بدأت ردود الفعل على ما بات يعرف إعلامياً بـ “وثائق بنما”، إحدى أكبر التسريبات في التاريخ؛ تظهر على لسان حكومات وزعماء الدول التي أوردت التسريبات أسماء مسؤولين فيها، تورطوا بإخفاء ثرواتهم.
وكشف التحقيق الواسع الذي أجرته نحو 100 صحيفة حول 11.5 مليون وثيقة؛ عن أرصدة في الملاذات الضريبية لـ140 مسؤولاً سياسياً، أو شخصية كبيرة من أنحاء العالم.
وفي حين رحب الرئيس الفرنسي بالوثائق، وشكر من كشف عنها، معتبراً إياها نبأ ساراً “للأخلاق والمالية”، اعتبر الكرملين أن هذه الوثائق دبرت بليل؛ لتستهدف روسيا بمؤامرة، والرئيس فلاديمير بوتين، “بشكل أساسي”.
وأظهرت التسريبات التي اشتملت على 11.5 مليون وثيقة من مكتب “موساك فونسيكا” للمحاماة، كيف أن عدداً من أكثر الأشخاص نفوذاً في العالم هرّبوا أموالهم إلى “ملاذات آمنة”.
ويرصد “الخليج أونلاين” في تغطية خاصة، أهم وأبرز ردود الفعل الدولية على هذه الوثائق.
– فرنسا: “نبأ سار”
ونبدأ من فرنسا، حيث أكد الرئيس فرانسوا هولاند، الاثنين، أن ما كشفته التحقيقات الأولى عن الملاذات الضريبية سيؤدي إلى تحقيقات في فرنسا، وشكر الذين كشفوا هذه المعلومات، متوقعاً أن تجني خزينة الدولة منها “موارد ضريبية”.
وقال هولاند: إن “كل المعلومات التي ستسلم ستخضع لتحقيقات مصلحة الضرائب ولإجراءات قضائية”، وأضاف: إن “كل التحقيقات ستجرى، وكل الإجراءات ستنفذ، وستجري محاكمات على الأرجح”.
وتابع الرئيس: إن “معرفة هذه المعلومات نبأ سار؛ لأنه سيكون لدينا موارد ضريبية من الذين قاموا بعمليات تهرب”، وقال: إنه في 2015 “أبلغ الذين قاموا بتهرب بضرورة إعادة عشرين مليار يورو (…) استعادت الخزينة 12 ملياراً منها”.
وأضاف: “لذلك أشكر المبلغين، وأشكر الصحافة التي تحركت، ولا شك لدي بأن محققينا مستعدون تماماً لدراسة هذه الملفات، وهذا جيد من أجل الأخلاق، ومن أجل ماليتنا العامة”.
وقال الرئيس الفرنسي: “بفضل هؤلاء المبلغين أصبح لدينا الآن معلومات، هؤلاء المبلغون يقومون بعمل مفيد للأسرة الدولية، ويجازفون، ويجب حمايتهم”.
– روسيا تندد
وندد الكرملين، الاثنين، بتسريب “أوراق بنما” حول الملاذات الضريبية لشخصيات كبرى، معتبراً أن هناك مؤامرة من ورائها لاستهداف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بشكل رئيس.
وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، للصحفيين: إن “بوتين، وروسيا، وبلادنا، واستقرارنا، والانتخابات المقبلة، كلها الهدف الرئيس، وخصوصاً من أجل زعزعة الوضع”، مضيفاً: أنه “لا شيء جديداً أو ملموساً” حول الرئيس الروسي في التسريبات.
واعتبر بيسكوف أن الصحفيين الاستقصائيين الذين عملوا على “أوراق بنما” هم مسؤولون أمريكيون سابقون، وعملاء سابقون في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه).
وأضاف: “نعرف هذه المسماة مجموعة صحفية”، في إشارة إلى “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، مضيفاً: “هناك الكثير من الصحفيين الذين يركزون مهنتهم خارج الإعلام، عدد كبير من المسؤولين السابقين في وزارة الخارجية الأمريكية، وسي آي إيه، وأجهزة خاصة أخرى”.
– باكستان.. “مستعدة للتحقيق”
وفي باكستان، دافعت عائلة رئيس الوزراء نواز شريف، الاثنين، عن امتلاكها لشركات “أوفشور” بعد أن ورد اسمها في أوراق بنما.
وتعتبر مسألة الحصول على عائدات مسألة حساسة بشكل خاص للحكومة الباكستانية، التي حصلت على صفقة إنقاذ بقيمة 6,6 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، وتبلغ نسبة الضرائب على إجمالي العائد المحلي 11%، وهي من بين أدنى النسب في العالم.
ومن بين الذين كشفت التسريبات عنهم، أولاد نواز شريف الأربعة؛ مريم، التي يعتقد أنها ستكون خليفته السياسية، وحسن وحسين، اللذان تظهر السجلات أنهما تملكا شركة عقارية في لندن من خلال شركات “أوفشور” أدارها مكتب المحاماة.
وصرح عمر شيما، من مركز التحقيقات الاستقصائية في باكستان: “نواز شريف لا يملك أي شركة باسمه، إلا أن امتلاك أولاده لشركات يثير التساؤلات”.
وشارك المركز الباكستاني مع “الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين”، الذي أمضى شهوراً في تفحص الوثائق قبل الكشف عنها على الإنترنت الأحد.
وصرح شيما: “يوجد أكثر من 200 باكستاني حددهم تقريرنا، ومن بينهم محامون، وأعضاء في البرلمان، وعدد من رجال القضاء”.
إلا أن حسين نواز شريف قال لإذاعة “جيو”، أكبر إذاعة خاصة في البلاد: إن عائلته “لم ترتكب أي خطأ”، مضيفاً: “هذه الشقق لنا، وشركات الأوفشور هذه أيضاً لنا”.
وأضاف: “ليس هناك ما يعيب فيها، ولم أخفها أبداً، ولست بحاجة إلى إخفائها”. وقال: إنها “وبموجب القانون البريطاني وقوانين الدول الأخرى، طريقة قانونية لتجنب الضرائب غير الضرورية عبر شركات الأوفشور”.
وأضاف حسين: إنه غادر باكستان في 1992، ومن ثم فإنه لا يعتبر مقيماً فيها، مضيفاً: إن قوانين الضرائب الباكستانية “تقول إنه إذا لم تكن مقيماً في باكستان لأكثر من 138 يوماً، فأنت غير ملزم بالكشف عن أصولك”.
وبشأن دعوة عمران خان، مكتب المحاسبة الوطني للتحقيق، قال حسين: “نحن نقدم أنفسنا طوعاً أمام المكتب، أو أي مؤسسة قضائية، أو جهة تحقيق أخرى في باكستان”.
– آيسلندا.. مطالبات بالاستقالة
وإلى آيسلندا، حيث دعت رئيسة الحكومة السابقة، يوهانا سيغوردادوتير، رئيس الوزراء الحالي إلى الاستقالة بعد اتهامه في التحقيق الدولي حول أرصدة كبار المسؤولين في الملاذات الضريبية.
وقالت سيغوردادوتير في رسالة نشرتها على فيسبوك مساء الأحد: إن “على رئيس الوزراء (سيغموندور ديفيد غونلوغسون) الاستقالة على الفور”.
وأضافت “يجب ألا يكون للناس رئيس للوزراء يخجلون به.. أثبت رئيس الوزراء شكوكه بالعملة والاقتصاد الآيسلنديين من خلال إيداع أمواله في ملاذ ضريبي، ويبدو أن رئيس الوزراء لا يفهم ماذا تعني الأخلاق”.
ويتبين من الوثائق التي كشف عنها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، أن رئيس الوزراء الحالي، سيغموندور ديفيد غونلوغسون، أسس مع زوجته شركة في “الجزر العذراء البريطانية” ليخفي فيها ملايين الدولارات.
ويزعزع الكشف عن هذه المعلومات “آيسلندا” التي شهدت فائضاً مالياً في سنوات الألفين، وقد وقع أكثر من 16 ألف آيسلندي عريضة طالبوا فيها باستقالته، وستطلب المعارضة التصويت على حجب الثقة في البرلمان هذا الأسبوع، وستجتمع اللجنة الدستورية للبرلمان اليوم الاثنين، كما ذكرت الإذاعة-التلفزيون الرسمي.
وأثارت أوراق بنما عاصفة من الجدل حول ثروات “الأوفشور”، وأظهرت تورط قادة سياسيين، وشخصيات رياضية، وأفراد عصابات في العالم، في الفضيحة.