يُعد البركان البوليفي سيرّو يوتورونكو بركاناً ذا قمة ضخمة خاملة، ويبدأ البركان من هضبة عالية في مرتفعات جنوب أميركا التي تُعرف باسم ألتيبلانو. وإن كنت قد سمعتَ عن البركان، فهذا على الأرجح بسبب الأخبار المتداولة مؤخراً التي تدّعي أن العلماء اكتشفوا “بحيرة” تحت قاعدته، في أعماق القشرة الأرضية.
لكن هذا الأمر حقيقي جزئياً، فلا توجد بحيرة فعلية تحت بركان سيرّو يوتورونكو، لكن توجد كميات هائلة غير معقولة من المياه المحبوسة في الصخور المُذابة تحت البركان، وهذه الكميات تكفي تقريباً لملء بحيرة سوبيريور، بحسب موقع Live Science.
ومن المعروف أن هذا النوع من الماء المُذاب يدفع البراكين إلى الثوران في مناطق الاستخفاض، وهي المناطق التي تصطدم فيها قطعة من القشرة الأرضية بقطعة أخرى. ومع ذلك، اندهش العلماء من كمية الماء الغزير المحبوسة تحت بركان سيرّو يوتورونكو.
قال جون بلندي، المتخصص في علم الصخور بجامعة بريستول في المملكة المتحدة، الذي كان أحد الباحثين المشاركين في اكتشاف الماء تحت البركان “يبلغ حجم الماء ضعف ما كان يُتوقع اكتشافه تقريباً”.
لغزٌ غريب
كان بلندي وزملاؤه يدرسون البركان لأن قياسات القمر الصناعي كشفت تشوهاً في شكل الأرض حول الجبل، ويُعد هذا التشوه علامة على تحرك الحمم البركانية تحت البركان من مكان إلى آخر.
وعندما أخذوا قياسات سَيزمية (أو زلزالية) للقشرة الأرضية تحت البركان، وجدوا شيئاً “غريباً” تحته بمسافة 9 أميالٍ (15 كيلومتراً). عندها تباطأت الأمواج السيزمية، وزادت قابلية التوصيل الكهربائي بشدة.
استخدم الباحثون الأنديسايت -وهو صخر بركاني يُجمع من حمم بركانية متدفقة قديمة- ليصنعوا نموذجاً محاكياً في المعمل، يحاكي الظروف البيئية تحت الأرضية، أسفل بركان سيرّو يوتورونكو.
قام الفريق بتعريض الصخرة لدرجاتٍ مختلفة من الضغط والحرارة، كي يختبروا قابليتها لتوصيل الكهرباء وخصائص أخرى، وقتها يستطيع الباحثون تقدير البيانات استقرائياً من هذه التجارب، أي تقدير البيانات الحقيقية للحوض المائي أسفل البركان.
اللهيب والماء
اكتشف العلماء خلال العقد الماضي وجود تجاويف نادرة للحمم المنصهرة تحت جبل البركان، على عكس ما تعلمناه في المدرسة الابتدائية عن كيفية عمل البراكين. وبدلاً من ذلك، تتغذى البراكين على فتات الصخر، الذي يتميز بأنه نصف صلب ونصف سائل، وذو حرارة عالية، وتحت ضغطٍ عالٍ.
ويضيف بلندي أن الصخور تذوب تحت درجات حرارة كبيرة، فتستطيع الأجزاء السائلة (والغازية) من الفتات أن تدخل في ثقوب الصخور التي ما زالت صلبة.
وجد بلندي وزملاؤه أن 10% هي نسبة السوائل في فتات الحمم البركانية تحت مرتفعات جنوب أميركا (ألتيبلانو-بونا) القابعة تحت بركان سيرّو يوتورونكو. ومن هذه النسبة تبلغ نسبة المياه المذابة نحو 10%.
ويتابع جون بلندي لموقع Live Science أن بعد قياس نسبة جزيئات الماء في الخليط، وُجد أن الماء يحتل 25% من الصخور الذائبة، وهذا يفسر قابلية التوصيل الكهربائي العالية.
ويضيف بلندي أن كل الحمم البركانية يبلغ حجمها 120,000 ميل مُكعب (500,000 كيلومتر مكعب)، لذلك يبلغ وزن الماء المذاب حوالي 1.4 * 10^16 كيلوجرام، وهذا الوزن يكفي لملء بحيرة سوبيريور، وهي أكبر بحيرة من البحيرات العظمى في أميركا الشمالية.
وقال جون بلندي إن هذا الماء انجرف تحت الأرض، عندما غاصت صفيحة النازكا القارية تحت الصفيحة القارية لجنوب أميركا، وإن الماء تجمّع على مدار 6 ملايين سنة تقريباً.
تسير براكين أخرى بنفس النظام في مناطق الاستخفاض، من بينها بركان جبل سانت هيلين، الواقع في جبال كاسكيد. ويتابع بلندي أن بركان سيرّو يوتورونكو لم يثُر منذ حوالي 250,000 سنة. وأضاف بلندي أن سبب الارتفاع عن سطح الأرض الذي حدث حول البركان هو الأجزاء الصغيرة من الصخور الذائبة، التي ضُغطت في الحوض المائي أسفل البركان، لكن الأمر ليس واضحاً إذا كانت هناك استعادة وشيكة لنشاط البركان.
وفي نهاية حديثه، قال بلندي: “ما نراه هو أن هذه البراكين مثل الصمامات أعلى الأحواض، ويمكن أن يُعاد ملؤها بحمم قليلة ترتفع لأعلى”.