بينما تجري الاستعدادات في الموصل العراقية لاستعادة المدينة من قبضة تنظيم الدولة الذي سيطر عليها في يونيو/حزيران من العام 2014، وفي وقت تجري محاولات لاستبعاد مليشيا الحشد الشعبي من المشاركة في تلك المعركة، فإن القوات الإيرانية التابعة لفيلق القدس الإيراني الموجودة في سوريا والعراق تقترب من شق طريق بري من طهران باتجاه البحر الأبيض المتوسط، وفقاً لخطة إيرانية مدروسة، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية.
فبعد 12 عاماً من الصراع في العراق وخمس سنوات من وحشية الصراع السوري، نجحت إيران في استغلال حالة الفوضى في المنطقة، وبدأت بالامتداد والتوسع وفقاً لخطة مدروسة تصل من خلالها إلى مياه البحر الأبيض المتوسط، وهو الطريق البري الذي إن نجحت إيران في تأمينه فإنها ستكون قد سيطرت فعلياً على كل من العراق وبلاد الشام.
وبحسب مسؤول أوروبي عمل على رصد متابعة التوسع الإيراني في المنطقة، فإن الإيرانيين يشعرون بالفخر لما حققوه حتى الآن، وهم يعملون على تأمين بقية الطريق وصولاً إلى البحر المتوسط؛ لأن ذلك سيمكنهم من تحريك قطعاتهم وإمداداتها بين طهران والبحر المتوسط، وقتما يريدون.
خلال السنوات القليلة الماضية عملت إيران ومن خلال الحكومة العراقية، وأيضاً النظام السوري الذي تدعمه، على تأمين طريقها البري عبر مناطق تخضع لسيطرة أكراد العراق وأخرى تقع تحت سيطرة أكراد سوريا في شرقي البلاد؛ وهو ما شكل واحداً من أهم أسباب معارضة تركيا لتدخل المليشيات الشيعية العراقية التابعة لإيران في معركة الموصل المرتقبة.
الخطة الإيرانية التي بدأت تظهر على أرض الواقع شيئاً فشيئاً، تم تنسيقها بين مسؤولين كبار حكوميين وأمنيين في طهران وبغداد ودمشق، وأوكلت مهمة تنفيذها إلى الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني.
وكلاء إيران في العراق وسوريا والذراع العسكرية التابعة لفيلق القدس الإيراني، تعمل على التغيير الديمغرافي في كل من العراق وسوريا، وهي تعتمد اعتماداً كبيراً على مجموعة واسعة من الحلفاء الذين ليسوا بالضرورة على دراية كاملة بطبيعة المشروع الإيراني.
وأبرز المجاميع المسلحة المنخرطة في المشروع الإيراني عصائب أهل الحق، وكتائب الإمام علي وتفرعاتها، وهي المليشيات التي استخدمتها إيران بداية في ضرب الوجود الأمريكي.
وتشير تقديرات أمريكية إلى أن تلك المليشيات أصبحت أكثر قوة ونفوذاً بالعراق منذ الانسحاب الأمريكي، ومن المفارقات أن أمريكا التي كانت تقاتل تلك الفصائل في العراق عادت لتقاتل معها تنظيم الدولة، حيث وفرت الطائرات الأمريكية غطاءً جوياً لتلك المليشيات.
يسير الطريق البري الذي يربط إيران بالبحر المتوسط ماراً عبر مدينة بعقوبة، عاصمة محافظة ديالى الواقعة على بعد 5 كيلومترات إلى الشمال الشرقي من بغداد، وهي منطقة ذات أغلبية سنية، عاشت واحداً من أشد فصول الصراع الطائفي عقب الاحتلال الأمريكي، وباتت اليوم مؤمنة من خلال مليشيات الحشد الشعبي التي تسيطر على المدينة.
ومنها إلى بلدة الشرقاط التابعة لمحافظة صلاح الدين، وهي واحدة من أهم النقاط التي تسعى إيران للسيطرة عليها عبر المليشيات الشيعية، حيث باتت تلك المليشيات تسيطر على المدينة مع الجيش العراقي عقب تحريرها من قبضة تنظيم الدولة.
المحطة المقبلة للطريق البري ستكون سنجار إلى الجنوب الشرقي من مدينة الموصل، حيث تسعى قوات بدر للوصول إلى تلك النقطة، ومنها إلى تلعفر ذات الخليط الطائفي والعرقي، كما تمت الاستعانة بقوات حزب العمال الكردستاني التركي الذي ينشط في مناطق سنجار، حيث تقول الغارديان إنه تمت الموافقة من قبل مستشار الأمن القومي العراقي، فالح الفياض، على إدراج هذا الحزب ضمن مليشيات الحشد الشعبي التي تقاتل تنظيم الدولة.
بعد ذلك، تسعى إيران ليكون طريقها ممهداً داخل سوريا عبر معبر ربيعة الحدودي، ومنها إلى مدينة القامشلي السورية وصولاً إلى حلب؛ وهو ما يفسر أسباب الحملة الدامية التي تشارك فيها إيران إلى جانب النظام السوري وروسيا ضد حلب؛ فتأمين حلب سيكون المفصل الأهم في طريق إيران البري نحو البحر المتوسط، خاصة أن هناك اثنتين من القرى الشيعية تقعان شمال حلب، وبعد ذلك إلى الميناء الذي بقي خاضعاً لسيطرة الأسد.
مسؤول غربي قال للغارديان إن إيران إذا ما نجحت في السيطرة على هذا الطريق البري، فإن ذلك سيعني أن إيران سيطرت فعلياً على العراق وبلاد الشام، وأن ذلك سيعزز من طموحات إيران، ويثير مخاوف الدول الحليفة للغرب وخاصة في الخليج.