د. وائل الحساوي / نسمات |
عرضت قناة (العربي) الكويتية فيلماً وثائقياً عن سجن في جزيرة تطل على ساحل مدينة (سان فرانسيسكو) الأميركية، وقد تم بناء السجن قبل أكثر من مئة عام ليكون نموذجاً للسجون التي تستعصي على الهروب، وفيه من التسليح والحراسة ما لا يمكن تصوره، وخصص السجن لعتاة المجرمين.
بعدها عرضت القناة محاولات كثيرة لنزلاء ذلك السجن للفرار منه مما يشبه أفلام جيمس بوند من حيث التخطيط والجرأة، وقد تم إعادة المئات إلى السجن بعد القبض عليهم، وتم قتل ستة سجناء بينما نفذ ثلاثة فقط دون أن يُعرف إن كانوا قد وصلوا إلى اليابسة أم غرقوا في البحر الهائج الذي يمتد 30 كيلومتراً إلى مدينة سان فرانسيسكو، ومع هذا فقد قررت الحكومة الأميركية إغلاق السجن في عام 1963!!
جلست أتفكر في نظامنا الرقابي لصرف الأموال في الكويت، فوجدت بأنه أشد صلابة من سجن سان فرانسيسكو، فلدينا نظام صرف متقن يستحيل اختراقه، وزارة مالية تحصي كل فلس يدخل ويخرج، وديوان محاسبة يدقق على جميع الوزارات والمؤسسات ويكتب التقارير الدورية التي تكشف جميع جوانب الإنفاق وجوانب القصور في الصرف، ولدينا لجان للمناقصات تراقب عملية إرساء المناقصات ولا تسمح لأكبر الوزارات بأن تشتري شيئاً تزيد قيمته على 5000 دينار دون مناقصة، وجميع هذه المؤسسات يقوم عليها رجال ثقات – بحسب علمنا – ولدينا مجلس أمة منوط به المراقبة والمحاسبة على جميع مؤسسات الدولة، ولديه سلطة إقصاء الوزير أو الحكومة إن قصروا في أعمالهم.
وقد قامت الحكومة مشكورة قبل عدة أيام بنشر ميزانية الكويت للعام المقبل في بعض الصحف الكويتية وذلك من قمة الشفافية!!
إذاً فيحق لنا أن نتساءل عن طرق كسر تلك البوابات المحكمة من الرقابة المالية، وحقيقة ما يثيره البعض عن سرقات بمليارات الدنانير من ميزانيات واحتياطيات الدولة!! وكيف يتم ذلك دون أن يتم كشفها؟! في تصوري فإن أغلب تلك الادعاءات هي عارية عن الصحة ومن المبالغات التي نتفنن في الكويت بتضخيمها!!
بالطبع فإنه لا يمكن أن يكون هنالك دخان من دون نار ولكن ليس بحجم ما تتناقله وسائل الإعلام والمعارضة، حتى القيادة السياسية قد حددت وفق القانون المبالغ التي تصرف لها سنوياً.
إذاً فالسرقات المزعومة لابد أن تأتي من أشخاص كبار لا تصل إليهم يد القانون أو من غسيل الأموال الخارجية أو من خلال بنود سرية في الميزانية خاصة بتنفيع فئات من الشعب!!
لا تهلكوا الناس !!
أخشى ما نخشاه أن يكون وراء بث تلك الأراجيف واتهام الجميع بالحرمنة وعدم الأمانة هو إثارة البلبلة في نفوس الناس لكي يشعروا باليأس ويتوقفوا عن المطالبة بمحاسبة المقصرين (سياسة الصيد في الماء العكر!!) بحجة أن الجميع يسرقون ويفسدون، وذلك مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من قال هلك الناس، فهو أهلكهم!!» أي تسبب لهم بالهلاك، لأن الشر إذا عمّ فإنه يشجع الآخرين على ارتكابه!!
د. وائل الحساوي