في العالم ومنذ القدم كانت الأنهار ولا تزال أماكن ساحرة مغلفة بالأسرار والغموض، وحولها نشأت القصص والأساطير، كما قامت الحضارات البشرية حيث يتوفر الماء وحيث يمكن الزراعة ونمو الحياة والقدرة على الاستمرار في مقاومة كل الظروف.
هناك أنهار لها قداستها التي ما زالت قائمة إلى اليوم، حيث تعتبر أماكن يحتفى بها، وهناك أنهار فقدت هذه القداسة التي كانت قائمة في الماضي ربما القريب أو القديم جدا كما في نهر الراين الأوروبي.
هذه سياحة في عشرة من الأنهار ذات الأساطير والمرويات الشعبية في العالم، وهي لا تحصر كل ما يدور في عالم الأنهار وفلكها بل هي مجرد نماذج لعشرات بل مئات الأنهار في العالم، حيث لا تنتهي حكايات البشر وشغفهم بالغموض والرغبة في كشف ألغاز الحياة.
1- نهر الغانغ، الهند
يعتبر من أكبر أنهار شبه القارة الهندية، وهو نهر مقدس عند الهندوس، وسمي بهذا الاسم نسبة إلى “إله” يعتقدون فيه، يعرف باسم “غانغا” وهناك ملحمة باسم “رامايانا” متوارثة عبر عشرات القرون تحكى باسم هذا النهر الذي يبدأ مجراه من جبال الهملايا، ويصبّ في خليج البنغال جنوبا. أهميته الدينية أنه يطهر النفوس بحسب معتقداتهم، حيث إن الأشخاص يلقون بأنفسهم فيه ثلاث مرات للحصول على الطهر النفسي في طقس غسل يشبه العبادة مع الترانيم الموسيقية.
2- نهر سالي، النيبال
لضمان حياة زوجية سعيدة وللحصول علي زوج صالح تتوجه نساء نيبال إلى نهر سالي أعلى مشارف العاصمة كاتماندو للاستحمام فيه، في مهرجان سنوي يعرف باسم ” مهرجان براتا كاثا”، حيث يعتقدن بأن ماء هذا النهر يجلب البركة والزوج الصالح ويمنحهن أعمار طويلة، حيث يخلعن ملابسهن ويغرقن أجسادهن في المياه.
وتقع بضفافه العديد من المعابد الهندوسية المقدسة. كذلك فإن زيارة النهر في شهري يناير وفبراير، هي مناسبة للتطهر والتراجع عن الخطيئة وغسل الروح.
3- النهر الأصفر، الصين
يعرف كذلك بنهر الهوانغ، ويعتبر مهد الحضارة الصينية، فهو يمتد على مسافة أكثر من 5 آلاف كيلومتر من هضبة التبت إلى مصبه في بحر بوهاي. وفي منبعه بالقرب من التبت ذات الاستقلال الذاتي، حيث يولد “النهر الأم” وهو اسم آخر له، تدور الكثير من الأساطير، ومنها أن من يسيطر على هذا النهر يسيطر على الصين كلها، وهو قول متناقل عبر القرون الطويلة، ولهذا النهر أهميته التاريخية كنهر النيل، ويقال إن أسلاف الصينيين اليوم كتبوا أولى أحرفهم في قواقع السلاحف قرب ضفافه الموحلة. واسمه يعود إلى الإمبراطور الأصفر الأسطوري، الذي عاش بجواره واعتبره الصينيون مقدسا، بحيث كانوا يقدمون له كل عام فتاة جميلة هدية له وقداسا كما يفعل أهل مصر القديمة. وهو كذلك ارتبط بشخصية الفيلسوف كونفوشيوس الذي ولد بجواره وتعود إليه الديانة الكونفوشيوسية.
4- نهر سيبيك، غيينا الجديدة
هو أطول الأنهار في غينيا الجديدة بالقارة الإفريقية، حيث يبلغ طوله 1126 كيلومترا، وبعكس الكثير من الأنهار في العالم لا توجد له دلتا، قبل أن يصب مباشرة في بحر بيسمارك. ولا توجد مستوطنات كبيرة الحجم حوله، حيث تعيش قبائل صغيرة منذ آلاف السنين شبه معزولة عن العالم وذات صلة لصيقة بهذا النهر الذي تستوحي منه إلهام الحياة وفنونها وكافة المهرجانات التقليدية. وتعتبر هذه المنطقة إلى اليوم من المناطق غير المكتشفة بشكل كامل في العالم، وملغزة بالأسرار، حيث يحافظ السكان على طقوس حياة بدائية، متوارثة، وملابس مميزة وعبادات خاصة مرتبطة بالنهر المقدس.
5- نهر النيل، مصر والسودان وإثيوبيا
هو واحد من الأنهار الأشهر في العالم والأطول أيضاً، وحوله نشأت الحضارة الفرعونية والنوبية والكوشية والعديد من حضارات إفريقيا في الحبشة وجنوب السودان وأوغندا، ومنذ القدم صيغت العديد من القصص والأساطير حول النيل، حيث إن تاريخه غني بالحكايات التي تكلمت عنها الكتب المقدسة، مثل قصة النبي موسى الذي وجد في سلة مخبأة بالنهر، كذلك نجد قصة عروسة النيل التي توهب له في الزمان القديم. كذلك ورد في الأساطير أن النهر ينبع من الجنة مباشرة قبل أن تكتشف منابعه الحديثة. وإلى اليوم ثمة طقوس شعبية في مصر والسودان في المناطق الريفية تتعلق بالنيل في احتفالات الختان والأعراس وغيرها من المناسبات الشعبية. وفي القدم ارتبط العديد من الآلهة التي يعتقد بها في زمانها بنهر النيل، وإلى اليوم فإن كثيرا من الإبداع الشعري والقصصي والتشكيلي ارتبط به.
6- نهر الأمازون، أميركا الجنوبية
وهو ثاني أكبر نهر في العالم من حيث الحجم والعمق بعد النيل، وهو خال من الجسور تماما نسبة لأنه يمر بمناطق قليلة المدن ذات غابات ممتدة، وتنسج حوله الكثير من القصص والأساطير التي تدل على مكانته منذ القدم، إلى عصر الاكتشافات الحديثة، كأسطورة الدولفين الذي يعيش بجوار النهر ويغوي النساء عندما يتحول إلى رجل. وبيئة الأمازون خصبة بالكثير من الكائنات الحية، التي صيغت حولها القصص الشعبية والأساطير منذ القدم، ودخلت إلى الروايات الحديثة في أدب أميركا الجنوبية الذي غزا العالم عبر ما عرف بمدرسة الواقعية السحرية كما عند غابرييل غارسيا ماركيز.
7- نهر الميسيسيبي، الولايات المتحدة
هو أطول نهر في الولايات المتحدة الأميركية ويقع في الشمال الشرقي لأميركا الشمالية. ومعنى كلمة “ميسيزيبي” هو النهر العظيم وهي مأخوذة من لغة الهنود الحمر، وما من شك أن كثيرا من قداسة هذا النهر وأساطيره قد انزوت عبر القرون لاسيما بعد نشوء الولايات المتحدة واندثار عرقية الهنود الحمر من قبل المكتشفين الجدد القادمين من أوروبا، وإلى اليوم هناك أماكن غامضة من هذا النهر مثل منطقة دلتا المسيسيبي التي تعتبر من أكبر الدلتات في العالم، وهي منطقة غير مأهولة في الغالب بسبب المستنقعات.
8- نهر الميكونع، تايلاند
هو نهر في جنوب شرقي آسيا، ويصنف ترتيبه في الطول الثاني عشر في العالم والسابع لأطول أنهار قارة آسيا، ومن ضمن مناطق مروره هي تايلاند حيث تدور الأساطير هناك وقصص القداسة، وهو ينبع من هضبة التيبت ويجري عبر أراضي إقليم يونان في الصين ثم في بورما (ميانمار) ولاوس وتايلاند وكمبوديا، ثم يسير في أراضي فيتنام مكونا دلتا نهر الميكونغ حيث في النهاية يصب في بحر الصين الجنوبي. ومرات تندلع النيران من سطح نهر الميكونغ في تايلاند وقد فسّر ذلك بأنه نتيجة غاز الميثان، لكن في القدم كانت هذه النار مصدرا للعديد من القصص المختلقة المحلية ما أكسب النهر طابع الغرابة والقداسة. وكانت الروائية الفرنسية الشهيرة مارغريت دوراس (1914- 1996) قد ذكرت هذا النهر في أعمالها حيث عاشت فترة في هذه المنطقة.
9- نهر إيمجين، كوريا
يعرف أيضا بلقب “نهر الأموات” بسبب ما يُقال عن وجود أعداد كبيرة من جثث الكوريين الشماليين ملقاة فيه. وهذا النهر يتدفق عبر الحدود العسكرية بين البلدين “الأعداء”، وهو مصدر خلافات في بعض الأحيان بسبب المياه. وفي كوريا الشمالية يسمونه “ريمجين” خلافا لـ “إيمجين” في كوريا الجنوبية، وقد كان موقعا للحرب الكورية وحروب عبر قرون قديمة، ومن هنا أصبح مقبرة ومكانا يقدس من قبل أهالي القتلى. وهناك أغنية شعبية شهيرة في كوريا الشمالية تغنى لهذا النهر تعرف بـ Rimjingang وقد كتبت سنة 1957 بواسطة شاعر من كوريا الشمالية اسمه “باك سي يونغ”، وهي ممنوعة الآن في كوريا الشمالية لأنها تعبر عن مضامين متعلقة بالحرية يرمز لها النهر الذي يجري من الشمال إلى الجنوب وهي كذلك – أي الأغنية – ترفض فرقة وخصومة البلدين التوأمين.
10- نهر الراين، ألمانيا
يمر عبر سويسرا، فرنسا، ألمانيا، ليختنشتاين وهولندا. ويعتبر أحد أهم وأطول الأنهار في القارة الأوروبية، واسمه مشتق من كلمة تعني (الجاري). ويرتبط الراين بالعديد من الأساطير الألمانية المتوارثة مثل أسطورة حورية البحر (لوريلي) التي تظهر أحيانا للبحارة وعابري النهر، عند منحدر صخري شاهق يعرف بنفس الاسم، فتكون السبب في اختفاء سفن هؤلاء البحارة عند ذلك المنحدر. كذلك القول بأنه ليس عنده انحدار محدد، ويقال إنه يحتوي على كنوز لا حصر لها من الذهب والمعادن النفيسة التي كانت تسرقها القبائل في العصور القديمة.