي بتوجيه المناشدات لرفع الظلم الواقع عليهم بسبب تلك التجاوزات، وهو ما دفع بمجلس الوزراء للتدخل المباشر – سداً لعجز الوزير – بوضع شروط جديدة لتقنين ابتعاث مرضى “السياحة بالخارج”.
رابعا : صمت الوزير عن الاختلاسات المالية بمئات آلاف الدنانير من أموال الأطباء التي قامت بها وزارة الصحة لصالح الحساب البنكي للجمعية الطبية من دون علم الأطباء بتلك الاستقطاعات المالية هو دليل إدانة يكفي لإثبات عدم صلاحية العبيدي للاستمرار بمنصبه الوزاري، فبعد أن كانت نقابة الأطباء السباقة بكشف تلك التجاوزات المالية وإثارتها إعلاميا ومن ثم التقدم بشكاوي للجنة العرائض والشكاوي بمجلس الأمة والتي ترتب عليها توجيه أسئلة برلمانية بهذا الخصوص، إلا أنه ومع كل ذلك لا يزال الوزير يتسر على تلك الاختلاسات من أموال الأطباء برفضه الإجابة على الأسئلة والاستفسارات البرلمانية المقدمة منذ أكثر من (6) أشهر بما يجعله شريكا بتلك التجاوزات ويجعل “طرح الثقة فيه” أمرا مستحقاً.
خامسا : حاول الوزير إظهار نفسه بمظهر حامي المال العام بما يخص تجاوزات المكتب الصحي في واشنطن وكان ذلك عندما أنهى ندب الملحق الصحي وتبريره للقرار بأنه لا يمكن التفريط بالمال العام وضرورة محاسبة المتهمين، ذلك بالرغم من أن التعدي على المال العام – أمام عينيّ الوزير – مستمر يوميا وليس بالشيء الجديد حتى يُظهر تلك الانتفاضة الوهمية.
فأحد أدلة التعدي على المال العام هو ما حدث بمستشفى الأمراض السارية بضياع “ملايين الدنانير” من خزينة الدولة بسبب إحدى التجهيزات الطبية التي وبعد إثارتها إعلاميا من أحد الأطباء الاستشاريين العاملين بالمستشفى قامت الوزارة بنقله لمستشفى العدان عوضا عن تكريمه، وكل ذلك أمام “مسمع ومرأى” الوزير العبيدي الذي اكتفى بمشاهدة أشكال التعسف الوظيفي التي مورست ضد هذا الاستشاري دون أن يحرك ساكنا لنصرة المال العام الذي يتغنى بحمايته أمام وسائل الإعلام.
سادسا : لم يدرك أغلب المتابعين لتجاوزات المكتب الصحي في واشنطن بأن الجزء الأهم بالنسبة لوزير الصحة كان بتعيين أحد المقربين المحسوبين على “تياره السياسي” بمنصب الملحق الصحي خلفا للملحق السابق، فالوزير العبيدي خلال ولايته الأولى للوزارة قام بإحالة مدير منطقة صحية للتقاعد الجبري ليقوم بتعيين نفس هذا المقرب “خلفا للمدير المُحال” إلا أن القضاء – وبحكم من محكمة التمييز – ألغى قرار العبيدي وغرم الوزارة (16) آلاف دينار من “المال العام” بسبب قراره.
ولأنه بات واضحا أن الوزير لا يؤمن بوجود كفاءات وطنية أخرى – سوى هذا المقرب المحسوب على تياره السياسي – فقد كرر نفس الفعلة بإنهاء تعيين الملحق الصحي في واشنطن ليقوم بتعيين “هذا المقرب” خلفا للملحق السابق، ذلك من دون إجراء مقابلات أو إعلان عن وظائف شاغرة كما جرى مع الملحقين الآخرين بمختلف دول العالم، ليكشف لنا العبيدي الجزء الأهم من أسباب قراره بإنهاء خدمات الملحق الصحي السابق الذي وبالرغم من أنه هو من كشف الاختلاسات المالية بكتب رسمية مرسلة للوزير إلا أن العبيدي – وعوضا عن مكافأته – قام بإنهاء ندبه ليتسنى له تعيين المحسوب على تياره السياسي.
سابعا : عزز الوزير اختراقات الجهاز القانوني بوزارة الصحة وحرص على تفصيلها حسب “مقاسه السياسي” من خلال تدويره الأخير للوكلاء المساعدين، فكما هو معروف للجسم الطبي أن هذا القطاع هو من هندس قرارات العبيدي “المخالفة للقانون” والتي أبطلتها الأحكام القضائية المتتالية التي كان آخرها الحكمين الصادرين بإلغاء القرارين اللذين أحال خلالهما الوزير مديريّ منطقتين صحيتين للتقاعد وكلفا خزينة الدولة أكثر من (16) ألف دينار بسبب تصفيات العبيدي لخصومه.
وبالرغم من أن الوزير يعلم تمام العلم أن القطاع القانوني هو الأولى “بالتصفية والتطهير” قبل غيره من القطاعات الوزارية إلا أنه آثر إلا وأن يعزز فيه تلك “الاختراقات” التي تُخيط القرارات على “مقاسه السياسي”، ليقوم بعدها بتكليف هذا القطاع بالتحقيق في شبهات المكتب الصحي بواشنطن والتي بالطبع سيستفيد منها “صديق الوزير” المحسوب على تياره السياسي.
ثامنا : التصرفات الطائشة للوزير بتعمد تعطيل مجموعة من القوانين الصحية التي ستنعكس بفائدتها العظيمة على المنظومة الصحية وسمعة الكويت محليا ودوليا، والتي كان من ضمنها قانونيّ “المسئولية الطبية وحقوق المريض”، بعدم حضوره لاجتماعات اللجان البرلمانية بالرغم من الدعوة الرسمية الموجهة له وذلك نكاية بنقابة الأطباء التي تبنت تلك القوانين وكانت السباقة بتقدميها لمجلس الأمة قبل الوزارة والجمعية الطبية التي يحاول الوزير جاهدا لصق تلك الانجازات بإسمها كونها تنتمي لتوجهات تياره السياسي، هي تصرفات تؤكد ضيق أفق النظر لدى العبيدي بتغليب المصالح الشخصية على المصلحة العامة بتعمده تعطيل تلك القوانين المهمة التي سيستفيد منها المرضى والمراجعين والجسم الطبي كلهم على حد سواء.
تاسعا : فشل الوزير بإيجاد الحلول الفعلية لظاهرة الاعتداء على الأطباء التي صرح بولايته الأولى أنه سيتم القضاء عليها من خلال قانون تغليظ عقوبة الاعتداء الذي سيتم الانتهاء منه في ديسمبر (2012)، وها نحن الآن على مشارف ديسمبر (2014) ولازالت هذه الظاهرة تستفحل يوما بعد يوم بتعرض الأطباء يوميا للعنف الجسدي واللفظي ووعود الوزير – لغاية ولايته الثانية – مكانك راوح !
ذلك في وقت تقدمت فيه نقابة الأطباء بقانون المسئولية الطبية الذي يتضمن إيجاد حلول جذرية لهذه الظاهرة إلا أن الوزير يرفض التعاون لإقرار هذه القوانين نكاية بنقابة الأطباء، ودون الأخذ بعين الاعتبار للمصلحة العامة التي ستترتب على إقرار مثل تلك التشريعات المهمة التي ستوفر أجواء “الأمان الوظيفي” المنشودة للجسم الطبي.
عاشر : قرار الوزير العبيدي الخاص بندب رؤساء الأقسام بالمستشفيات والمراكز الصحية قد شابه ظلم كثير من الأطباء الذين استاءوا من تخطيهم في هذه المناصب الإشرافية بالرغم من استيفائهم لكافة الشروط المقررة بالإضافة لخبراتهم التي تفوق كثير ممن تم اختيارهم بتلك المناصب، بما حدا بالمتضررين لنقل استيائهم البالغ إلى نقابة الأطباء من تنفيع الوزير للمتنفذين والمحسوبين على تياره السياسي على حساب الكفاءات الوطنية.
حادي عشر : شهد معهد الكويت للاختصاصات الطبية “كيمز” تجاوزات قانونية تعمد فيها الأمين العام التعسف مع حقوق الأطباء الوظيفية بشروط غير منصوصة بالقرارات والقوانين المنظمة التي وبالرغم من إثارتها إعلاميا وتوجيه الأسئلة البرلمانية المستحقة عنها لوقف التعسف الذي يمارسه الأمين العام للمعهد، فقد أتى رد وزير الصحة بأنها أسئلة “غير دستورية” في محاولة مكشوفة منه للتستر على أشكال الفساد التي تلطخ بها أداء المعهد ولحماية الأمين العام عنها.
ثاني عشر : مسلسل التعسف الوظيفي الذي يتعرض له الأطباء يوميا كان الوزير العبيدي داعما أساسيا له في وقت كان الجسم الطبي يظن أنه طبيب ويستشعر بمعاناتهم الوظيفية، ومن أبرز تلك الأمثلة التي حدثت مؤخرا وكان الوزير “مصفقاً لها” هي إصدار قرار وقف ترخيص أحد اختصاصيي جراحة المخ والأعصاب – الذي يشهد لخبرته القاصي والداني – لمدة ثلاثة أشهر بذريعة عدم كتابته للرقم المدني على الوصفة الطبية، بتعمد واضح “لقطع أرزاق الأطباء” بعهد العبيدي، وهو القرار “الدكتاتوري” الذي تصدى له القضاء الكويتي وأبطله – كما أبطل سابقيه- بقراريّ الوزير الخاصين بإحالات التقاعد.
كما شهدت أشكال التعسف الوظيفي مع الجسم الطبي في عهد العبيدي شكلا آخر مع أحد الأطباء الاستشاريين الذي تعرض لنقل تعسفي من مستشفى الأمراض السارية لمستشفى العدان بسبب كشفه لتجاوزات “بملايين الدنانير” من المال العام الذي يتغنى الوزير بضرورة الحفاظ عليه، ليكون هذين المثالين هما “غيض من فيض” أشكال التعسف الوظيفي الذي يتعرض لها الجسم الطبي يوميا في ظل “تصفيق الوزير لها” بالرغم من أنه طبيب ومن المفترض به مساعدتهم لا معاقبتهم.
ثالث عشر : فشل وزراء الصحة المتعاقبين بتحقيق أهداف خطة التنمية التي أقرت من مجلس الأمة بقانون صادر بعام (2009) يؤكد بالتبعية فشل كل من تولى الحقيبة الوزارية خلال الفترة ما بين (2009- 2014) وعجزه عن تحقيق تطلعات وطموحات الشعب والجسم الطبي فيما يخص السياسات العامة للقطاع الصحي، وهو ما يطرح تساؤلا مهما يوجه لسمو رئيس مجلس الوزراء عن أسباب إعادة توزير أسماء تفتقر للمقومات الأساسية و”الإمكانيات الإدارية” التي تؤهلها لتحقيق الأهداف الحكومية المرجوة فيما يخص الدفع بعجلة التنمية والإصلاح التي ينشدها شعب كامل في هذا القطاع الحيوي ؟!
وختم الخباز بيان نقابة الأطباء بالتأكيد على أن استمرار د.علي العبيدي بمنصبه وزيراً للصحة أصبح من غير ذي جدوى فعلية بعد الفرص الكثيرة التي منحت له وفشل باستغلالها، مشددا بأن استمراره في حمل الحقيبة الوزارية سيكلف الوزارة مزيدا من الترهل الإداري واستفحال أشكال التنفيع والفساد خصوصا بعد تذرعه “بعدم دستورية” الأسئلة البرلمانية التي كشفت أنواع الفساد المستشري، بالإضافة إلى “تضليله وخداعه” لممثلي الأمة بإجابات برلمانية مغلوطة عن أسئلة أخرى للتستر على التجاوزات التي تنخر بمرفق الصحة، ناهيك عن رفضه الإجابة على أسئلة برلمانية أخرى متعلقة بحياة وأرواح المواطنين والمقيمين، وهو ما يجعل رحيل وزير الصحة أمرا مستحقا وضرورة ملحة بعد تلك “السقطات السياسية” والتجاوزات غير المغتفرة التي كشفت عن فقدان العبيدي للمقومات الأساسية و”الإمكانيات اللازمة” لإدارة المرفق الصحي وعجزه عن تحقيق أهداف خطة التنمية والإصلاحات المنشودة التي يتطلع لها الشعب الكويتي والجسم الطبي على حد سواء.