تتشابه سمات شهر رمضان الكريم في معظم الدول العربية والإسلامية، فهو شهر العبادة وصلة الأرحام ، وهو شهر السخاء والبذل والصدقات والتراحم. والكويت شأنه شأن غيره من الدول العربية يمتلك تراثه الخاص والمميز الذي يحمل نكهته الخاصة ، إذ أن لكل بلد أيضا خصوصيته وتراثه وطريقته الخاصة في الاحتفال بهذا الشهر المبارك قبل دخوله وبعد. وإذا كانت بعض عادات وطقوس شهر رمضان المبارك التي تحدث في الكويت، لا تختلف كثيرا عما يجري في معظم الدول العربية، مثل التجمع أول أيام الشهر الفضيل في البيت العود “كبير العائلة” وإقامة موائد الرحمن والإفطار على صوت المدفع، تمضية معظم ساعات الليل في التعبد، إلا أنها تتميز بالعديد من العادات الفولكلورية القديمة التي تحرص جميع الأسر على إحيائها، رغم العديد من التغيرات التي أجريت عليها بمرور الزمن مثل يوم قريش، و “القرقيعان”، و التزاور في الدواوين”.
يحرص الكويتيون على إحياء العادات والتقاليد القديمة، ومن بينها الاحتفال بــيوم قريش الذي يصادف آخر أيام شهر شعبان والاستعداد لبدء صيام رمضان، ويتم الاحتفال به ايام العشر الأخيرة من شعبان قبل رؤية هلال رمضان ، ولا نعلم متى بدء عادة الاحتفال بأيام قريش و بها يتم تجمع الجيران والأصدقاء على مائدة واحدة كل يأتي بطبق أو أكثر حسب المستطاع وتكن جمعتهم في المنزل أو الذهاب بها إلى بيت كبير العائلة أو ان تكون نزهة خلوية قريبة من الديرة للاحتفال بقدوم الشهر الفضيل، وقد يكون أن “ابتدعت” النساء تلك العادة بسبب الخوف من تلف الطعام القابل للأكل في ذلك اليوم، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة وعدم وجود ثلاجات لحفظ الأطعمة، ولأنهم كانوا يتناولون الطعام المتبقي منهم في صباح اليوم التالي، فجاءت تلك الفكرة للاستفادة من جميع الأطعمة قبل بدء الصوم من ناحية، ومن ناحية أخرى للالتقاء بباقي أفراد العائلة، ومازالت عادة التجمع في منزل كبير العائلة يوم القريش وأول أيام رمضان موجودة لدى بعض الأسر حتى الآن.
ملامح رمضانية تراثية
“ابو طبيلة”
شخصية رمضانية كانت ذائعة الصيت فيما مضى في الكويت ولقب بذلك لأنه كان يحمل “طبلة” يضرب عليها وهو ينشد ويدعو اثناء تجواله على الأحياء والفرجان والسكيك لايقاظهم على السحور. واضاف الدكتور الغنيم ان “طبيلة” في اللهجة الكويتية تصغير لكلمة “الطبلة” وكان”ابو طبيلة” حريصا ان يتقدم بفترة قصيرة عن الامساك ليوقظ الناس على السحور بمدة كافية لتتاح الفرصة لربات البيوت تحضير وجبة السحور التي عادة ما تكون خفيفة ومؤلفة من الارز الخالي من اللحم لسهولة انجازه في وقت قصير واللبن والتمر أو ما يتبقى من الفطور ويحفظ في “الملالة”.
وابو طبيلة كان يطوف على المنازل في منطقة يتفق عليها مع زملاء له لئلا تتداخل مهامهم فيما بينهم وكان يسير على قدميه مسافات طويلة مناديا “لا اله الا الله محمد رسول الله..السحور يرحمكم الله” ويدق على طبلته لايقاظ النائمين برفق. وبين ان كل حي أو “فريج” كان له “أبو طبيلة” خاصا به واختلفت النداءات التي يرددها احدهم حسب الاجتهاد بين واحد وآخر وشخصية “ابو طبيلة” موجودة في معظم الدول العربية و الاسلامية باختلاف المسمى ومنها “المسحراتي ” ونوع الاهازيج التي يقولها الا انهم متفقون على عبارة “أصحى يا نايم ووحد الدايم”. واشار الى ان العادة جرت قديما ان يقدم أهل الفريج او الحي لابو طبيلة ما تيسر نظير خدماته مثل القمح أو السكر أو الأرز أو المال واحيانا كان الاطفال والشباب يخرجون وراءه يرددون الأغاني والاناشيد. وقال الغنيم انه من العادات الكويتية والتي لا تقتصر على شهر رمضان المبارك بل طيلة ايام السنة هي “الديوانية” التي تطلق كمسمى على قسم من اقسام البيت لكن بمدخلين احدهما للداخل والثاني الى الخارج وتخصص للقاء الاصدقاء والاهل والضيوف. وذكر ان للديوانية تاريخا قديما في الكويت وكانت ولا تزال بمنزلة منتدى يجمع ابناء المنطقة “الفريج” حيث يلتقون ويتحدثون ويقدم لهم الشاي والقهوة وحتى الطعام. وبين ان بعض الزوار كانوا يأتون بأبنائهم ليعتادوا على طبيعة الحياة الاجتماعية وكان الجالسون يحرصون على حسن الحديث وتبادله والافادة منه.
و كانت بعض الديوانيات تفتح يوميا بعد صلاة المغرب حتى صلاة العشاء وأخرى بعد صلاة العشاء حتى وقت متأخر من الليل وبعض الديوانيات تفتح بعد صلاة الفجر الى طلوع الشمس حيث يذهب الناس الى اعمالهم. و في رمضان يزداد اهتمام الناس بالديوانية وتتميز عن باقي الايام بتقديم الغبقة وهي من الوجبات الخفيفة مابين الفطور والسحور مبينا ان “الغبقة” جاءت من لفظ “الغبوق” وهي من مفردات اللغة العربية الفصحى وتعبر عما يتناوله المرء ليلا من اللبن والتمر. واشار الى ان الديوانية في رمضان تمتاز بتقديم وجبة السحور واستكمالا لدور الديوانية في رمضان فان بعض العوائل الميسورة تحضر احد رجال الدين يقرأ شيئا من القرآن الكريم او السيرة الشريفة والاحاديث ويقدم النصح والارشاد ويرد على اسئلة الحاضرين. من جانبه قال الباحث في التراث الكويتي منصور الهاجري ان “ابو طبيلة” عادة ما كان يلتقي الأطفال في ليلة النصف من رمضان “القرقيعان” للتجول في الشوارع والطرقات ويطرقون الأبواب حاملين اكياسا ويتغنون لأهل البيت قائلين “سلم ولدكم يجيب المكدة ويقدمها لامه” أي يمنح الخير في جيب أمه.
وكانوا الاطفال يتجمعون مع “ابو طبيلة” خصوصا في آخر ايام رمضان المبارك ينشدون معه ويطوفون الأحياء والفرجان التي يتردد عليها وقت السحور. واوضح ان اهل الكويت عادة ما كانوا في ليالي العشر الأواخر من رمضان يتجمعون لزكاة الفطر حيث يقوم أبو طبيلة بالمرور على البيوت ليجمع “رزقته” من الناس الذين خدمهم في ليالي الشهر المبارك وللحصول ايضا على زكاة الفطر وكانت الزكاة آنذاك عبارة عن القمح أو التمر أو الرز أو النقود. وذكر انه اثناء طوافه كان الاطفال بلحقون به حيث يردد “ابو طبيلة” عبارة “عادت عليكم” اي الشهر الفضيل ..ويرد الأطفال عليه “والشر ما يجيكم”. وبين ان الكويتيين كانوا في الاسبوع الأخير من رمضان يتحضرون لاستقبال عيد الفطر المبارك بالملابس الجديدة وصناعة الحلوى و”السمبوسة” لتقديمها لضيوفهم ليلة العيد وفي صباح اول أيامه حيث تنصب “القدوع” وصحن كبير يتصدر مجلس الضيوف.
وفي يوم العيد الفطر كانوا افراد العائلة يجتمعون مع اقاربهم لتناول طعام الغداء في أيام عيد الفطر في بيت الوالد وتقدم لهم الحلوى أما الأطفال فيطوفون من بيت الى آخر في الفريج الحي يرددون عبارة “عيدكم مبارك عساكم من عواده”. واشار الى ان الحلوى الكويتية لابد ان تكون حاضرة في كل بيت طيلة أيام الشهر الفضيل و الحلوى التي ذاع صيتها في الماضي كانت عبارة عن خلطة مركبة من النشاء والسكر والدهن والزعفران والهيل وماء الورد والجوز أو اللوز وكانت هناك حلوى يطلبها الصائمون وتصنع في معامل خاصة مثل “الزلابية والرهش والعسلية”.
“القرقيعان”
القرقيعان هو إحدى العادات والتقاليد القديمة التي ورثها الكويتيون عن آبائهم وأجدادهم وما زالوا يحرصون على الحفاظ عليها حتى الآن، ويحتفل الأطفال بالقرقيعان في ليالي الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر من الشهر الفضيل، وترجع تسميته في اللهجة الشعبية إلى استخدام الأطفال في الماضي بعض الأواني مثل “الطاسة” و”القدر” أو الطبول للقرع عليها أي أصل التسمية من القرع “قاموس المحيط مادة قرعَ”، وكان القرقيعان “مكسرات متنوعة مخلوطة وفواكة مجففة وحلويات جامدة غير لينة”في الماضي يوضع في زبيل “أي قفة أو جراب أو وعاء” كبير مصنوعة من سعف النخيل يوضع بداخله خليط من المكسرات التي تشتمل على النخي والفول السوداني والنقل والجوز والتين المجفف بالإضافة إلى الحلويات، وتوزع على أطفال الحي عندما يأتون أمام المنازل وهم يرددون الأهازيج الخاصة بهذه المناسبة، فعندما يسمع الأطفال صوت أذان المغرب يتناولون إفطارهم على عجل مصطحبين معهم أكياسا من القماش والطبول ويسيرون على شكل جماعات مرددين أهازيج القرقيعان وأناشيده، وكانت البنات في السابق يجمعن القرقيعان من البيوت المجاورة والقريبة إلى منازلهن، وذلك عندما يرددن أهزوجة القرقيعان وهي “قرقيعان وقرقيعان.. بيت قصيّر ورمضان.. عادت عليكم صيام.. كل سنة وكل عام.. سلم ولدهم يا الله.. خله لامه.. عسى البقعة لا تخمه ولا يوازي على أمه.. عطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكم.. يا مكة يا معمورة يا أم السلاسل والذهب يا نورة” بينما يمتد نشاط الأولاد إلى خارج الحي ويتنقلون بين الأحياء الأخرى مرددين أنشودة صغيرة هي “سلم ولدهم يالله خله لامه.. يا الله “ثم يسألون عن اسم الولد في البيت وهناك يرددون “سلم فلان يا الله..خله لأمه.. يا الله” .
“مدفع الإفطار”
اعتاد الكويتيون معرفة وقت الفطور منذ الثلاثينات من خلال سماع صوت المدفع بعد أن نقلوا تلك العادة من مصر في العشرينات من القرن الماضي، وقد ظل المدفع ينطلق من موقعه في قصر السيف ” قصر الحكم ” الواقع بمنطقة شرق على شارع الخليج العربي، قبل أن ينتقل إلى موقعه الجديد في قصر نايف “الملاصق لمقر الامن العام سابقا وحاليا مقر محافظ العاصمة ” في محافظة العاصمة عام 1953. وعند الغروب كان الاولاد يجتمعون يوميا للاحتفال بإنطلاق مدفع الإفطار وتعرف “بالواردة” “صوت طلقة المدفع ” قبيل آذان المغرب، وعندما ينطلق المدفع يأخذون بالتهليل والزغاريـد .
أشهر الأكلات الشعبية القديمة الرمضانية فهي:
“التشريبة”
“الهريس”
“الجريش”
“اللقيمات”