يروى أن رجلا ذهب لحكيم ليفسر له رؤيا رآها في منامه، وقد ارقته كثيرا ولم يدر ما المقصود منها، وما ان لقيه حتى هم عليه بقوله: سأبوح لك بأمر مهم لم أفاتح فيه أقرب الناس إلي فقد رأيت فيما يرى النائم أن لي 4 زوجات وقد كانت معزتهن متفاوتة، فقد كانت الزوجة الرابعة هي الأغلى والأحلى بينهن، فهي المدللة وتلقى مني كل اهتمام وتقدير بسبب جمالها ونضارتها وأوليها كل عنايتي ورعايتي تليها الزوجة الثالثة فقد كنت أحبها حبا جما وأفاخر بها أمام المعارف والأصحاب، لكني وبصراحة شديدة يساورني الشك فيها فأخشى أن تذهب في يوم ما مع غيري، أما زوجتي الثانية فأحبها أيضا، فهي تتميز عن البقية بأنها متفهمة وصبورة، وإن لم تكن على درجة الرابعة والثالثة من المحبة ولكنها نالت ثقتي، والحق يقال كلما واجهتني مشكلة ألجأ إليها، فهي نعم العون وقت الضيق، أما زوجتي الأولى فهي الشريكة الوفية في حياتي بل وهي التي لها إسهامات عظيمة في الاهتمام بأموري ورعاية شؤوني بالإضافة إلى حرصها علي وعلى بيتي، ويؤسفني أن أقول لك إني لا أحبها على الرغم من أنها تحبني من الأعماق، وما أسوأ العشرة التي تقوم على الحب من طرف واحد، وقد رأيت فيما يرى النائم وكأن ساعة وفاتي قد حانت وأصبح الموت يطلبني، عندها حضرت زوجاتي على التوالي، وقد قلت لزوجتي الرابعة: أنت أشد من أحببت، ألبستك أحلى الملابس وأغلى الحلي وغمرتك برعايتي وأنا الآن أموت فهلا رافقتني؟ فردت علي بسرعة: لا يمكن ثم ولت مدبرة وأحسست وكأن جوابها سكين غرز في فؤادي، وحضرت الثالثة فقلت لها أحببتك طيلة حياتي وأنا الآن أغادر هذه الحياة فهلا رافقتني وآنست وحشتي؟
فأجابتني: الحياة حلوة ويؤسفني أن تعلم أنني سأتزوج من بعدك، وكان وقع كلامها مؤلما علي، ورأيت زوجتي الثانية فذكرتها بما كنت أفعله من أجلها وقلت لها: هذا وقت الحاجة إليك وإلى مساعدتك فهلا رافقتني وآنست وحدتي؟
فردت آسفة أنا لا أستطيع مساعدتك هذه المرة ولكني سأرافقك إلى المقبرة فقط وبينما كنت أتذكر جوابهن وأعتصر حزنا إلى ما آل له حالي وإلى جحودهن لي أسمع صوتا يصرخ في ويقول أنا أنا سأرافقك وسأتبعك أينما ذهبت.
نظرت إلى مصدر الصوت فإذا هي زوجتي الأولى وقد بدت هزيلة شاحبة كما لو أنها بقيت دون طعام لأيام عديدة، عندها أطلقت زفرة ندم على ما كنت أعاملها به من قلة رعاية وعدم اهتمام، حتى أصبح ذاك حالها. قل لي راعاك الله ما سر هذا الحلم فقد أزعجني كثيرا؟ عندها تبسم الحكيم وهز رأسه وقبل أن يجيبه تنهد بعمق وقال: كل منا له أربع زوجات.
فالزوجة الرابعة هي أجسامنا فمهما اعتنينا بها فلن تغادر الدنيا معنا، والزوجة الثالثة هي أموالنا وممتلكاتنا نحبها ونفاخر بها وعندما نموت تؤول إلى غيرنا من الورثة، والزوجة الثانية هي أقرباؤنا وأصدقاؤنا مهما قويت وتوطدت علاقتنا معهم فأقصى ما يمكن أن يصلوا به معنا هو مرافقتنا إلى حدود القبر، والزوجة الأولى هي التي لا يمكن لأحد رؤيتها وهي الروح التي نالت أكبر نصيب من الإهمال وتناسيناها في غمرة الاستمتاع بالحياة الدنيا، أوليس من العقل اذن العناية بها ورعايتها بالخير والعمل الصالح، لاسيما أنها الوحيدة التي سترافقنا يوم الحساب؟
@almeshariq8