في العام 2009، وبعد أشهر قليلة من توليه منصب الرئاسة، حصل باراك أوباما على جائزة نوبل للسلام، لجهوده الاستثنائية في دعم الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب، وكان هذا القرار مفاجئًا لكثيرين، وقد ندم سكرتير لجنة “نوبل”، جير لوندستاد، على اتخاذه فيما بعد.
وقال لوندستاد في العام 2015، خلال ترويجه لمذكراته التي نشرت بعنوان “سكرتير السلام”، قائلًا: “حتى كثيرون من أنصار أوباما يعتقدون أن الجائزة كانت خطأ”، مضيفا: “وبهذا فإن اللجنة لم تنجح فيما تحقيق ما كانت ترمي إليه. نعم، إنها لم تنجح بالفعل، وحقيقة الأمر هي أن باراك أوباما، بدلًا من أن يصبح سفيرًا للسلام العالمي كما كانت اللجنة تأمل، قد أصبح رئيسًا محاربًا”.
وتبنى أوباما كقائد أعلى نوعًا جديدًا من الحرب، ذلك النوع الذي يتم في الظل، من خلال الوكلاء والطائرات دون طيار، حرب تعتمد بشكل كبير على قوات العمليات الخاصة التي تقوم بتنفيذ مهام سرية في أماكن نائية من الكرة الأرضية.
إنها الحرب التي ساعدت في تحقيق مكاسب لصناعة الأسلحة الأمريكية، إنها الحرب التي قيل لنا أنها قتلت آلاف الإرهابيين ولكنها مسؤولة عن موت آلاف المدنيين.
المنطقة الرمادية
إن التاريخ المهني للرؤساء ورؤساء الوزارات ينظر إلى منظور الحروب التي قادوا بلادهم إليها. فجورج بوش الابن وتوني بلير سيرتبط اسمهما دائما بحرب العراق، وفي هذا السياق، يعد جورج بوش أكثر ولعا بالحرب من أوباما، لكن الحقائق تكذب هذا الافتراض.
فقد وافق جورج بوش على 50 غارة باستخدام الطائرات دون طيار خلال فترتيه الرئاسيتين. وأسفرت الغارات عن مقتل نحو 300 إرهابي و200 مدني تقريبا. أما أوباما، فقد أذن بـ500 غارة خلال الثماني سنوات التي قضاها في الرئاسة، أي 10 أضعاف ما صرح به بوش. ونجح في قتل 3040 إرهابيًا و391 مدنيًا، بالرغم من أنه من الصعب حقا معرفة الكيفية التي قام البنتاغون من خلالها بتحديد هوية هؤلاء الأشخاص وسط ضباب الغارات.
وتضاعفت ميزانية قوات العمليات الخاصة خلال رئاسة أوباما لترتفع من 6 مليارات دولار إلى 11 مليار دولار، في حين ازدادت الأعداد من 56 ألفًا في العام 2009 إلى 70 ألفا الآن. إن القوات الخاصة تعمل في الفراغ ما بين الحرب والسلام، ما يسمى بالمنطقة الرمادية، ويقال إنهم يصلون إلى أماكن ويقومون بأعمال لا يستطيع غيرهم القيام بها.
واغتيال أسامة بن لادن هو أحد الأمثلة. نحن نعلم بشأنه لأن الرئيس وإدارته تحدثوا بشكل علني عن الغارة، وجاء هذا بشكل أساسي ردًا على مزاعم منتقديه بأن الولايات المتحدة تساهلت مع الإرهابيين في ظل إدارته.
وهناك الكثير جدًا مما لا نعلم عنه شيئًا، كما هو الحال في عملية الموصل، فنحن تقريبا لا نعلم عنها شيئا. ولكن هذا هو نوع الحرب التي اختارها باراك أوباما منذ اليوم الأول لرئاسته.
عمل جيد
وبينما كان يقر وينفذ سياسة الحرب السرية والحرب بالوكالة، كانت الولايات المتحدة تبيع كميات هائلة من الأسلحة للشرق الأوسط. ومرة أخرى تكشف الأرقام كل شيء. فخلال 8 سنوات التي شغل أوباما فيها المكتب البيضاوي، وافقت إدارته على مبيعات للأسلحة تقدر بـ278 مليار دولار معظمها تم بيعه لحلفائها في المنطقة. هذا الرقم هو ضعف الكمية التي وافق عليها بوش، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كان متوسط مبيعات الأسلحة الأمريكية 11 مليار دولار سنويا. وفي كل عام من رئاسة أوباما تجاوزت مبيعات الأسلحة هذا الرقم بنسبة كبيرة في الغالب.
وبينما كان الأمريكيون يتجهون نحو الانتخابات، أعلن “البنتاغون” موافقته على صفقة أسلحة تقدر بـ33.6 مليار دولار في العام 2016 لا تشمل صفقات المقاتلات مع الكويت وقطر والبحرين التي يتوقع أن تصل إلى 7 مليارات دولار.
إن الأسلحة التي يتم بيعها هي الأحدث في حرب التكنولوجيا الفائقة، طائرات إف 15، ومروحيات أباتشي قتالية، ودبابات إبرامز إم 1، وصواريخ باتريوت، وطائرات دون طيار من نوع يو إيه في، وطائرات الإنذار المبكر المحمولة جوًا، وصواريخ باليستية دفاعية، وصواريخ مضادة للدبابات، والقائمة تطول.
ونفس الطريقة تبدو الصراعات الإقليمية بلا نهاية، فقد قضى أوباما، بعيدًا عن الاتفاق النووي الإيراني، الكثير من الوقت في محاولة حلها دبلوماسيًا. لكنه تخلى عن الدبلوماسية عندما جعل السياسة الخارجية الأمريكية متمحورة حول الشرق الأقصى، في محاولة لاحتواء الطموحات الصينية المتزايدة.
آفاق إقليمية قاتمة
إذا فهذا المتحدث اللبق والعاطفي والرئيس واسع المعرفة هو في الحقيقة محارب غير متردد، ورجل تبنى فن الحرب في الظل، في الوقت الذي يقوم فيه ببيع الأسلحة لأكثر لمنطقة هي أكثر المناطق تقلبا في العالم، والتي أصبحت أكثر اضطرابا خلال سنوات رئاسته. فما مدى الإهمال الذي يدفعه لتشجيع بيع الأسلحة بهذه الحماسة لمنطقة خطرة كهذه؟.
وأصبح الأمر الآن في يد خليفته، الرجل الذي يبدو أنه لا يعرف شيئا عن الشرق الأوسط، فإما أن يرث عباء المحارب الذي يقاتل في الظل أو أن يخرج شاهرا سلاحه. أو ربما ينفذ دونالد ترامب تهديداته خلال حملته الانتخابية وينسحب عسكريا من الشرق الأوسط.
موقع “ميدل إيست آي” البريطاني