واجه أهل الكويت قديما الكثير من المصاعب في سبيل كسب لقمة عيشهم فركبوا البحر وعرفوا أهواله وذاقوا الويلات من كوارثه لاسيما غرق السفن او كما يطلق عليه باللهجة الكويتية (الطبعة) فمنهم من قضى نحبه ومنهم من أصيب ولازمه الألم طوال حياته.
وشكلت حوادث غرق السفن الشراعية التي كانت تخرج للتجارة إلى الهند ودول شرق افريقيا آنذاك أبرز تلك المخاطر التي واجهها الكويتيون ولعل من اشهر حوادث الغرق التي طالت السفن الكويتية ما حدث في عام 1871 عندما غرقت مجموعة من السفن في المحيط الهندي حيث سماها الكويتيون (سنة الطبعة).
وفي هذا الصدد اوضح الباحث في التراث البحري الكويتي نواف العصفور في لقاء مع وكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم الخميس أن ما حدث عام 1871 هو تعرض السفن الكويتية المتجهة لشرق افريقيا والهند لكارثة بحرية عظيمة نتيجة حدوث إعصار ضرب المنطقة ما بين الهند ومسقط أدى الى غرق الكثير من السفن ووفاة بحارتها.
وقال العصفور ان حوادث غرق السفن الكويتية لم تقتصر على تلك السنة حيث مر أهل الكويت بحوادث اخرى منها (طبعة بهمن) و(طبعة بن غيث) إلا أن (طبعة النوخذة بلال الصقر) تعد أشهر حوادث الغرق في تاريخ السفر الشراعي للكويت قديما فقد راح ضحيتها 24 شخصا من بينهم النوخذة الصقر.
واوضح ان بلال الصقر هو أحد نواخذة الكويت القدامى المشهورين بالحذر والوقار والخبرة في قيادة السفن الشراعية وعرف عنه تعامله الحسن مع البحارة كما كان يحظى باحترام وحب من الجميع لحرصه على الانفاق على رحلاته وتوفير أطعمة البحارة واحتياجاتهم.
وذكر ان النوخذة الصقر كان يحسب لكل رحلة حسابها وكان يقوم بأكثر من رحلة في الموسم الواحد الا انه لم ينج من القدر المحتوم فقد غرق هو ومعظم بحارته في رحلة العودة من الهند إلى الكويت نتيجة لتعرضهم لعاصفة بحرية اطلق عليها اسم (ضربة الاكليل) وعرفت تلك الحادثة الشهيرة باسم (طبعة بلال الصقر).
وعن تفاصيل تلك الواقعة قال الباحث العصفور ان النوخذة الصقر ابحر من بومباي في 20 مايو عام 1942 في طريق العودة إلى الكويت مرورا ببحر العرب حيث كان الجو خلال اليوم الأول من الرحلة معتدلا أو كما يطلق عليه الكويتيون “بحري على حد اليوش”.
واضاف انه مع مرور الوقت اشتدت الرياح الى اليوم الرابع من ابحار السفينة اذ أصبح اتجاهها من جهة الغرب ولازمها البرق والرعد فبدى البحر هائجا وعلت الأمواج حتى بدأت تقذف مياهها الى السفينة فالتف ركاب السفينة حول بعضهم البعض من شدة الخوف وهطول المطر.
وذكر ان النوخذة الصقر أمر البحارة بإلقاء حمولة السفينة من بالات القطن الى البحر وكانت كبيرة الحجم حيث اخذت بعد إلقائها بالارتطام بجانب السفينة حتى كسرت بدنها فاندفع الماء الى داخلها وبدأت تغطس شيئا فشيئا تحت سطح البحر.
واضاف ان النوخذة والبحارة قرروا مغادرة السفينة للنجاة بانفسهم وقامو بفك حبال (الماشوة) وهو قارب النجاة الصغير إلا أن بعض البحارة ألقوا بأنفسهم في البحر فغرق بعضهم فيما حاول البحارة على متن قارب النجاة مساعدتهم في ركوب القارب وتمكنوا من إنقاذ بعضهم.
واوضح انه بعد أن صعد الناجون الى قارب النجاة قطع القارب ثلاثة كيلومترات ثم انقلب بركابه لتعرضه لموجة قوية ضربتهم فتناثر البحارة في البحر وضربت دفة القارب النوخذة بلال الصقر في صدره وأخذ الدم ينزف منه إلى أن مات ومعه مجموعة من البحارة.
وذكر ان البحارة الناجين وعددهم 12 بحارا اخذوا يسبحون باتجاه إحدى السفن الإيرانية التي كانت متواجدة بالقرب منهم حيث تمكن البحار مبارك المجيبل من الامساك بحبل متدل منها وتسلقه الى ظهر السفينة ثم تبعه البقية لينجوا بانفسهم من الهلاك.
وأشار إلى أنه في اليوم الخامس من الرحلة خفت حدة العاصفة فقرر ربان السفينة الايرانية مواصلة السفر عبر بحر العرب إلى الساحل العماني إلا أن البحارة الكويتيين أخذوا زمام الأمور بالعمل على سطح السفينة واعترضوا على ذلك وأجبروه على تغيير مساره والعودة إلى الساحل الهندي الاقرب.
وبين ان البحارة الكويتيين الناجين عند وصولهم إلى الساحل الهندي بالقرب من بندر (رطنا كري) اكملوا مسيرتهم وصولا الى مدينة (بومباي) حيث التف النواخذة الكويتيون الموجودون هناك حولهم وعملوا على مساعدتهم.
وذكر ان التاجر ثنيان الغانم التقى بالبحارة ووعدهم بارسالهم إلى أهاليهم في الكويت عن طريق الباخرة مضيفا انه عند وصول البحارة الى البلاد علم أهل الكويت بخبرهم المأساوي وعمت الأحزان على فقدان النوخذة بلال الصقر وبحارته.