مرة أخرى يثير قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ردود الفعل الغاضبة في العراق؛ بوجوده مجدداً في مناطق مختلفة من البلاد، أهمها مناطق قريبة من الموصل (450 كم شمال بغداد)، التي تستعد القوات العراقية لخوض معركة “تحريرها”.
وتأتي تلك الردود الغاضبة لما يعبر عنه وجود سليماني الذي يمثل بدوره الوجود الإيراني، متجسداً بالمليشيات، المنضوية تحت لواء “الحشد الشعبي”.
وترفض شريحة كبيرة من العراقيين أي وجود عسكري إيراني في بلادهم، وهو ما عبروا من خلاله عن رفضهم وجود المليشيات، برغم كونها مؤلفة من مقاتلين عراقيين، إلا أنهم يؤكدون أن هذه المليشيات تعمل لحساب إيران.
سياسياً، رفض اتحاد القوى، وهو أكبر ائتلاف سياسي في البرلمان العراقي، اليوم الخميس، تولي قاسم سليماني إدارة الحملة العسكرية المرتقبة لاستعادة الموصل من قبضة تنظيم “الدولة”.
وقالت القيادية في اتحاد القوى، ساجدة محمد، لوكالة الأناضول: إن “مشاركة الحشد الشعبي في معركة تحرير الموصل ممكن، ولا اعتراض عليه إن كانت فصائل الحشد تأتمر بأمر القائد العام للقوات المسلحة”.
وشددت في الوقت نفسه، على أن “وجود أشخاص غير عراقيين يقودون معركة الموصل أمر مرفوض”.
يأتي هذا الرفض بعد أن قال المتحدث باسم فصائل الحشد الشعبي، أحمد الأسدي، إن سليماني سيقود الحملة المرتقبة في الموصل.
وكان الأسدي عبر في مقابلة صحفية، مؤخراً، عن أمنياته بوجود سليماني بمعركة تحرير الموصل؛ لأنه “لا يكون في منطقة إلا حُررت بسرعة، ويوقع في صفوف داعش خسائر فادحة؛ لكونه عقلية عسكرية”، مؤكداً أن سليماني مستشار عسكري “للجيش والشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الإرهاب”.
وتعتبر معركة مدينة الموصل فاصلة، إذ تعد الموصل أهم مدينة لدى تنظيم “الدولة”؛ لكونها مركز وجوده في العراق.
– انتهاكات المليشيات ترعب المدنيين
المليشيات في العراق متهمة بارتكاب فظائع ضد المدنيين، وهو ما تأكد من خلال ما وثقه ناشطون وإعلاميون في مقاطع مصورة من عمليات قتل وتعذيب لمدنيين، على خلفيات طائفية.
كذلك أكد شهود عيان تعرضهم لانتهاكات وجرائم من قبل عناصر المليشيات، في مناطق مختلفة من البلاد، لأسباب طائفية أيضاً.
أيضاً فقد هدمت المليشيات أسواقاً ومساجد لـ”السنة”، أهمها في قضاء المقدادية، بمحافظة ديالى، الذي شهد مطلع العام الحالي كوارث إنسانية، على يد عناصر المليشيات.
والمليشيات في قضاء المقدادية كذلك، أظهرت قوتها وسطوتها حتى على مستوى الحكومة، حين منعت رئيس الوزراء حيدر العبادي من دخول القضاء، بعد مناشدات الأهالي واستغاثتهم للعبادي أن يحضر ليشاهد انتهاكات المليشيات الطائفية.
وبحسب ضابط في قيادة عمليات بغداد، “لم تشترك المليشيات في معركة إلا مارست انتهاكات بشعة ضد المدنيين”.
وأضاف الضابط، طالباً عدم الكشف عن اسمه، أن “المليشيات ليست جميعها ترتكب تلك الانتهاكات بل بعضها، وهي معروفة؛ أبرزها كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، والخرساني، وبدر”.
وبيَّن أن “الانتهاكات ليس بالضرورة ترتكب بعد تحرير المناطق التي كانت يسيطر عليها داعش؛ حيث تتهم المليشيات سكان تلك المناطق أنهم كانوا يساعدون التنظيم، لكنهم أيضاً يمارسون انتهاكات بحق مناطق تقع تحت سيطرة القوات الأمنية العراقية؛ والأسباب لا تعدو كونها طائفية”.
– سليماني ممثل إيران في العراق
وجود قاسم سليماني في العراق لم يعد سرياً، كما كان قبل أعوام، إذ بات يعتبر بشكل رسمي مستشاراً للقوات الأمنية العراقية، لكن لقاءاته دائماً بحسب ما تظهره وسائل الإعلام، تكون مع قادة المليشيات، وأبرزهم هادي العامري، وأبو مهدي المهندس، وهذا يؤكد علاقة إيران الوطيدة بالمليشيات التي تأكد في مرات كثيرة ارتباط بعض تلك المليشيات بإيران، بحسب ما يراه مراقبون.
وبحسب علي الصميدعي، فإن ظهور سليماني مرة أخرى قبل انطلاق معركة الموصل، يمثل تحدياً جديداً لإرادة شريحة واسعة من العراقيين.
وقال الصميدعي: “الموصل ليست كبقية المدن، وقد أثبتت معارك تحرير الرمادي والفلوجة أن القوات العراقية قادرة على تحقيق الظفر في المعركة، لا سيما مع وجود غطاء جوي أمريكي”.
وأضاف: “لا نعلم إن كان لسليماني خبرات أكبر وأهم من خبرات مئات المستشارين العسكريين الأمريكيين والأوروبيين الموجودين في العراق”.
لكن على ما يبدو، والحديث للصميدعي، أن “اتفاقاً مبطناً بين الحكومة العراقية وإيران، التي تفرض بوجود سليماني وجودها في مناطق القتال”.
وكان الأمين العام لمنظمة بدر والقيادي البارز في الحشد الشعبي هادي العامري، أكدا في تصريح صحفي، بوقت سابق، مشاركة مليشيات “الحشد الشعبي” في معركة الموصل.
وتعتبر مليشيا “الحشد الشعبي” قوات شعبية، أُسست صيف 2014 بناءً على فتوى المرجع الديني علي السيستاني، عقب سيطرة تنظيم “الدولة” على مساحات واسعة من العراق، لأجل مقاتلة “التنظيم”.
وانضمت تحت لواء “الحشد الشعبي” جميع المليشيات الطائفية، التي بسبب ممارساتها يرفض سكان المناطق الواقعة تحت سيطرة تنظيم “الدولة” مشاركة “الحشد الشعبي” في تحرير مدنهم.
وجاء تصريح العامري بعد يومين من دعوة منظمة “هيومن رايتس ووتش” المعنية بحقوق الإنسان، قادة العراق والمسؤولين الأمريكيين لمنع إشراك فصائل في الحشد “لديها سجلات انتهاكات خطيرة” في الحملة العسكرية لاستعادة الموصل.
وأكدت المنظمة، ومقرها نيويورك، أن الفصائل الشيعية متهمة بارتكاب عمليات إعدام ميدانية، واحتجاز وتعذيب مئات المدنيين خلال الحملة العسكرية الأخيرة في الفلوجة غربي البلاد.