إذا كان الهاجس الاقتصادي مارداً يهدد الدول ويقوض دعائم نهضتها حتى أيقنت الدول الكبرى أنها في صراع من أجل البقاء يقوم على سرعة الإنجازات في وقت قياسي، فالحياة لا تنتظر أحداً… إذا كان هذا حالهم مع منتج يصنعه الإنسان مدركين قيمة الوقت وحسابات الزمن، فكيف إذا أردنا أن نصنع الإنسان الذي استخلفه الله في الأرض واستعمره فيها!!
فإننا أولى الأمم بمراعاة عنصري الوقت والاستفادة منه في إنتاج مخرج يكفي أجيالاً وأجيالاً ، فلقد عاشت أمتنا تحت وطأة كذبة كبرى ، يسميها الغرب بفترة المراهقة ، فصدروا للعالم الثالث فكرة أن الطفل يعيش فترة تحول وسموها فترة المراهقة المبكرة والوسطى والمتأخرة قد تتقدم أو تتأخر سنة أو سنتين ما بين الحادية عشرة وحتى الواحدة والعشرين يعيش تحت ضغط هرمونات تفرزها أعضاؤه هي المسئولة عن تصرفاته غير المبررة والتي يفعلها دون وعي منه ونشروا بذلك التقارير النفسية والعلاجية لهذه الفترة العصيبة من حياة رجل في عنفوان عطائه ، فعطلوا بذلك ركب تقدمنا وعنصر تفوقنا على الأمم بجعل شريحة عظيمة من الأمة كماً مهملاً لسنوات لم تستفد الأمة منهم بدعوى أنهم مازالوا تحت سن المراهقة ، وبالتتبع وجدنا أن لفظ المراهق أو المراهقة لم يذكر في القرآن ولا في السنة النبوية، بل أكثر من ذلك وجدنا رسول البشرية صلى الله عليه وسلم يستعمل شباباً صغار السن في قيادة الجيوش وطليعة الدعوة لدين الله عز وجل ففتح الله لهم البلاد ودانت لهم قلوب العباد ، ولم يذكر أنه صلى الله عليه وسلم رد شاباً وهو أهل لأن يتحمل المسئولية أو أقصاه عن موقع القيادة أبداً ، وأنه صلى الله عليه وسلم علم بأن هذه الفترة من عمر الأمة هي أزهى فترات عطائه وعاطفته ، وأن العبد مادام قد صار مميزاً قادراً على تبوء المكانة اللائقة به والمتسقة مع مواهبه فلِم لا يتصدر ويحظى بتجربة ، فقد تكون سعادة البشرية على يديه ، لقد عاشت أمتنا تحت إعلامٍ غربي مُضلل حرم أمتنا من فترة خصبة من تاريخها حين أقصت فلذات كبدها تحت عنوان المراهقة. إن الشباب متى ما توفرت لهم سبل الهداية والعيش الهنيء وأصبح كل واحد عاقلاً متزناً فما المانع من تصدره وقيادته وتأهيله لتكوين أسرة في سنٍّ مبكر تكون نواة لمجتمع وأمةٍ فتيةٍ قد أقبل مجدها وذاع صيتها بشباب مقبل على الحياة لا يهاب شيئا فقد فوضته الأمة لبناء عزها وأوكلت إليه حمايتها ورعاية أرضها والدفاع عن مقدساتها ، فتفكروا يا رعاكم الله في شبابنا وما يحاك له من مؤامرات يريدون بها تأخر هذه الأمة عن ركب الحضارة وعن شرف يريدون أن تتخلى عنه بإقصاء الشباب في أزهى عطائه وريعان فتوته.
انظر إلى الفساد كيف ينخر في أساس البدايات وتقول أريد أن أغير ؟! إذا لم يكن التغيير جذرياً من البدايات لا يكون تغييراً ولا يرجى منه نفع ولا يبرئ جرح ، بل ورقات تنضد مع إخواتها على رفوف وتكون حصيلة علمية في مكتبات .
أرى أنه يتوجب علينا النظر في المراحل العمرية واحتياجاتها من المناهج تعليماً وتمكيناً، وأن نختصر سنوات المراحل الدراسية التي تقطع الأعمار وتذهب ذروة الشباب في قليل فائدة وعديم جدوى، كما عليه الحال في التربية والتعليم الآن، سنتان رياض أطفال و ٦ سنوات ابتدائي و٣ سنوات متوسط و٣ سنوات ثانوي
و ٤ ، ٥ ، ٦ ، ٧ سنوات في الجامعة لا تغطي احتياجات أبنائنا ولا تلبي حاجات المجتمع.
فيجب أن تتبدل وتتحول إلى تعليم وتمكين لما يحتاجه أبناؤنا من مهارات وقدرات وعلوم وخبرات، في أقل قدر من السنوات الدراسية ، ويراعى في ذلك الفروق الفردية ، فلا يعامل الذكي النبيه معاملة الضعيف ، ويتخصص الطلاب في مجالات توافق رغباتهم وميولهم منذ الصغر، فيتراكم العلم الغزير وتنبثق كنوز الفهم والمعرفة والقدرة على تغيير الشيء نحو الأفضل فبالعلم والتمكين والحب والإتقان تزدهر الأمة وتعود لسالف عهدها وذروة مجدها وعنوان رفعتها وتطورها .
ولا ننسَ قدرة الحفظ وقوته وثبوته عند الصغر وكما قالوا : الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر . فاستغلال الوقت، والتركيز على تنمية المهارات والهوايات والخبرات يساعد أبناءنا ويقويهم لمواجهة المخاطر والأعاصير، كشجرة اشتد عودها وعلت في السماء غير معوجة لا فيها خلل ولا انحراف، فزادت صلابة وقاومت الرياح والأعاصير.
ولا مانع من أن تكون مرحلة البناء والتكوين متوازية مع إشباع الرغبات بطريق شرعي ومنهج سليم وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج “.
والحمد لله زماننا زمن خير وبركة فالمال متوفر والسكن واسع، لذا يستطيع أبناؤنا أن يتزوجوا ويفتحوا بيوتاً ، فكم من انحرافات وشذوذ تصدر للأمة بسبب هذا التأخير، فينحرف الشاب وهو صغير إلا من هداه الله وحفظه، ففترة الدراسة الطويلة مع كثرة المغريات يكون لها الأثر السلبي البالغ على الفرد والمجتمع.
وبالنهاية لا تستطيع أن تتغير وتتبدل ما لم ترجع إلى نقطة البداية وتتحقق منها أهي صحيحة ؟ وهل هذا هو الطريق الأمثل والأصوب ؟ وما النتائج المرجوة ؟ وما الأضرار ؟ وما التكاليف من مال ووقت وجهد ؟ فإذا أجبت على هذه الأسئلة تكون قد تحررت من قيود ترهق الفرد وتضيع المجتمع وتؤخر تقدمه ونهضته ، فتتحقق بك النظرة الثاقبة والإرادة الصادقة نحو التغيير إلى الأفضل من أجل التطوير والنهضة والإرتقاء .
( أكذوبة كبرى ) د.عبدالله زامل العنزي