زيارة نيكيتا كودرياشوف في المنزل تشبه إلى حد ما دخول ملجأ مليء بالقنابل. بمجرد أن تم إغلاق الباب المعدني بعنف في المبنى خلفنا، ساد ظلام دامس. الشاب قادني على درج قاتم. لكن بعد ذلك دخلنا شقة يُمكن أن تكون في أي مكان في روسيا: طاولة مطبخ مليئة بالفطائر، سمك مُدخّن، كعك بالجبن الطري، مربى وشاي. خلف ستائر الدانتيل وأزهار إبرة الراعي على حافة النافذة، بالكاد نرى أي شيء من تراكمات الثلوج والمنازل المتداعية في الخارج.
هذه تيكسي، بلدة متهاوية في القطب الشمالي الروسي. هنا، على بُعد أكثر من أربعة آلاف كيلو متر عن ساحل بحر لابتيف، يسكن 4550 شخصا أرضا قفرا تضربها العواصف الثلجية ومغطاة بليل قطبي يمتد لنصف عام. البلدة، المحاطة بآلاف الكيلو مترات من الأراضي دائمة الجليد، لا تملك رابطا بريا خارجيا. شريان الحياة الرئيسي فيها هو مطار تحرسه وحدة عسكرية، من مخلفات العهد السوفياتي، حين كانت أراضي القطب الشمالي في البلاد تنتشر فيها القواعد العسكرية.
كودرياشوف، البالغ من العمر 20 عاماً، نشأ هنا، ابن قائد من قادة القوات الجوية. ليودميلا أبيدينا، صديقته البالغة من العمر 18 عاماً، انتقلت إلى تيكسي قبل أربعة أعوام مع والدتها وزوج والدتها. كلاهما يقول إنه يحب منزله. يقول كودرياشوف “نحن نعيش في مكان رائع. يجب أن تأتي مرة أخرى في فصل الشتاء، عندما تصل أكوام الثلج إلى الطابق الثالث”! لكن الظروف المناخية القاسية والموقع البعيد يعنيان أن البلدة تكافح من أجل البقاء. في المنطقة العسكرية التي يعيش فيها كودرياشوف، مجموعة صغيرة فقط من المباني لا تزال تُستخدم. البقية فارغة، الشقوق في الجدران الخرسانية تتسع مع كل شتاء، يسقط الثلج ويتدفق من الأنابيب المتفجرة. مع ذلك، الشاب مستقر. يقول، وذراعه حول أوبيدينا “نحن نخطط للبقاء للأعوام العشرة المقبلة أو أكثر، وبعدها سنرى”. بعد أن اختار أن يكون جنديا مثل والده، يقول كودرياشوف، إنه لا يشعر بالراحة على “البر الرئيسي” – الكلمة التي يستخدمها الناس هنا لوصف أجزاء أخرى من روسيا. يُضيف “ربما يتغير شيء ما هنا. ربما يزدهر كل شيء هنا ولا تكون هناك جدوى من المغادرة”.
بصيص الأمل هذا يأتي من مصدر غير متوقع: تغير المناخ. ظاهرة الاحتباس الحراري، التي تتسبب في إذابة جليد بحر القطب الشمالي بوتيرة غير مسبوقة، تتم مراقبتها بحذر في أجزاء أخرى من العالم. لكن في روسيا، ارتفاع درجات الحرارة يُغذّي التوقعات بأن المياه على طول ساحلها الشمالي التي ظلت حدودا متجمدة لفترة طويلة يُمكن مرة أخرى أن تُصبح خط شحن نابضا بالحياة، يتنافس مع بعض من أهم الخطوط التجارية في العالم. يُجادل مسؤولون في الحكومة وعلماء أن طريق البحر الشمالي، وهو وصلة بحر تاريخية بين أوروبا وآسيا معروفة تقليدياً في الغرب باسم الممر الشمالي الشرقي، يولد من جديد. تأمل موسكو أن مثل هذا الإحياء يُمكن أيضاً أن يُحيي مناطقها الشمالية البعيدة – خُمس أراضي البلاد.
واحدة من سفن عديدة مهجورة في ميناء تيكسي الذي يعرف بين السكان المحليين بـ “مقبرة السفن”.
يقول فلاديمير كوتلياكوف، المدير العلمي لمعهد الجغرافيا في الأكاديمية الروسية للعلوم “إن ارتفاع درجة الحرارة يوجد فرصا رائعة ونحن الآن نتحدث كثيرا في بلدنا حول تطوير هذا الممر بين أوروبا وآسيا. إذا كانت لديك سفن تعمل بالطاقة النووية، فإن إمكانية التنقل في القطب الشمالي، بصفة عامة، تصبح إلى حد بعيد أعمالا روتينية”، إشارة إلى السفن التي لديها قدرة على كسح الجليد. ويضيف “هذا يوفر فرصا إضافية لتطوير منطقة القطب الشمالي الروسية”. من الناحية النظرية، يمكن لمنطقة البحر الشمالي أن تتنافس مع الطرق التي هيمنت على النقل البحري العالمي على مدى عقود. مسافة الشحن بين آسيا وأوروبا، محسوبة بين ميناءي يوكوهاما وهامبورج، البالغة 7200 ميل بحري باستخدام منطقة القطب الشمالي، أقصر بنسبة 37 في المائة من الطريق الجنوبي عبر قناة السويس.
لعدة قرون، كان للقطب الشمالي أهمية خاصة بالنسبة إلى روسيا – باعتبارها أفقا جديدا للمستكشفين ومصدرا للثروات، ابتداء من الفراء إلى النفط والذهب، وعازلا أمنيا للأمة التي كثيرا ما تخشى التطويق. طور الاتحاد السوفياتي مناطقه القطبية بشكل مختلف جدا عن مجالات متشابهة جغرافيا في كندا أو ألاسكا: بنى منشآت صناعية وبنية تحتية على نطاق واسع وأنشأ مستوطنات دائمة كبيرة. لكن عندما انهار الاتحاد السوفياتي في عام 1991 جف المال الذي أبقى كل هذا على قيد الحياة، الأمر الذي أدى إلى وضع منطقة القطب الشمالي الروسية بأكملها في حالة من الفوضى امتدت لعقدين.
كان الاتحاد السوفياتي يستخدم طريق بحر الشمال منذ الثلاثينيات، وعلى نطاق واسع منذ السبعينيات: لعبور كامل المسافة بين أوروبا وآسيا، ولتزويد مستوطناته في القطب الشمالي بالغذاء والوقود، وشحن المنتجات من المناطق الشمالية التي تفتقر إلى وسائل للنقل على الأرض. لكن بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، توقف عن استخدام الطريق تماما تقريبا، ما هدد بقاء بلدات مثل تيكسي. انخفض إجمالي حجم نقل البضائع من ذروة بلغت 6.58 مليون طن في عام 1987 إلى مجرد 1.46 مليون طن في عام 1998.
لكن على مدى العقد الماضي أدى ارتفاع درجات الحرارة إلى وجود بقع كبيرة من المياه المفتوحة في المنطقة لفترات أطول من أي وقت مضى. وعلى مدى خمسة من الأشهر الستة الأولى من عام 2016 كانت منطقة البحر المغطاة بالجليد أصغر من أي سنة منذ بدء الأقمار الصناعية تتبع مدى الجليد البحري في عام 1979. نتيجة لذلك انتعش إجمالي حجم الشحن ليصل إلى 5.15 مليون طن في العام الماضي، أي أنه عاد تقريبا إلى المستوى الذي كان في التسعينيات. وتوجه الحكومة أنظارها إلى أهداف أكبر من ذلك بكثير. يقول إيجور تشيرنيشينكو، وهو عضو في مجلس الشيوخ في البرلمان الروسي عن مدينة مورمانسك في القطب الشمالي “في غضون السنوات الـ 20 – 25 المقبلة نحن نخطط لزيادة النقل عشرة أضعاف عبر المنطقة”.
الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يؤيد بقوة مثل هذه الطموحات. قال في مؤتمر حول قضايا القطب الشمالي عام 2011 “الدول والشركات الخاصة التي تختار طرق التجارة في القطب الشمالي بلا شك ستجني مزايا اقتصادية”. وقد أنشأت حكومته إدارة طريق بحر الشمال لتنظيم حركة الملاحة الأجنبية عبر مياه القطب الشمالي الروسية. وفي السنوات القليلة الماضية، أحيت موسكو أيضا مشاركات البحث والإنقاذ ووضعت خططا لإصلاح وتوسيع الموانئ على طول الساحل في المنطقة القطبية الشمالية.
وكثير من هذه الآمال يتوقف على فكرة أن بعض السلع المصنعة في الصين والمتجهة إلى الأسواق الأوروبية يمكن نقلها عبر القطب الشمالي. ويحتوي أقصى شمالي روسيا على موارد طبيعية هائلة يمكن أيضا أن يتم تصديرها إلى كل من الشرق والغرب عبر هذا الطريق. مثلا، قدرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية أن 70 في المائة من الغاز الطبيعي غير المكتشف في العالم – الذي يبلغ حجمه تقريبا 44 مليار برميل من سوائل الغاز الطبيعي – يكمن في القطب الشمالي، ومعظم ذلك في روسيا.
وكان نقل البضائع بين أوروبا وآسيا عبر منطقة البحر الشمالي قد توقف بعد عام 1997. لكن بدءا من عام 2009 شرعت بعض الشركات الألمانية والاسكندنافية والصينية والكورية في تجربة العبور من هذا الطريق. وتدفع الشركات للحكومة الروسية لدعم سفنها بمرافقين لكسر الجليد وتقديم بيانات الطقس والصيانة والبنية التحتية للبحث والإنقاذ – وهي إيرادات تحتاج إليها روسيا لدعم المناطق الشمالية.
يقول تشيرنيشينكو “ليس لدينا المال لتطوير البنية التحتية الساحلية وأسطول لكسر الجليد. لذلك نود أن نرى مزيدا من رحلات الترانزيت. من شأن ذلك أن يحقق مزيدا من الربح”. لا أحد يميل إلى احتمال نهضة المنطقة أكثر من سكان تيكسي. لكن المدينة أيضا تبين بشكل صارخ التحديات الهائلة لإحياء شمالي روسيا. وقد تم ربط ثروات تيكسي بالشحن في منطقة القطب الشمالي من البداية. هذه المنطقة التي تقع بالقرب من دلتا نهر لينا الكبير كانت نقطة توقف للمستكشفين والتجار والصيادين والعلماء منذ عصر القياصرة، لكن البلدة بنيت هنا فقط بعد أن قررت الحكومة السوفياتية إنشاء ميناء في عام 1938. ويقول الكسندر جوكوف، عالم الجغرافيا والأحياء الذي جاء إلى تيكسي عام 1982 وأصبح الحجة الرئيسية في تاريخ المدينة “كانت ترسو هنا 30 سفينة بحرية كبيرة. كان يخدمها البحارة. كان هناك مرفق كامل لإصلاح الساحل. وكان يخدم طريق بحر الشمال”.
كانت تيكسي أيضا مركزا للشحن العابر للحصول على الأخشاب وغيرها من الموارد التي كان يتم نقلها عبر نهر لينا على المراكب من المناطق البرية في عمق شرقي سيبيريا والشرق الأقصى الروسي. هذا أوجد فرص عمل جذبت الناس من جميع أنحاء الاتحاد السوفياتي. وساعدت قاعدة تيكسي العسكرية “تم إنشاؤها في عام 1959” على نمو البلدة، التي أصبحت مركزا بحثيا مهما مع وجود معاهد علمية في مجال الأرصاد الجوية وغيرها.
كذلك بنت الحكومة السوفياتية قليلا من المشاريع الأخرى حول الميناء، ما أدى إلى توسع المستوطنات أكثر من قبل – على الرغم من حقيقة أن تأمين مستلزمات المقيمين أدى إلى تكاليف باهظة. يقول كونستانتين شاخوردين، رئيس الإدارة المحلية “كان لدينا مصنع خاص بنا للسيراميك، كان لدينا منجم للفحم، وكان لدينا مصنع لمواد البناء. كنا نزرع خضراواتنا ونربي الماشية والخنازير والأغنام. كان لدينا كل شيء”.
في الثمانينيات بدت آفاق تيكسي واعدة للغاية بحيث إن مخططي المدينة من سان بطرسبيرج وضعوا تصاميم ونماذج كبرى للشكل الذي تخيلوا أن تبدو عليه المدينة في غضون 20 عاما. بدلا من المنازل الخشبية المتهالكة والخرسانة المتداعية التي تقف على شاطئ البحر المليء بالحصى الآن، تصوروا أفقا بمبان مرتفعة ينافس أفق موسكو وأنشأوا حاجزا بجوار الماء.
منذ ذلك الحين خسرت تيكسي ثلاثة أرباع سكانها. والنماذج الأولية التي صممها مخططو المدينة معلقة الآن في متحف خاص صغير أسسه جوكوف، بجانب حفريات وقطع من عظم ماموث صوفي. في الخارج يجري تأمين وإغلاق البوابات الفولاذية التي تؤدي إلى المنفذ، وعشرات الرافعات الصدئة المجمدة عبر الزمن فوق الرصيف المغطى بالثلوج. يفتح الميناء أبوابه فقط خلال موسم الملاحة الذي تمتد فترته القصيرة ثلاثة أشهر في الصيف.
يقول شاخوردين “البنية التحتية لوسائل النقل لدينا تعاني صعوبات كبيرة اليوم”. فالبلدة مليئة بالأنقاض والمنطقة الغربية للميناء تشتمل على بقايا مصنع أسمنتي، في الوقت الذي تقف فيه الهياكل الفارغة للبيوت الزجاجية السابقة والإسطبلات على جانب أحد التلال. وتتناثر المساحات الفارغة في البلدة ومنطقة التندرا المحيطة بها مع وجود قطع معدنية صدئة – كانت ذات يوم سيارات وأنابيب وآلات. وكذلك يهيمن على منظر البحر صورة لعدة سفن تتعرض للصدأ عبر الزمن لأنها مهجورة في منتصف الخليج منذ أكثر من 20 عاما.
معظم الذين غادروا البلدة كانوا من الأعراق الروسية والأوكرانية والأرمينية والألمانية كانوا قد جاءوا أثناء ذروة البلدة، منجذبين إلى الوظائف ذات الأجور المرتفعة في مناجم الفحم والوظائف العسكرية، أو إلى مناصب في مراكز علمية، أو مراكز خاصة بالأرصاد الجوية. بالنسبة إلى الآخرين لم تكن المغادرة خيارا لهم: فكثير من المقيمين في تيكسي هم من الجمهوريات السوفياتية السابقة التي أصبحت الآن بلدانا مستقلة، مثل قيرغيزستان أو مولدوفا. وفي الوقت الذي بقيت فيه الحياة في تيكسي مجمدة عبر الوقت خلال الـ 25 عاما الماضية، تغيرت بقية روسيا بشكل لم تعد معه معروفة. فقد ارتفعت أسعار المساكن وأصبحت سوق العمل تنافسية، ما يتطلب مهارات لا تتوافر إلا لدى عدد قليل من سكان تيكسي.
وبالتالي يتابع سكان تيكسي عن كثب الأخبار المتعلقة بالخط البحري الشمالي بحثا عن إشارات يمكن أن تساعد البلدة على استعادة مجدها السابق. على الرغم من أنها تقع على بعد أكثر من ألف كيلو متر من أقرب مدينة إليها، يقول نيكيتا كودرياشوف “إن تيكسي تقع إلى حد ما في صميم كل شيء. إنها في الواقع مكان يتسم بأهمية استراتيجية لكل من العسكريين والمدنيين، والمسار البحري الشمالي يمر في أراضيها. وهناك أيضا كثير من الرحلات الجوية الدولية التي تمر في أجوائها – المسافر من الصين يتعين عليه المرور بها، وخط سير الرحلة يمر من هذه الطريق”.
ويتفق مختصون على أن تيكسي سيكون لها دور لتلعبه. واحدا من أصل عشرة مراكز بحث وإنقاذ تعيد الحكومة الروسية فتحها في منطقة القطب الشمالي سيكون في البلدة. مع ذلك، من غير المحتمل أن يكون ذلك الدور مهما بما يكفي لاستدامة مستوطنة كبيرة. في أيام الحقبة السوفياتية نمت البلدة بشكل تجاوز كثيرا ما كانت تمليه الاحتياجات الاقتصادية – وهي ظاهرة شائعة عبر القطب الشمالي الروسي. تقول تاتيانا ميكايلوفا، وهي أستاذ مساعد في الأكاديمية الرئاسية الروسية التابعة للإدارة العامة والاقتصاد الوطني “رانيبا”: “لقد ورثت روسيا إساءة مكانية هائلة في تخصيص الموارد من الاتحاد السوفياتي”.
بمقارنة توزيع السكان في روسيا على أراضيها مع التوزيع في كندا، تقول ميكايلوفا “إن سياسات المواقع السوفياتية وضعت ملايين الناس في مناطق وأقاليم ليست جذابة لسكن الإنسان من وجهة نظر اقتصادية. والمشكلات القديمة التي يوجدها هذا الأمر واضحة في المستوطنات الموجودة في القطب الشمالي، مثل تيكسي”. وتتابع “عندما كنت تلميذة في المدرسة، كانت مسألة استعمار المكان هذه متأصلة فكريا”.
لتحقيق تلك الغاية، وظف الاتحاد السوفياتي وسائل سياسية تراوح بين الفكر الأيديولوجي واستخدام القوة الغاشمة. مارينا إيفانوفا، البالغة من العمر 58 عاما، موظفة في محطة الأرصاد الجوية في تيكسي. ولدت إيفانوفا في جبال الأورال، حيث سجن والداها في معسكر لعمال السخرة، لكنها بوصفها شابة تطوعت للعمل في القطب الشمالي. وكانت قد قرأت كتاب “القبطانين”، رواية في زمن الحرب كتبها الكاتب السوفياتي فينيامين كافيرين، وهي تروي قصة مستكشف بدأ في البحث عن رحلة استكشافية اختفت في القطب الشمالي، ليكتشف أثناء الرحلة أرخبيل سيفيرنايا زمليا الذي يبعد ألف كيلو متر إلى الغرب من تيكسي.
تقول “لقد أعجبني ذلك الكتاب تماما، مثلما أعجب عددا كبيرا من أبناء جيلي. لقد شغفني ذلك الحلم، ونتيجة لذلك انتهى بي الحال هنا”. في عام 1981، تم تعيينها في محطة الأرصاد الجوية على مشارف بلدة تيكسي – لتكون أول امرأة تعمل هناك. تتذكر قائلة “في كل مرة كنت أخرج للعمل في فصل الشتاء، يتبعني مديري ليتأكد أنني لن أقع على الدرج في الخارج، ويسير خلفي ومعه مسدس لأن الدببة معتادة على الاقتراب من المكان (…) ونحن النساء لم يكن يسمح لنا بحمل الأسلحة”. تبدو إيفانوفا من الرواد غير المتوقعين. باعتبارها من مؤسسي مجتمع الطائفة الأرثوذكسية الروسية في تيكسي، ترتدي تنورة طويلة وهي تعارض تماما أن تعمل النساء في وظائف خطرة. مع ذلك، عاشت في منطقة القطب الشمالي لفترة تزيد على 30 عاما. تقول بتأمل “بطبيعة الحال، عندما تستثمر الكثير وتتغلب على كثير من العقبات، في النهاية ستحب العمل والمكان. إذا عشت هنا، فستخوض معركة مستمرة مع الطبيعة (…) يجب عليك ألا تيأس أبدا. في الحياة يكون الأمر كذلك أيضا. وهنا الحال كذلك دائما”.
هذه المثالية العليا في السيطرة على الطبيعة تعتبر إلى حد كبير جزءا لا يتجزأ من الهوية الروسية، كما في أسطورة قهر القطب الشمالي، على الرغم من تراجع بصمة موسكو في أقصى الشمال على مدى السنوات الـ 25 الماضية. في تموز (يوليو)، نشر ألكسندر بروخانوف، المنظر القومي، مقالا يمجد فيه القطب الشمالي بوصفه عنصرا أساسيا من العظمة الروسية وقوة لتنشيط النزعة الوطنية. وأطلق صيحة للشعب الروسي لاستغلال ثرواته من الموارد الطبيعية، وقال “سنعتمد أيضا على مورد آخر ثمين بالنسبة إلى الشعب الروسي – العاطفة، وأحلام اليقظة الباعثة على الإلهام، والإرادة القوية والثقة التي لا تقهر، التي جعلت من الشعب الروسي على مدى الأجيال أمة عظيمة لا تهزم”.