طير السعد من كفه الدم شلال.. بالمخلب الساطي عطيب المضاريب.. ولا يغرّك بالرخم كبر الأزوال… وكبر النسور المهدفات المحاديب.
ذلك بعض من الشعر النبطي في الخليج، الذي يتغنى بالصقور، ويأبى إلا أن يعانق تلك الطيور الجوارح في قصائده في المناسبات الشعرية والمجالس والمنتديات، فالصقر هناك، عند سكان منطقة الخليج العربي يعني الشيء الكثير، وكان لا بد أن يكون التغني به في القصائد حاضراً بشكل دائم، ويحفظ الأدب الخليجي الكثير من القصائد في هذا المجال، ومنها قول الشاعر:
طيور الحرار إلها مكانة وتعبار.. وقدره يعرفه كل من عاش معها.. قدره يعرفه صاحب الميز والكار.. ليا ذعذع الوسمي شنوده جمعها..
– رمز العز والكرامة
الحديث عن الصقور يعني حتماً التطرق إلى العلاقة الوثيقة التي تربط الخليجيين بذاك الجارح القوي المهيب الحساس، الذي يعتبره العرب رمزاً للكرامة والعز والقوة والمنعة، ونزولاً عند بداية تاريخ ارتباط أهل الخليج بالصقور، كان الأجداد على تلك الأرض منذ قرون طويلة يعتمدون على الصقور بصيد الطيور والحيوانات لتوفير طعامهم، أو بيع صيدهم، فكانت حينها تمثل مصدر رزق لعدد كبير من السكان.
العلاقة بين الصقر وصاحبه لا تعقد بسهولة، بل هو ارتباط صعب، وقد يفك الصقر ارتباطه وعلاقته بصاحبه إذا ما شعر بشيء من اللامبالاة. وكان وفق ذلك، على صاحب الصقر أن يكون بارعاً في علاقته مع صاحبه الصقر، ومراعياً لمشاعره، وأن يجالسه ويخالطه لفترات طويلة.
بمرور الزمن، تحول الصقر إلى رمز من رموز منطقة الخليج العربي، بعد أن ورث الناس هناك حب هذا الطائر، حتى صارت تربيته هواية تتشرب حبها الأنفس، يمارسها الناس بشتى أعمارهم.
– استثمار مربح
هواية تربية الصقور أصبحت من بين الاستثمارات المربحة، التي يقبل عليها سكان الخليج، إذ تبدأ الحركة الشرائية للصقور في الانتعاش في معظم الأحيان، مع بدء موسم الصيد بحلول الشتاء، حين يزداد وقتها الطلب، علاوة على حلول موسم الفرائس المختلفة، من طيور الحبارى وغيرها، وهنا يبدأ البحث عن أفضل السلالات من حيث القوة والمهارة؛ كما أن أسعار الصقور تتوقف على مواصفاتها من حيث السلالة والحجم واللون.
– منافسات ومهرجانات
في بلدان الخليج، وخاصة قطر والإمارات، هناك اهتمام كبير بإقامة منافسات رياضية دولية للصقور، وتعرف تلك الرياضة في الخليج بـ”الصقارة”، ولها أيضاً أسماء محلية مثل البيزرة، وهي من الرياضات التراثية القديمة.
يمتاز الصقر بصفات عديدة، ومزايا فريدة جعلته متميزاً عن باقي الطيور والجوارح، بالإضافة إلى كونه يُعد من أسرع الجوارح، فهو صياد صبور، يتحمل الجوع والعناء، يتميز بوقفة شامخة وحدة بصر قوية وعينين جميلتين، كما يتمتع بالذكاء والقوة والشجاعة والشيمة، إضافة إلى أنه حساس لا يرضى أن يهمله صاحبه.
– أنواع الصقور
والصقر مثل الهجن والخيل لهُ سُلالات كثيرة، أهمها: الحر، الشاهين، الوكري، الهيثم، المعرجي، القطامي، الأسعف، الزهدم، وقد أحب العرب هذا الطائر العجيب، وشبهوه برجالهم وأولادهم، فهو لا يسكن إلا في الأماكن الشامخة من الجبال العالية، ويمتلك الذكاء القوي الذي مكّنه حتى من معرفة الاسم الذي ينادى به، وكذلك معرفة صاحبه بعد تدريبه، كما أنه يفهم لغة الإشارة.
وتعتبر الصقور من أثمن الطيور سعراً خاصة الحر الأبيض والحر الأشقر، والذي يعد أكثر السلالات تفضيلاً لدى الصقارين؛ لما يتمتع به من الكفاءة والبراعة في القنص، وأيضاً لجماله وحسن منظره، ومن صفاته: حاد النظرة وطويل الرقبة، يده كبيرة وعظمها متين، وريشه خفيف يميل إلى الدقة، ومتوسط الحجم.
– الأمثال الشعبية
وفي الأمثال كان الصقر حاضراً، كذلك المثل الذي أخذ من قصة مشهورة في الخليج، وتقول القصة: إن صياداً خرج ومعه صقر نادر إلى البر كي يصيد من الرزق ما كتب الله له، ولكن عندما كان هذا الصقر الغالي الثمين يطارد الحباري اختفى عن أنظار صاحبه خلف جبل شاهق وهو يلاحق فريسته، فاتجه الصياد إلى المكان الذي اختفى فيه الصقر، وعندما وصل وجد رجلاً عند إبله، فسأله الصياد: هل مر عليك طير؟ فقال الرجل: نعم لقد وجدت طيراً يلحق طيراً وأنا الآن أشويهما.
فكان ردة فعل الصياد أنه فوجئ بهذا الموقف الأليم الذي حدث لصقره الثمين، وعندما شاهد بالفعل صقره يشوى في النار قال متحسراً: “صحيح اللي ما يعرف الصقر يشويه”.