أصدر بنك الكويت المركزي بياناً صحفياً بمناسبة انتهاء زيارة بعثة من خبراء صندوق النقد الدولي للبلاد خلال الفترة 6-14 نوفمبر 2016 في إطار المشاورات الدورية لعام 2016، بموجب المادة الرابعة لاتفاقية إنشاء الصندوق، حيث تولى البنك المركزي بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي والجهات المحلية المعنية إنجاز الترتيبات الخاصة بتلك الزيارة بما في ذلك تجميع المعلومات والبيانات وترتيب الاجتماعات مع كبار المسئولين في الجهات الحكومية وغير الحكومية وفي مقدمتها معالي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية ووزير النفط بالوكالة، ووكيل الوزارة وكبار المسئولين في وزارة المالية. بالإضافة إلى ذلك اجتمعت البعثة بمحافظ بنك الكويت المركزي وكبار المسئولين في البنك المركزي حيث تمت مناقشة المواضيع ذات الصلة باهتمامات البنك المركزي في مجالي السياسة النقدية والرقابة والإشراف على وحدات القطاع المصرفي والمالي. وأدلى الدكتور محمد يوسف الهاشل محافظ بنك الكويت المركزي بتصريح حول تلك الزيارة أوجز فيه أبرز مضامين البيان الختامي الذي أعدته البعثة وأشار المحافظ إلى إبراز البيان الختامي لطبيعة التحديات الهيكلية التي يواجهها الاقتصاد الكويتي في هذه المرحلة في ظل انخفاض أسعار النفط وما ترتب على ذلك من تراجع ملموس في كل من الموازين الداخلية للمالية العامة والميزان الخارجي وسبل مواجهتها. وقد رحب البيان الختامي لبعثة الصندوق بجهود السلطات الكويتية في إطار مضامين وثيقة الإصلاح المالي والاقتصادي، وجهود بنك الكويت المركزي لتعزيز متانة القطاع المصرفي والمالي وزيادة تحصينه.
وأوضح المحافظ بأن البيان الختامي للبعثة جاء ضمن ثلاثة محاور رئيسية، تشمل التطورات المالية الكلية في دولة الكويت، وتوقعات المالية الكلية والمخاطر التي تواجه تلك التوقعات، ومناقشة السياسات. ففي مجال التطورات المالية الكلية أشار البيان الختامي إلى استمرار النشاط الاقتصادي في القطاعات غير النفطية في التوسع، وإن كان بوتيرة أبطأ، مما يعكس تأثير انخفاض أسعار النفط، ليصل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للقطاعات غير النفطية إلى نحو 3.5% في عام 2015 مقابل 5% في عام 2014. وتتوقع البعثة أن يصل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى نحو 3.5% في عام 2016، وأن يبلغ معدل التضخم السنوي نحو 3.5% ليعكس الارتفاع الأخير في أسعار البنزين.
إلى جانب ذلك أشارت البعثة في بيانها الختامي إلى استمرار قوة القطاع المصرفي والمالي ومواءمة ظروف الائتمان، حيث سجلت رسملة البنوك معدلات مرتفعة وصلت إلى نحو 17.9%، ومعدلات ربحية قوية، كما شهدت نسبة القروض غير المنتظمة انخفاضًا لتصل إلى نحو 2.4%، وارتفعت نسبة تغطية المخصصات للقروض غير المنتظمة إلى نحو 206%. كما تحسنت السيولة المصرفية مدعومةً بزيادة الودائع الحكومية. وشهدت التسهيلات الائتمانية المقدمة إلى القطاع الخاص نموًا بوتيرة ملموسة.
وأضافت البعثة في بيانها الختامي أن تراجع الإيرادات النفطية أدى إلى ظهور عجز مالي كبير في الموازنة العامة للسنة المالية 15/2016 (باستبعاد دخل الاستثمارات الحكومية، وبحساب مخصصات صندوق الأجيال القادمة) تفوق نسبته نحو 17% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين تحسن تركيب مكونات الإنفاق العام لصالح الإنفاق الرأسمالي المعزز للنمو الاقتصادي. من جهة أخرى، انخفض فائض الحساب الجاري لميزان المدفوعات بشكل كبير ليصل إلى نحو 5.25% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015، ومن المتوقع أن يشهد المزيد من الانخفاض ليصل معدله إلى نحو 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2016.
وذكر البيان الختامي للبعثة أن الاحتياجات التمويلية للموازنة العامة تم الوفاء بها من خلال السحب من صندوق الاحتياطي العام، وزيادة إصدار السندات الحكومية المحلية هذا العام بنحو 1.43 مليار دينار، كما أعلنت الحكومة عن نيتها التوجه إلى الأسواق العالمية بإصدار أدوات دين سيادية خارجية بقيمة 2.9 مليار دينار.
وفيما يتعلق بتوقعات أوضاع المالية الكلية والمخاطر، أشارت البعثة في بيانها الختامي إلى أنه من المتوقع أن يكتسب النمو الاقتصادي زخمًا على المدى المتوسط، مدفوعًا بالاستثمار في البنية التحتية. وسيدعم التحسن المستمر في تنفيذ المشاريع في إطار الخطة الإنمائية الانتعاش التدريجي للنمو الحقيقي في الناتج المحلي للقطاعات غير النفطية ليصل إلى نحو 3.5% في عام 2017 ونحو 4% بعد ذلك. وبشكلٍ عام، سيُحقق الناتج المحلي الإجمالي نموًا حقيقياً يصل إلى نحو 3% على المدى المتوسط. كما تتوقع البعثة أن يزيد معدل التضخم السنوي بشكل مؤقت ليصل إلى نحو 4.5% في عام 2017، ليعكس ارتفاع أسعار الطاقة خلال السنوات 2016 و2017، قبل أن يتراجع تدريجيًا في السنوات اللاحقة. كما تتوقع البعثة أن ارتفاع صادرات النفط سيزيد فائض الحساب الجاري إلى أكثر من نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2021.
وتتوقع البعثة في بيانها الختامي تحسّن وضع الموازنة العامة لدولة الكويت بشكل متواضع. ويفترض السيناريو الأساسي للبعثة تعافياً تدريجياً لأسعار النفط لتصل إلى نحو 60 دولارًا للبرميل في عام 2021، أخذاً بالاعتبار الأثر المالي للتدابير التي تم إقرارها مؤخرًا (زيادة أسعار البنزين، وصدور قانون بشأن تحديد تعرفة أسعار الكهرباء والماء). وبموجب ذلك السيناريو الأساسي، فإن عجز الموازنة العامة بعد حساب مخصصات صندوق احتياطي الأجيال القادمة سينخفض من نحو 17.5% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 16/2017 إلى نحو 13% من الناتج المحلي الإجمالي على المدى المتوسط. وسينجم عن ذلك احتياجات تمويلية تراكمية إجمالية بنحو 35 مليار دينار كويتي على مدى السنوات المالية الست حتى السنة المالية 20/2021.
وفي إطار السيناريو الأساسي، أشار البيان الختامي إلى أن الكويت لا تزال معرضة لعدد من المخاطر الداخلية والخارجية المحتملة. ويتمثّل الخطر الرئيسي بالمزيد من الانخفاض المستمر في أسعار النفط، الذي من شأنه أن يؤدي إلى عجز واحتياجات تمويلية أكبر. إلى جانب ذلك، وعلى الرغم من أن التصنيف الائتماني القوي للدولة عند “AA” سيُمكّنها من الاستفادة من أسواق رأس المال العالمية، إلاّ أن إقبال المستثمرين على سندات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد ينخفض في ظل الاحتياجات التمويلية الإقليمية الكبيرة.
وتواجه دولة الكويت تحدياً يتمثل في الاختيار بين إصدار المزيد من الديون المحلية التي تؤدي إلى الضغط على السيولة المحلية ومزاحمة الائتمان المقدم للقطاع الخاص، أو السحب من الاحتياطيات وتعريض المصدات المالية للتراجع. وتشمل المخاطر الأخرى تعثُّر الإصلاحات أو بطء تنفيذ الخطة الإنمائية، وما قد يترتب عليهما من عجز مالي أكبر ونمو اقتصادي أبطأ. كما أن الظروف المالية العالمية الأكثر تقلبًا يُمكن أن تزيد تكاليف الاقتراض.
من جانب آخر أشارت البعثة إلى نتائج اختبارات الضغط المصرفية التي أظهرت مرونة النظام المصرفي وقدرته على امتصاص الصدمات الأكثر شدة للملاءة والسيولة، إلاّ أن انخفاض أسعار النفط لفترة طويلة سيزيد مخاطر السيولة والائتمان، ويُفاقم تقلبات سوق الأسهم، ويؤثر سلبًا على أسعار قطاع العقار.
وفي مجال مناقشة السياسات تناول البيان الختامي للبعثة دعامات الاستقرار الاقتصادي الكلي مؤكداً على أن هناك حاجة لجهد متدرج ومستمر لإصلاح المالية العامة ولزيادة الادخار الحكومي إلى مستويات تتوافق مع اعتبارات الإنصاف بين الأجيال. ويستلزم ذلك تقليص عجز الموازنة العامة (بعد استقطاع مخصصات صندوق احتياطي الأجيال القادمة) من نحو 17.5% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 15/2016 إلى نحو 7% بحلول عام 2021، وإنهاء العجز تقريباً بحلول عام 2025.
ويضيف البيان الختامي أن هذا المسار المقترح الذي يوازن بين تحقيق وفورات مالية ضرورية والتخفيف من تأثير الإصلاحات على النمو الاقتصادي يُمكن أن يتحقق من خلال مزيج من الإصلاحات في الإنفاق العام والإيرادات العامة المدرجة ضمن المحاور الستة لوثيقة الإصلاح المالي والاقتصادي الحكومية.
وأشار البيان الختامي إلى أهمية المزيد من الإصلاحات في برامج الدعم الحكومية مشــيرًا إلى أن الحكومة اتخذت في هذا الصدد خطوات هامــة هذا العام، حيث قامت برفع أسعار البنزين ورسوم بعض الخدمات الحكومية. وتشجع البعثــة السلطات على مواصلة خططها لمزيـد من ترشيد دعم الطاقـــة. وسيُساعد التنفيذ المتدرج للإصلاحات على التقليل من آثارها التضخمية وإتاحة الوقت لقطاع الأعمال للتكيف معها. وينبغـــــي تصميم آليات للتخفيف على الفئات المجتمعية الأكثر عرضة للتأثر سلباً بالإصلاحات، ولتعزيـــز كفاءة استهلاك الطـــاقة. كما أن وضع استراتيجيـــة توعـــوية مصممة بشكلٍ جيـد سيُساعد في بناء توافق وطني بشأن هذه الإصلاحات، بحيث يتم في تلك الاستراتيجية تسليط الضوء على التكاليف الناجمة عن دعم الطاقة وتوضيح تأثير آليات تخفيف الآثار السلبية للإصلاحات المخطط لها.
ورحّبت البعثة بنية الحكومة الكويتية احتواء فاتورة المرتبات والأجور كجزء من جهود إصلاح المالية العامة على المدى المتوسط. ويهدف مقترح الحكومة بإصلاح المرتبات والأجور إلى تبسيط واتساق هيكل المرتبات والأجور الحكومية ومركزية قرارات سياسة تلك المرتبات والأجور.
وبالنظر إلى ارتفاع فاتورة المرتبات والأجور الحكومية، فإن تصميم الإصلاحات ينبغي أن يتم بطريقة تضمن عدم زيادة فاتورة الأجور الشاملة، وأن يتم تغطية تكاليف الانتقال إلى النظام الجديد بالتوفير في البدلات والمكافآت. كما وينبغي أن يسمح النظام الجديد بالسيطرة بشكل أفضل على نمو المرتبات والأجور في المستقبل. ومع مرور الوقت، فإن هذا من شأنه تقليص الفجوة في المرتبات والأجور بين القطاعين العام والخاص، وتعزيز تنافسية القطاع الخاص، وتسهيل تنويع الاقتصاد. كما تُشجع البعثة السلطات على الحد من نمو التوظيف.
وعلى صعيد سياسة سعر الصرف، أشار البيان إلى أن سياسة ربط سعر صرف الدينار الكويتي بسلة “غير معلنة” من العملات تعتبر سياسة ملائمة للاقتصاد الكويتي. ويشير تقييم البعثة للقطاع الخارجي عن وجود فجوة معتدلة في الحساب الجاري يمكن تغطية جزء كبير منها عن طريق زيادة مدخرات المالية العامة على النحو الذي توصي به البعثة على المدى المتوسط.
وفي مجال حماية الاستقرار المالي أشار البيان الختامي إلى أن بنك الكويت المركزي كان سبّاقًا في تعزيز الإشراف والرقابة التنظيمية وتخفيف المخاطر على الاستقرار المالي، حيث تعمل البنوك وفق تعليمات بازل (3) لرأس المال والسيولة، والرفع المالي. وأشار البيان إلى أن استخدام التدابير التحوطية الكلية قد ساهم في الحد من المخاطر النظامية. وقام بنك الكويت المركزي بتعزيز برامج الرقابة من أجل الكشف المـُبكّر عن المخاطر على الاستقرار المالي. وعلى وجه الخصوص، رحّبت البعثة بالمبادرات المستمرة لتعزيز تقنيات اختبارات الضغط، وتطوير مؤشرات الإنذار المبكّر، وتكثيف الجهود لرصد الاتجاهات العامة لنمو الودائع، وتحديد الضغوط الناشئة في ميزانيات الشركات والعملاء الأفراد.
وفي مجال النمو بقيادة القطاع الخاص والتنويع الاقتصادي أشارت البعثة في بيانها الختامي إلى أن خلق فرص عمل لعدد متزايد من المواطنين الشباب يتطلب معالجة عدم كفاءة سوق العمل وتشجيع نمو القطاع الخاص والتنويع الاقتصادي. وينبغي أن يكون هدف إصلاحات سوق العمل والخدمة المدنية موجهاً نحو تحسين الحوافز للمواطنين لتولي وظائف في القطاع الخاص. كما أشارت البعثة إلى أن استدامة جهود احتواء الأجور والمزايا في القطاع العام من شأنها أيضًا المساهمة في جعل القطاع الخاص أكثر جاذبية للعمالة الوطنية، وتشجيع توظيف المواطنين في القطاع الخاص. ويتطلّب تعزيز الطلب على العمالة الوطنية في القطاع الخاص تطوير نظام التعليم بما يقلل من عدم التوافق بين المهارات والاحتياجات.
وأبرزت البعثة في بيانها الختامي إلى أن تحسين بيئة الأعمال من الأمور المهمة في تعزيز التنويع الاقتصادي. كما أشارت البعثة إلى الدور المحوري الذي تلعبه المشاريع الصغيرة والمتوسطة في التنويع الاقتصادي وخلق فرص العمل. وشددت على ضرورة مواصلة الإصلاحات لتسهيل الحصول على الأراضي والتمويل، والحد من عبء الإجراءات الإدارية والتعليمات المعقدة، وتشجيع المنافسة. كما رحّبت البعثة بعزم السلطات لتحسين عمل الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتوفير الموارد المالية للشركات الصغيرة.
واختتم الدكتور محمد يوسف الهاشل تصريحه بالإشارة إلى أن البيان الختامي لبعثة صندوق النقد الدولي يشكّل أساساً لتقرير يعده لاحقاً خبراء الصندوق للعرض على المجلس التنفيذي للصندوق.