أثارت تصريحات ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، مؤخراً حول قيادة المرأة السعودية للسيارة، التي اعتبر فيها أنّ المجتمع لا يزال غير متقبل لمثل هذه الفكرة، مؤكداً بأنّه لا يمكن أن “يفرض” على المجتمع أمراً لا يرغب به، أثارت تساؤلات حول مصير هذه القضية.
فقد جاءت تلك التصريحات التي أدلى بها بن سلمان للصحافيين بعد إقرار مجلس الوزراء “رؤية السعودية 2030” التي اشتملت على إصلاحات اقتصادية لخفض الاعتماد على النفط، وشملت أيضاً جوانب ذات بعد اجتماعي، منها تعزيز مشاركة المرأة في سوق العمل من 22% إلى 30%.
ورداً على سؤال حول كون تعزيز هذه المشاركة قد يؤدي للسماح للنساء بقيادة السيارات، أجاب بن سلمان: “قيادة المرأة لها علاقة بالمجتمع نفسه، يقبلها أو يرفضها”، مؤكداً أنّ المجتمع غير مقتنع بقيادة المرأة ولا يزال يعتقد أنّ لها تبعات سلبية جداً، حيث إنّ هذه المسألة لها علاقة بشكل كامل برغبة المجتمع السعودي الذي لا نستطيع أن نفرض عليه شيئاً لا يريده، مشيراً إلى أنّ المستقبل ستحدث فيه متغيرات ونتمنى دائماً أن تكون متغيرات إيجابية.
وعلى أثر ذلك تبقى تساؤلات مطروحة في مثل هذه القضية تتمثل في إمكانية حسم الأمر بقرار سياسي حازم ينهي حالة الجدل الدائرة بين مكونات المجتمع السعودي في قضية قيادة المرأة السعودية للسيارة كما يدعو إليه البعض، فيما يرى آخرون ضرورة اتخاذ مثل هذا القرار على أساس التوافق الثقافي والفكري بين كافة مكونات المجتمع السعودي.
– القرار السياسي الحاسم سينهي الجدل
وحول هذا الأمر، يرى رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة مكة المكرمة سابقاً، الدكتور أحمد بن قاسم الغامدي، في تصريحات خاصة لـ”الخليج أونلاين”، أنّ القرار السياسي الحاسم تجاه قيادة المرأة للسيارة يكفي في هذا الموضوع، لأنّ هذا القرار حين يأخذ حيز العمل في حياة الناس لن يحدث معه تغيير أو مظهر مخل في واقع الناس اليومي، مشيراً إلى أنّ المرأة التي تركب سيارتها مع السائق ذهاباً وإياباً كل يوم أصبحت فقط تركب سيارتها بغير سائق، وهذا يعني- بحسب رؤية الغامدي- أنّه لن يحدث فرق ذو بال يدعو للتحفّظ على اتخاذه تحدياً لقبول كل الناس له.
وفي رده على من يعارض قيادة المرأة السعودية للسيارة يقول الغامدي: “إذا ما اتخذ قرار يسمح للمرأة السعودية بقيادة السيارة فلا شكّ أنّ النظام سيضبط الحالة العامة في الطرق، وستصبح المسألة طبيعية بعد المضي في تنفيذه، وبطبيعة الحال فإنّ اتخاذ مثل هذا القرار يفضّل أن يكون مبنياً على تقبل عموم الناس له”، مشيراً إلى أنّ عموم الناس متقبلون له، لكن مع الضجيج والتشويش الذي يحدثه المعارضون في هذه المسألة قد تخفى معرفة درجة تقبل كل الناس له.
ويؤكدّ الغامدي استحسان أن تقوم الجهات الرسمية المختصة بمزيد من التوعية في هذا الباب مع قياس مدى تقبل عموم الناس له، والتحقق من ذلك بصورة دقيقة، لتكون الإيجابيات المتوخاة في صدوره أكبر، فعلى سبيل المثال يتم طرح الحوار فيه بالجامعات والمؤسسات التعليمية لطلاب الكفاءة ومن فوقهم للجنسين، ونحو هذا، ليكون في ذلك توعية، وكذلك قياس لمدى قبول الشريحة المهمة له، مشيراً إلى أنّ إرهاصات السماح للمرأة بقيادة السيارة توشك أن تكون قريبة، ولكن الجهات المختصة قد يكون لديها من الحيثيات ما يستدعي تأخيره.
– خاضع للتوافقات الاجتماعية
من جانبه يعتقد أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود بالسعودية، الدكتور سليمان العقيل، بأنّ القضايا الاجتماعية في المجتمع السعودي منذ الملك عبد العزيز حتى الآن لا تعالج بالقرارات السياسية الحاسمة، بل تعالج بالتوافقات الاجتماعية والتوجه المجتمعي نحوها، مؤكداً أن جميع القضايا الاجتماعية التي مرت بالمجتمع السعودي كانت الإرادة السياسية فيها خاضعة للإرادة المجتمعية، وهو اتفاق ضمني بين المؤسس وبين الفعاليات الاجتماعية الكبرى في المجتمع؛ من قبائل ومشايخ وأسر ومثقفين عقلاء وغيرهم.
ويرى العقيل، في حديثه الخاص لـ”الخليج أونلاين”، أنّ قيادة المرأة للسيارة بالسعودية تعدّ قضية اجتماعية المتنفذ الوحيد فيها وصاحب القول الفصل فيها هو المجتمع ممثلاً في مكوناته المختلفة، التي لم تتفق بعد على الشكل العام لها لأسباب تباينت وتعددت، منها الجانب الديني الاجتماعي ومنها الجانب الاجتماعي الصرف، ومنها النفسي، ومنها الجوانب السلبية المتوقعة التي يتخوف منها كثيرون.
ويعتبر العقيل بأنّه على الرغم من أنّ هناك اتفاقاً على أهمية وبساطة هذه القضية، وأنّها لا تشكل ذلك الزخم الذي يتحدث عنه البعض في الملتقيات والندوات والإعلام، فإنّها مرتبطة كثيراً بالتخوفات من فعاليات المجتمع، الذي يعطي مؤشراً مميزاً بأنّ هذه القضية تأخذ نوعاً من التحلحل للقبول والانفراج في القريب، وذلك بعد دخول المرأة في مجال العمل وأخذها مكانة في الحياة الاجتماعية العامة.
ويتابع العقيل قائلاً: “البعض يتخوف من أنّ هذه دعوات مضرة على المدى البعيد، فالمرأة السعودية مرفهة، والسائق يقدم لها خدمات لا تستطيع أن تقوم بها، فلماذا هذا العناء والشقاء الذي يُراد بالمرأة؟ وفي المقابل هي تريد أن تقوم بالأشياء بنفسها فلماذا تمنع من هذا؟”، وعلى أثر ذلك فإنّ هذا الشد والجذب في هذه القضية بين الخوف والطموح ولد- بحسب رؤية العقيل- نوعاً من التباطؤ الذي لا يمكن للحكومة التدخل فيه على الرغم من أنّ علامات حدوثه باتت ماثلة للعيان.