مع بداية كل فصل تشريعي، وأثناء الحملات الانتخابية، تطفو على السطح قضية «معاملات النواب»، التي يتردد فيها النائب على الوزارات والدوائر الحكومية، لإنهاء مصالح أبناء دائرته، مفرطاً في عمله التشريعي والرقابي بدرجات متفاوتة. ففي انتخابات سابقة اتهم مرشحون مرشحين آخرين، تفتح لهم الأبواب المغلقة لتمرير المعاملات، التي تكون لها تأثير السحر في فرص المرشح للظفر بالكرسي الأخضر، ليستمر بعدها (خلال مدة عضويته) في إنجاز معاملات من أوصلوه إلى المجلس من الناخبين.
وتشكل تلك القضية هاجساً لمن يسعى إلى إعادة العمل البرلماني إلى جادته الصحيحة، وهناك محاولات مستمرة منذ مجالس تشريعية سابقة، أغلبها من خارج المجلس، وأخرى مدعومة من قبل أطراف نيابية، كونها تؤدي إلى إحداث ثغرة لدى النائب يخترق من خلالها، على الرغم أن من المفترض فيه أن يراقب الحكومة ووزراءها.
قضية المعاملات التي كان يتحاشى أغلب النواب والحكومة الحديث عنها، ولم يكن يستطيع أحد في السابق الجهر بها خارج الغرف المغلقة، أصبحت تتردد في أجهزة الإعلام ووسائل التواصل، وقاعة عبدالله السالم واللجان، لدرجة أن بعض النواب والوزراء أصبحوا يناقشون التوقيعات «الصورية» في مداخلاتهم أمام عدسات الإعلام، بل ودخول بعض النواب في نقاش حول أحقيته في توقيع المعاملات، وقد وصل الأمر إلى إعلان بعض الوزارات والجهات الحكومية تخصيص أيام محددة في الأسبوع لمقابلة النواب ودراسة معاملاتهم.
وما يؤكد ذلك ما قاله الوزير محمد العبدالله، في إحدى الجلسات، ان عبارة «لا مانع» التي يمضيها الوزير على المعاملات، تعني أن السلطة الإدارية الممثلة بالوزير لا تمانع هذا الإجراء، ولا تعني إلزام الجهة الإدارية بالتنفيذ المباشر، وعلى الإدارة الفنية التأكد من الشروط الفنية، وعليه ينفذ قرار الوزير وفق ذلك، وما اللغط الدائر حول العلاج بالخارج، وتأكيد نواب أن فتح أحد الوزراء المعاملات أمام النواب بلا ضوابط أو قيود، سوى تأكيد عملي على قدرة النائب على إنجاز معاملات لناخبيه، ودور المعاملات في الحكم على مستقبل النائب في الانتخابات المقبلة.
وقد ظهرت محاولات نيابية، ولكن لم تصغ في شكل اقتراحات بقانون، حاولت التغلب على تلك القضية، كانت تصب جميعها في منع النائب بقانون من مراجعته للوزراء في مكاتبهم، حتى يتفرغ كل من النائب والوزير لأداء ما هو مطلوب منهما.
ومع اقتراب موعد الانتخابات المقبلة، ترتفع وتيرة ضغط النواب على الحكومة، على اعتبار أن المعاملات هي الأمل الوحيد أمام الكثير منهم للعودة إلى المجلس في الدورة المقبلة، واستجابة الحكومة لتلك الضغوط، يعني أننا سنظل ندور في حلقة مفرغة، مجلسا وراء مجلس آخر، بنفس النهج والأساليب.
فهل سيتغير النهج أم ستظهر المفاجآت، وتتخذ الحكومة قرارا في احد اجتماعاتها، بمنع وزرائها من التوقيع على المعاملات؟!