في البداية، نشير إلى الموقع الجغرافي الذي جعل تركيا تدفع ثمن كثير من المشاكل الحدودية، وتستفيد من مشاكل أخرى في السياق عينه، كان من بينها انفجار الصراع مع روسيا إثر إسقاط طائرة عند الحدود مع سوريا. والدافع الأساسي لهذه «التدخلات التركية» هو دفاع حكومة أردوغان عن مصالحها في منطقة حيوية بشمال سوريا معظم سكانها من أصل تركي، وهي قضية تفرض تأثيرها على الوضع الديموغرافي للمنطقة. وأحد أهداف أنقرة هو إقامة «منطقة عازلة» في تلك البقعة، منعاً لاستهداف المصالح التركية (والأراضي التركية) من جانب النظام السوري من جهة، وتنظيم داعش من جهة ثانية، وتنظيمات كردية مناوئة لتركيا (ومعارك كوباني) من جهة ثالثة. (فضلاً عن الخلافات بين بغداد وإقليم كردستان حول النفوذ التركي).
قبل ذلك بسنوات حاولت تركيا ترسيخ دورها ومكانتها كقوة إقليمية، اقتصاديا وجيو-سياسيا، لا سيما منذ بروز دور حزب العدالة والتنمية في عام 2002.
ولا شك في أن تنمية العلاقات الاقتصادية بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي أسهمت في المواجهة غير المباشرة للتمدد الإيراني، الاقتصادي والأمني، في المنطقة وخارجها (مع أن بعض الخبراء يقللون من أهمية حجم هذه التجارة بالمقارنة مع التجارة التركية الأوروبية مثلا، خاصة أن مجلس التعاون لم يوافق في عام 2010 على مسودة اتفاق تجارة حرة مع تركيا، وذلك صونا لنهج الحماية الاقتصادية في المنطقة).
بعد التحوّلات التي شهدها العراق والمنطقة في عام 2003 وما بعده، جرى توقيع اتفاق تجاري بين تركيا وسوريا، عام 2004، وبين تركيا والمغرب، واتفاق آخر مع السلطة الفلسطينية (2004) وسط امتعاض القيادة الإسرائيلية من هذا التحوّل في سياسات تركيا التي كانت من أوائل الدول التي اعترفت بالدولة الإسرائيلية منذ عام 1949، كما وقعت أنقرة وتل أبيب اتفاقات عدة، بينها اتفاق التعاون العسكري عام 1996.. وتابع العالم كله المواجهات اللاحقة بين إسرائيل وتركيا التي أرسلت سفينة تضامن مع الفلسطينيين على مقربة من شاطئ غزة.
أما التحديات الأكثر دقة، في هذا الوقت بالذات، فهي المتمثلة في علاقات تركيا المضطربة مع كل من سوريا والعراق (وروسيا).. كانت سوريا قد استفادت من اتفاقاتها المتتالية مع الأتراك بدءا من عام 2004، رغم الخلافات العميقة حول الموارد المائية.. ووفق بعض الخبراء فإن هذا المناخ الإيجابي أدى إلى التخفيف من العزلة المفروضة بموجب «قانون محاسبة سوريا» الذي أقرته واشنطن في عام 2004 بالذات، ووصل الأمر إلى حد تطورات «الربيع العربي»، التي فرضت على الأتراك نمطاً مختلفا من التعامل مع الجار السوري.
في كل حال فإن تركيا أصبحت، لأكثر من وقت، جزءا من الخريطة الجيو-سياسية، ومن المعادلات الصعبة والمعقّدة في المنطقة.
بقلم الكاتبة | فوزية أبل