الرئيسية / عربي وعالمي / جنوب السودان.. اسباب الصراع ومآلاته

جنوب السودان.. اسباب الصراع ومآلاته

 بعد مرور خمس سنوات على انفصال جنوب السودان عن السودان بموجب نتائج استفتاء لتقرير المصير يبدو ان حلم الجنوب بتجاوز مرارات أطول حرب اهلية في القارة الافريقية بعيد المنال بعد الاحداث الدامية والصراعات بدولتهم الوليدة.

وأجمع المحللون على ان الاسباب الرئيسية للصراعات في جنوب السودان يمكن ردها أولا الى افتقار المسؤولين الحكوميين للخبرة في ادارة بلد أمضى ثلاث سنوات من عمره في حرب أهلية وكذلك الثأثير القبلي الكبير حيث يدين السكان بالولاء للقبلية قبل الدولة الى جانب ضعف سيطرة الحكومة المركزية على الجيش.
وقالوا ان الجيش يتكون من عدة مليشيات يتزعمها لوردات حرب وكل واحدة منها تسيطر على منطقة محددة وبالتالي “ليست هناك سيطرة كاملة على هذه القوات”.
ويدعم تلك لاسباب واقع حالة الاحباط العام وعدم وجود رضا من اداء الحكومة بعد الانفصال وعجزها عن احداث التنمية.
اما السبب الخامس وهو المباشر للاحداث الجارية فيتمثل في الخلافات العميقة بين الرئيس سلفاكير ميارديت ونائبه الاول ريك مشار اذ بعد عامين من الانفصال وفي منتصف ديسمبر 2013 اندلع صراع دموي عنيف بين الرجلين على خلفيه توجيه الاول اتهاما لنائبه مشار بتدبير انقلاب ضده وعزله مع سياسيين اخرين لتبدأ مواجهة دامية انتقلت سريعا من خانة الخلاف السياسي الى العسكري وتدحرجت الى صراع قبلي بين قبيلتي الرئيس (الدينكا) اكبر قبائل الجنوب البالغة 65 قبيلة ونائبه مشار المنحدر من قبيلة (النوير) ثاني اكبر القبائل.
ولم يكن الخلاف بين الزعيمين وليد اللحظة او الصدفة بل هو قديم فالرئيس ميارديت والموالون له لم ينسوا انشقاق مشار من الحركة الشعبية لتحرير السودان عام 1991 وخوضه معارك ضدهم ثم توقيعه لاتفاق سلام مع الخرطوم عام 1994 وهو الاتفاق الذي اعتبروه سببا لاضعاف موقف حركتهم في حربها ضد الخرطوم.
واستمرت الخلافات حتى بعد انسلاخ مشار من حكومة الخرطوم وعودته للحركة من جديد عام 2001 نائبا لزعيمها الراحل جون قرنق ومنافسته لميارديت في خلافة الزعيم.
وهناك سبب اضافي لتلك الخصومة يعود الى طبيعة المجتمع الجنوبي الذي يؤمن بالسحر حيث تسود ما تعرف بنبوءة (واندينق) وهو روحاني (كجور) ذو سلطان ونفوذ عند قبيلة (النوير).
وتقول النبوءة ان “القائد الجنوبي الذي سيأتي بالسلام سيمكث في الحكم أياما بقدر سنوات حربه في الغابة – مكث الزعيم التاريخي للحركة الشعبية الراحل قرنق اياما في الحكم قريبة من عدد سنواته في الحرب – وسوف يتسلم منه الحكم أحد أقربائه فيحكم فترة من الزمن يعقبه أحد أبناء النوير الذي من صفاته وجود حول بعينيه ويستخدم يده اليسرى (أحول وأشول)”.
ويري الجنوبيون ان تلك الصفات تطبق على مشار الأمر الذي أخاف الرئيس سلفاكير فأظهر حذرا دائما منه ودعم حالة الخوف هذه ان الانجليز اعادوا قبل سنوات قليلة عصا كان يحملها صاحب تلك النبوءة يطلق عليها “عصا كجور” واخذها الانجليز قبل 96 عاما خلال حكمهم للسودان لانها كانت سبب حروب ومشاكل قبلية طاحنة.
وعندما اعاد الانجليز (عصا كجور) تم تسليمها لمشار ويومها طلب مثقفون كبار في الجنوب من مشار “ان يحتفل بالعصا كشيء تاريخي تم ارجاعه للجنوب ولكن عليه الا يتعامل مع العصا كمصدر لقوة خارقة او لتوحيد الناس لشن حروب او لانتزاع حقوق”.
وبعد توقيع مشار في 17 أغسطس 2015 في أديس أبابا اتفاق سلام مع الرئيس ميارديت ينص على وقف لإطلاق النار وتقاسم السلطة انتظر الاخير تسعة ايام حتى وقع ذلك الاتفاق بسبب الضغوط الكثيفة التي مورست عليه من الوسطاء في منظمة (ايغاد) وشركائهم الغربيين واعلن حينها انه وقع مجبرا رغم تحفظاته الجدية على بنود في الاتفاق.
وتعثر تنفيذ الاتفاق حتى 26 أبريل 2016 حين وصل مشار إلى جوبا ليؤدي اليمين الدستورية نائبا اول للرئيس وهو المنصب نفسه الذي تسلمه بين يوليو 2011 ويوليو 2013.
لكن الكثير من بنود الاتفاق المهمة لم تنفذ الى اليوم ولاسيما المتعلقة بالترتيبات الامنية وتم ترك جيشي الطرفين منفصلين وهو ما كان السبب في سرعة اشتعال المعارك الاخيرة خلال الشهر الجاري.
ويرى المراقبون ان اندلاع المعارك الاخيرة بين قوات الطرفين في العاصمة جوبا يكشف وجود حالة احتقان وتوجس وعدم ثقة بشكل مفرط ويظهر عدم قدرة الزعيمين على السيطرة على قواتهما “خاصة اذا علمنا ان بداية الاحداث كانت عقب خروج مشار في السابع من الشهر الجاري من حفل زفاف ابنة الرئيس حين تم الاعتداء على ضابط تابع له كان في السابق ضمن الموالين لميادريت ليقوم انصاره بعد ذلك باستهداف دورية تابعة لقوات ميادريت وقتل خمسة جنود لينفرط الامن وتبدأ كرة الجليد في التدحرج باشتباكات ادت الى سقوط 300 قتيل وتشريد 36 الفا في غضون اربعة ايام”.
وبعد اعلان الرئيس ميارديت الثلاثاء الماضي وقف اطلاق النار اعقبه مشار بقرار مماثل هدأت الامور نسبيا ولكن الخطير في الامر هو خروج مشار من العاصمة لجهة غير معلومة وسحب جيشه ويعضد ذلك التأكيد غياب الثقة بين الطرفين ويعيد للاذهان سيناريو تمرده الاول ضد الحكومة في ديسمبر 2013 خاصة مع ما رشح من انباء عن بدء احتشاد مقاتلي ما يعرف ب (الجيش الابيض) وهم مقاتلون من قبيلة (النوير) التي ينتمي اليها مشار.
ويرى المراقبون ان الحل يكمن في القرارات التي اصدرتها الاثنين الماضي منظمة (ايغاد) التي تقود الوساطة بين الجانبين بايقاف النار والزام الطرفين بتنفيذ بقية بنود اتفاق السلام بجانب زيادة عدد قوات بعثة حفظ السلام في جنوب السودان (يونميس).
ويرفض الرئيس ميارديت زيادة اي جندي لتلك القوات ويعتبر ان اي خطط لزيادة عدد تلك القوات ورفع مستوى تسليحها بمثابة فرض وصاية على بلاده.
اما مشار فبعد مغادرته العاصمة جوبا سارع لاعلان شروط جديدة لعودته ابرزها نشر قوات مشتركة من الجيش والشرطة وتنفيذ جميع بنود اتفاق الترتيبات الامنية.
ويرى مراقبون من جنوب السودان ان الحاجة ماسة لنشر قوات دولية عازلة بين قوات الطرفين للحيلولة دون حدوث اشتباكات جديدة ستفتح الباب امام عودة الحرب الاهلية بينهما وربما تكون اشد ضراوة من الاولى.
ويقول جيمس قلواك وهو استاذ جامعي مقيم بالخرطوم  “ان الحل لازمة جنوب السودان يكمن في خروج زعمائها من عباءة القبيلة الضيقة التي ادخلتنا في نفق ضيق جدا واعادتنا للحروب والصراعات القبلية والاثنية في العصور القديمة”.
واضاف انه “من دون قناعات بالحوار بدلا من الرصاص فانه لا يوجد اي حل سوى المزيد من الدماء حتى تنهار الدولة تماما وتتمزق اشلاء لدويلات كما حدث في الصومال”.

عن ALHAKEA

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*