الرئيسية / عربي وعالمي / الأزمة الداخلية العميقة بالحزب الاشتراكي الاسباني تطيح بزعيمه وترسم مشهدا سياسيا جديدا

الأزمة الداخلية العميقة بالحزب الاشتراكي الاسباني تطيح بزعيمه وترسم مشهدا سياسيا جديدا

أفضت الازمة الداخلية العميقة التي يعيشها حزب العمال الاشتراكي الإسباني الى استقالة أمينه العام بيدرو سانشيز وتعزيز المواجهة بين جبهتين متناحرتين وتوسيع الهوة بينهما نحو أبعاد مجهولة في حزب عريق ادى دورا أساسيا في التاريخ الديمقراطي لإسبانيا. واضطر سانشيز للاستقالة مساء أمس السبت بعد هزيمته في ختام اجتماع مشحون ومضطرب للجنة الفيدرالية المؤلفة من 250 شخصا دام 11 ساعة وصوت في نهايته 133 عضوا ضد اقتراح سانشيز بعقد انتخابات تمهيدية للحزب لاختيار الأمين العام الجديد له فيما ايده 107 فقط. وجاء ذلك بعد أربعة أيام من استقالة 17 عضوا من منتقدي سانشيز في اللجنة التنفيذية الاتحادية لإرغامه على السقوط في حدث مهم وسابقة خطيرة من نوعها في تاريخ الحزب الذي تأسس قبل 137 عاما في وقت تعيش فيه إسبانيا حالة جمود سياسي لأكثر من تسعة أشهر وتجد نفسها منساقة نحو انتخابات عامة في ديسمبر المقبل هي الثالثة في عام واحد.

وعلى الرغم من ذلك فإن هزيمة سانشيز قد تمثل فرصة كبيرة لتحريك الرمال السياسية وتسهيل تشكيل حكومة جديدة وإيجاد مخرج للوضع السياسي المتأزم على المستوى الوطني اذ ان الصراع الداخلي يعود بشكل أساسي لموقف سانشيز الرافض وفق جدوله الانتخابي ووفق قرارات اللجنة التنفيذية بالحزب تسهيل مهمة تنصيب رئيس الوزراء الاسباني اليميني ماريانو راخوي لولاية جديدة في وجه فئة من الاشتراكيين الداعين لفك حالة الانسداد السياسي بالبلاد.
وترافق اجتماع اللجنة التنفيذية الاتحادية مع تظاهرات شعبية خارج مقر الحزب في مدريد حيث تجمع الالاف من مؤيدي سانشيز على مدار اليوم لتقديم الدعم لزعيم الحزب المتمسك بوعوده الانتخابية وسط مراقبة أمنية شديدة خوفا من مواجهات بين أولئك من جهة والمؤيدين للفئة المنتقدة لسانشيز من جهة أخرى. وبعد استقالة سانشيز ستتولى لجنة إدارية مختارة قيادة الحزب خلال الفترة المقبلة والدعوة لاجتماع اللجنة الفيدرالية (التي تعد بمثابة برلمان الحزب) لاختيار أعضاء اللجنة التنفيذية المؤلفة من 38 عضوا (وهي بمثابة حكومة الحزب) لتحديد الخطوات المستقبلية للحزب وموقفه من تسهيل تنصيب راخوي لولاية جديدة. وبدأ التقلقل بالحزب في 25 سبتمبر الماضي عندما أجريت الانتخابات الإقليمية في منطقتي (بلاد الباسك) و(غاليثيا) والتي مني فيها الحزب الاشتراكي بنتائج هي الأسوأ في تاريخه في المنطقتين حيث تجاوزه وتفوق عليه حزب (بوديموس) اليساري الصاعد في كلتيهما وهو الامر الذي عزز حالة الاستياء في بعض صفوف الحزب الذي طالبوا بتحمل المسؤوليات وفتح حوار عميق بالحزب.
وتولى زعيم الحزب الاشتراكي الأسبق فيليبي غونزاليس (1974-1997) ورئيس الوزراء الاسباني الأسبق في الفترة بين 1982-1996 مهمة اشعال فتيل الصراع الداخلي عندما قال في حديث مع إذاعة إسبانية خلال وجوده في تشيلي يوم الثلاثاء الماضي ان الزعيم الحالي للحزب خدعه وانه محبط جدا مطالبا إياه بتحمل مسؤولياته وتنيحيه. وقال غونزاليس الحاصل على الجنسية الكولومبية في 2014 ان الزعيم الاشتراكي بيدور سانشيز كان أخبره بانه كان سيمتنع عن التصويت في الجلسة الثانية على تنصيب راخوي ويسمح له بالتنصيب لولاية جديدة. لكن سانشيز البالغ من العمر 44 عاما أكد في تصريح صحافي يوم الأربعاء الماضي ان موقف الحزب وموقف اللجنة التنفيذية للحزب بالإجماع كان الرفض القاطع لتنصيب راخوي والالتزام بوعودهم لناخبيهم وهي كلمات أكدها عدد من أعضاء اللجنة.
واهتزت عقب ذلك دعائم الحزب بتقديم 17 عضوا من منتقدي استراتيجيات سانشيز في اللجنة التنفيذية الاتحادية للحزب استقالتهم في اليوم نفسه معلنين عدم الاعتراف براخوي زعيما للحزب وفق ما تملي اللوائح التنظيمية للحزب والتي تقول ان استقالة أكثر من 50 بالمئة (النصف زائد واحد) من أعضاء اللجنة يترجم في حل اللجنة وتنحي رئيسها والدعوة لمؤتمر فيدرالي لإعادة انتخاب أخرى.
وتتألف اللجنة التنفيذية للحزب من 38 عضوا غير انها كان تقوم بوظائفها في الفترة الأخيرة ب35 عضوا اثر وفاة احدهم واستقالة اثنين آخرين ظلت مقاعدهما شاغرة وعليه فإن استقالة 17 عضوا يرفع عدد الغائبين إلى 20 ما يلبي وفق لوائح الحزب متطلبات حل اللجنة والإطاحة بالأمين العام للحزب في حين أكد الرجل الثاني بالحزب ثيسار لوينا مستعينا بمادة أخرى في لوائح الحزب ان تلك اللجنة التنفيذية هي العضو الوحيد المخول باتخاذ القرارات أثناء الأزمات وانها مازالت تمثل قيادة الحزب رغم الاستقالات.
يذكر ان سانشيز الذي تولى زعامة الحزب منذ عامين وثلاثة أشهر كان دعا بنفسه يوم 26 سبتمبر إلى اجتماع اللجنة الفيدرالية بالحزب المؤلفة من 250 عضوا ليتقرح عليهم اجراء مؤتمر عام للحزب ينتخب فيه الأعضاء امينا عاما جديدا أو يجددون الثقة به في أكتوبر لتحديد مستقبل الحزب. وعليه يختصر الصراع ما بين موال لسانشيز الرافض بشكل قاطع لتسهيل مهمة تنصيب راخوي لولاية ثانية وفق برنامجه الانتخابي الذي خوله الفوز ب85 مقعدا برلمانيا في انتخابات يونيو الماضي وهو الذي كان سيعلن عن مساعيه محاولة تشكيلة حكومة بديلة مع القوى اليسارية ولاسيما مع ائتلاف (بوديموس أونيدوس) والذي كان سيعطي أعضاء الحزب فرصة تحديد مستقبلهم بنفسهم في مؤتمر هذا الشهر من جهة.
وعلى الجهة الأخرى يقف عدد لا بأس به من المؤيدين للسماح لراخوي بقيادة إسبانيا في ولاية جديدة وممارسة دور المعارضة الفاعلة والقوية في البرلمان الاسباني لفك حالة الجمود السياسي في إسبانيا بزعامة رئيسة منطقة (الاندلس) سوزانا دياث التي يرى فيها البعض خلفا لسانشيز لاسيما ان عددا مهما من المستقيلين في اللجنة التنفيذية كانوا من الموالين لها. وهناك فئة ثالثة تحمل سانشيز مسؤولية الهزائم الست الأخيرة في الانتخابات الاسبانية المحلية والإقليمية والعامة وتراجع عدد النواب في البرلمان الاسباني من 110 إلى 85 حاليا مطالبة بتجديد الدماء في الحزب لكن دون ان يترجم ذلك إلى مساندة الحزب اليميني في مساعيه لتنصيب راخوي لولاية جديدة. ويمكن الاعتبار ان المنتفع الأكبر جراء اندحار سانشيز هو الحزب الشعبي اليميني الذي بات يبصر النور في نهاية النفق ويداعب بأنامله ولاية ثانية جديدة لاسيما ان الاشتراكيين قد يستغرقون وقتا طويلا في حل خلافاتهم الداخلية وإعادة هيكلة الحزب وتحديد خطة طريقه واستراتيجياته واسترجاع ثقة الناخبين والأعضاء الذين لا يسعهم حتى اللحظة فهم الغاية وراء اسقاط زعيم منتخب ديمقراطيا وعدم الرجوع إليهم لإعادة اختياره أو اختيار آخر.
ولا يخفى رغم ذلك ان ما حصل هو ظاهرة خطيرة في جوهرها تعتري أحد الحزبين الرئيسيين في إسبانيا الذي حكم اسبانيا لأكبر فترة في عهدها الديمقراطي والذي طالما سعى لتعميم الخدمات الاجتماعية الأساسية وترأس زعيمه الأسبق خوسيه لويس ثاباتيرو البلاد لفترتين متتاليتين بين (2004-2011).

عن ALHAKEA

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*