جاء إعلان المستشارة الألمانية انغيلا ميركل عن رغبتها في الترشح لولاية رابعة ليفتح لها باب المنافسة على تحطيم الرقم القياسي الذي حققه نظيرها هيلموت كول بترؤس الحكومة الألمانية لمدة 16 عاما.
وإذا تمكنت السيدة البالغة من العمر 62 عاما من كسب الانتخابات البرلمانية المقررة في سبتمبر من العام المقبل فإن هذا يعني مواصلة مسيرتها السياسية التي بدأت في عام 2000 وتسلمها زمام الامور في احدى اهم الحكومات الاوروبية في الوقت الراهن حتى عام 2021.
وولدت انغيلا دوروتيا ميركل في عام 1954 في مدينة (هامبورغ) شمالي ألمانيا لكنها ترعرعت في منطقة (تمبلين) في ألمانيا الديمقراطية (الشرقية سابقا) حيث عمل والدها كقسا لوثريا في احدى الكنائس.
وعرف تعلق التلميذة ميركل في المدرسة التي زارتها في ألمانيا الشرقية بالفيزياء واللغة الروسية وحصلت لاحقا على شهادة الدكتوراه في الفيزياء وبعد سقوط جدار برلين في عام 1989 التحقت بالحياة السياسية وذلك في اطار الحزب المسيحي الديمقراطي الذي ترأسه في حينها المستشار الألماني الاسبق هيلموت كول. وبدأت المسيرة السياسية لأنغيلا ميركل في عام 2000 عندما تسلمت في ابريل من العام ذاته رئاسة الحزب المسيحي الديمقراطي المحافظ خلفا لوزير المالية الحالي فولفغانغ شويبله لتمسك بمنصبين هما رئاسة الحزب وأمانته العامة وتكون اول سيدة تترأس الحزب الشعبي المحافظ.
وتميز عام 2001 بصراعات على السلطة على خلفية ما عرف في ألمانيا باسم (فضيحة التبرعات) التي اثبت لاحقا ان المستشار الألماني الاسبق هيلموت كول كان متورطا فيها.
ورغم عدم قبول شخصيات مؤثرة في الحزب بميركل رئيسة له إلا انها تمكنت في هذا العام من فرض سيطرتها وتحصين نفسها في المنصب المهم.
وفي عام 2002 تخلت ميركل لصالح منافسها في الحزب ادموند شتويبر عن الترشح للانتخابات البرلمانية التي اجريت في العام ذاته ليخسر شتويبر امام المرشح الاشتراكي الديمقراطي غيرهارد شرودر. وفسحت خسارة منافسها في الحزب ادموند شتويبر المجال امامها في عام 2003 لكسب المنصب الثالث في الحزب لها وهو رئاسة الكتلة النيابية للمحافظين الألمان الامر الذي وفر لها جميع الفرص للسيطرة على اهم ثلاثة مناصب في الحزب.
وتمكنت ميركل نهائيا في عام 2004 من كسب الصراع على السلطة عندما حيدت منافسا عنيدا لها وهو فريدريش ميرتس الذي كان من ابرز شخصيات المحافظين واستطاعت كرئيسة للحزب تمرير رأيها بتعيين هورست كوللر رئيسا لألمانيا.
وفي عام 2005 دقت ساعة ميركل عندما مني المستشار الاشتراكي الديمقراطي غيرهارد شرودر بهزيمة كبيرة في ولاية (شمال الراين فستفاليا) وطرح مسألة الثقة في البرلمان الامر الذي مهد لخسارته ثقة البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة.
وفي هذه المرة ترشحت ميركل لمنافسة شرودر وتمكنت بالفعل من كسب هذه الانتخابات على رأس الحزب المسيحي الديمقراطي. ونجحت ميركل في عام 2006 من تثبيت قدميها في المستشارية الألمانية لدرجة ان المجلة الامريكية (فوربس) اختارتها كأقوى سيدة في العام.
وأعلنت المستشارة الألمانية في عام 2007 سياسة (الخطوات الصغيرة) المتمثلة في معالجة المشاكل بالتدريج لاسيما الازمة المالية التي بدأت تظهر معالمها في الولايات المتحدة وكانت لاحقا الشغل الشاغل للحكومات الاوروبية وبالطبع للحكومة الألمانية.
وسجلت استطلاعات الرأي في عام 2008 ارتفاعا كبيرا في شعبية المستشارة على خلفية تعاملها بهدوء تام مع تبعات الازمة المالية ومواجهة انتقالها الى الاتحاد الاوروبي.
وترشحت ميركل في عام 2009 للانتخابات البرلمانية التي شهدت انتكاسة للاشتراكيين الديمقراطيين وفقدانهم قاعدة كبيرة من مؤيديهم الامر الذي فسح المجال امامها لتشكيل حكومة تكونت من حزبها المسيحي الديمقراطي والحزب الليبرالي الحر.
وفي عام 2010 استفحلت الازمة المالية في دول منطقة اليورو الامر الذي أثر سلبيا على شعبية حكومة ميركل وتسبب في خسارة حزبها انتخابات ولايات ألمانية مؤثرة.
وفي هذا العام اعلنت ميركل (خريف القرارات) الذي شهد اتخاذ الحكومة الألمانية قرارات مهمة منها تمديد العمل في المفاعلات النووية الألمانية وسياسة تقشفية صارمة.
وتحولت الازمة المالية تدريجيا في عام 2011 الى ازمة ديون في منطقة اليورو لتدخل دول الاتحاد الاوروبي عبر بوابة اليونان الامر الذي حفز الاتحاد الاوروبي على تقديم اول حزمة من المساعدات لحكومة اثينا من اجل تفادي فشل اليورو كعملة اوروبية موحدة. وفي هذا العام تحولت ميركل الى رمز لسياسة الادخار والتوفير من اجل سد العجز الضخم الذي تعاني منه حكومات منطقة اليورو لاسيما في جنوب اوروبا.
وظلت المستشارة الألمانية في اذهان المواطنين الألمان خلال عام 2012 شخصية ثابتة وقادرة على ادارة ازمة الديون في منطقة اليورو وذلك في وقت استمر فيه الاقتصاد الألماني تحقيق معدلات نمو معقولة وتمكنت الحكومة من سد العجز والخروج من مربع الديون في وقت بقيت فيه دول اوروبية اخرى تعاني من ازمة المديونية.
إلا أنه في عام 2013 بدأت تسريبات الموظف السابق في وكالة الامن القومي الامريكي ادوارد سنودن تظهر الى العلن الامر الذي شمل المستشارة الألمانية وسمعتها لاسيما بعد الكشف عن ان المخابرات الامريكية تنصتت على هاتفها المحمول.
وفي هذا العام ايضا اجريت انتخابات برلمانية سجلت هزيمة واضحة لشريكها في الحكومة الحزب الليبرالي الحر الامر الذي تبعه تأسيس ائتلاف موسع بين حزبها ونظيره الاشتراكي الديمقراطي.
وفي العام التالي 2014 حدثت ازمة شبه جزيرة القرم والخلافات الكبيرة مع روسيا التي ضمت شبه الجزيرة الاوكرانية وخاطرت بعلاقات سيئة مع الاتحاد الاوروبي والغرب.
وكالعادة تأنت المستشارة الألمانية قبل اتخاذ موقف صارم من روسيا عندما علقت في هذا العام على السياسة الروسية في شرق اوكرانيا بالقول ان “القوانين الدولية تداس من قبل روسيا بالاقدام.” ودخلت ميركل في عام 2015 في اعمق ازمة منذ تسلمها منصبها في عام 2005 وهي ازمة اللجوء التي ارتبطت بأذهان المواطنين الألمان بجملة واحدة ما زالت المستشارة الالمانية تعاني من تبعاتها وهي “نعم نحن قادرون على ادارة هذه الازمة”.
وسجل هذا العام انخفاضا كبيرا في شعبيتها لدرجة المطالبة باستقالتها وبروز احزاب يمينية شعبوية بينها حزب (البديل) وحركة (اوروبيون قوميون ضد اسلمة الغرب) المعادية للإسلام والمهاجرين المعروفة اختصارا باسم (بيغيدا).
ومنذ بداية العام الحالي تمكنت ميركل من المحافظة على جميع مناصبها رغم نتائج استطلاعات الرأي التي تؤكد انخفاض شعبيتها والخسائر التي مني بها حزبها من انتخابات 8 ولايات ألمانية.
وفي العشرين من شهر نوفمبر الجاري اعلنت ميركل مجددا انها ستنافس للمرة الرابعة على منصبها الامر الذي يعني قدرتها المحتملة على تحطيم الرقم القياسي الذي حققه المستشار هيلموت كول وهو حكم ألمانيا لمدة 16 عاما متتالية.