“حياة طيبة فيها الكرامة والعدالة الاجتماعية وجميع الناس من جميع الطبقات الاجتماعية يذهبون إلى نفس المدارس، ونفس الحدائق، ونفس المستشفيات وتكون هناك مساواة وجميعنا يشعر بأن إنسانيته تحترم، هذا ما كان يصبو إليه الشباب المصري عندما خرج غاضبا في 25 يناير 2011”.
وأضافت صحيفة هافينجتون بوست الأمريكية في تقرير ترجمته أن كل ما حلم به الشباب لمصر خلال ذروة ثورة 2011 لم يحدث، بل الأمور تزداد سوءا في الأيام الجارية، مما دفع الشباب للهجرة والبحث عن أماكن أخرى لعلهم يجدون ما حلموا به.
وفي السنوات الثلاث الماضية، أصبح من الشائع لدى المصريين سماع قصص أولئك الذين غادروا مصر سواء كان ذلك الشخص صديق، أو ابن عم، أو جار، أو أحد المعارف، ويمكن أن يكون ناشطا مشهورا، أو حتى شخصية عامة فالجميع صدموا مما آلت إليه أحوال البلاد وتبخر ما حلموا به في أعقاب الثورة، ولذا اضطروا أن يهاجروا إلى كندا، أو إلى الولايات المتحدة، أو إلى أستراليا، أو إلى أوروبا، أو حتى إلى الخليج العربي، أو إلى تركيا وغيرها من البلدان المهم ألا يظلوا في مصر.
وترى صحيفة هافينجتون بوست أن جملة “أريد أن أهاجر” أصبح لها اليوم انتشار واسع خاصة بين أبناء الطبقة المتوسطة و شرائح نخبوية لديهم طموحات حول نوعية “أفضل” من الحياة، وقد انعكس ذلك مؤخرا في قارب المهاجرين الذين كانوا متجهين إلى إيطاليا وانقلب بهم المركب قبالة الساحل الشمالي لمصر، مما تسبب في وفاة أكثر من 200 شخص من المصريين. ويعتبر حادث سبتمبر الماضي مجرد تذكير بأن الواقع القائم في مصر كارثي وأن الحقيقة هي أن البلاد تحولت من نقطة مضيئة في المنطقة مقارنة مع العراق، وليبيا أو سوريا إلى شمعة انطفأت. والأمر لا يتطلب أي تحليل سياسي متطور لندرك أن الوضع في مصر ينزلق إلى أسفل على المستويات الاقتصادية والبيروقراطية والسياسية وفي المستوى الاجتماعي أيضا.
فاقتصاديا، العملة المصرية تتراجع وتفشل الحكومة بشكل مستمر في تضييق الفجوة بين سعر الصرف الرسمي للجنيه مقابل الدولار والسوق السوداء. وقد وصل معدل التضخم إلى أعلى مستوى له في سبع سنوات. والمصريون أصحاب الدخل المنخفض يشكون من غلاء الأسعار، بما في ذلك من السلع الأساسية. وتقترن هذه الأزمات على المدى القصير مع مشكلة هيكلية نتيجة الدور المهيمن للجيش في الاقتصاد، والذي يلقي بظلال قاتمة على مستقبل البلاد الاقتصادي، خاصة وأن دستور 2014 يحمي الجيش وميزانيته ضد المساءلة البرلمانية ومع غياب الشفافية يترك الباب مفتوحا لاحتمال الفساد، وهذا يهدد أيضا المنافسة الاقتصادية العادلة في السوق، في ظل أن الغالبية العظمى من شركات القطاع الخاص من غير المرجح أن يكون لها النفوذ والسلطة السياسية التي يتمتع بها جيش الدولة.
وهذا يأخذنا إلى الجانب السياسي المتفاقم والإجراءات الصارمة غير المسبوقة على المجتمع المدني ووجود مئات من حالات الاختفاء القسري والتعذيب، وفقا لمنظمة العفو الدولية. كما أن قانون الاحتجاج يحظر بشكل فعال الاحتجاجات. ويأتي هذا في ظل ارتفاع عدد الاعتقالات السياسية وأحكام الإعدام ووجود طفح من الوفيات في السجون التي وصفت في تقرير هيومن رايتس ووتش بـ “المقابر”.
والحجة القائلة بأن انتهاكات حقوق الإنسان والقمع السياسي في مصر يمكن أن تكون مقبولة من جانب المجتمع الدولي طالما أن الدولة تحارب جماعات إرهابية لم تعد مقبولة، فالقوات الأمنية غير قادرة على الاحتفاظ بالسيطرة الكاملة على سيناء ليس بسبب فشلهم، ولكن أيضا لأنه لا يمكن حرمان أي شعب من كل شيء في نفس الوقت، حيث أنه هناك أنظمة تحاول البقاء على قيد الحياة من خلال توفير مستوى معين من الرخاء الاقتصادي والخدمات العامة حتى لو كان ذلك في ظل غياب الحرية السياسية، ولكن النظام المصري حتى لا يجيد فعل هذا.