مع انعقاد القمة السابعة والثلاثين لدول مجلس التعاون الخليجي التي تحتضنها مملكة البحرين، على مدار يومي السادس والسابع من ديسمبر الحالي، تتصاعد الأحاديث عن توجه قادة دول المجلس إلى إعلان اتحاد خليجي على غرار الاتحاد الأوروبي، في حين يؤكد خبراء اقتصاديون تحرك دول المجلس نحو تعزيز وحدتها الاقتصادية لتشمل العملة النقدية الموحدة والاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة، لتصبح سادس أكبر اقتصاد على مستوى العالم.
ويعزز احتمال التحول الخليجي من التعاون إلى الاتحاد، احتمالات اتخاذ خطوات أكثر جرأة لمواجهة قضايا الإقليم المشتعلة، والبحث عن خيارات أكثر فاعلية في التعامل مع الإدارة الدولية المنقسمة حيال ملفات الشرق الأوسط.
ووسط حالة عدم اليقين التي تسيطر على دول المنطقة في كثير من الملفات السياسية والاقتصادية المهمة، فإن من المتوقع أن يناقش قادة دول الخليج تشكيل هذا الاتحاد المُلحّ خلال قمة المنامة التي تعقد اليوم، وهذه القمة سبقتها عشرات المناورات العسكرية الخليجية المشتركة، وتفاهمات عميقة حول كيفية محاربة الإرهاب، وسط ارتفاع المخاطر الأمنية، والحاجة إلى تكاتف عسكري أكبر.
وكانت وكالة الأنباء البحرينية (بنا)، نقلت السبت الماضي، عن خبراء اقتصاديين قولهم: إن “دول الخليج مرشحة لتحقيق التكامل الاقتصادي على غرار الاتحاد الأوروبي؛ بل تمتلك مقومات أكثر بكثير من الأوروبيين؛ ما يجعلها قوة اقتصادية لها ثقلها الضخم على مستوى المنطقة والعالم، مدعومة بالإرادة السياسية والرغبة الشعبية في الاتحاد”.
ويرى خبراء نفط أن دول الخليج تخطط حالياً للابتعاد عن الوقود الأحفوري، والبحث عن مصادر دخل جديدة لتنتقل خارج القطاع الهيدروكربوني؛ لكي تكون أكثر استقلالية عن تذبذب أسعار النفط.
الخبير الاقتصادي أحمد اليوشع قال: إن “الاقتصاد الخليجي الآن بدأ مشروع إعادة الهيكلة في ظل الظروف الاقتصادية والنفطية والأمنية الصعبة، حيث بات من الضرورة بمكان العودة إلى توسعة القاعدة الإنتاجية، والتوجه للصناعة في المرحلة المقبلة وتطوير الصناعات النفطية والبتروكيماوية والألمنيوم، والابتعاد قدر الإمكان عن النفط والصناعة الهيدروكربونية”.
ودعا رئيس جمعية الاقتصاديين البحرينية إلى ضرورة إعادة النظر في الإنفاق الخليجي على الطاقة، خاصة أنه سجل العام الماضي 175.3 مليار دولار؛ أي ما يعادل إجمالي الناتج المحلي لـ5 دول أوروبية.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن “معدل نمو استهلاك الكهرباء في دول مجلس التعاون يبلغ 4 مرات الطلب العالمي، حيث يبلغ المتوسط الخليجي 11.2% مقابل 3.4% المتوسط العالمي”.
واستند اليوشع إلى دراسة أجرتها “إرنست آند يونغ” لتقييم أداء اقتصادات دول الخليج، وتوقعت أن يصبح الاتحاد الخليجي الاقتصادي -إذا تم بالفعل- تاسع أكبر اقتصاد في العالم، وإذا استمرت دول الخليج في وحدتها الاقتصادية ونمت سنوياً بنسبة 3.4% لسنة 2030، فإنها ستتحول إلى سادس أكبر اقتصاد في العالم.
وأكد اليوشع أن الخليج الآن يختلف جذرياً عمّا كان عليه بفضل إنجازات لا حصر لها في مختلف القطاعات، وخاصة تطوير البنى التحتية والسياسة النقدية والتنمية المستدامة.
ولفت إلى أنه لقياس مدى تطور أي دولة على صعيد التنمية المستدامة، لا بد من الرجوع إلى مؤشر متوسط العمر ومؤشر نسبة وفيات الأطفال عند الولادة.
ولفت إلى تمكن دول الخليج من تسجيل تراجع كبير في متوسط وفيات الأطفال منذ عام 1972 ولغاية 2015؛ بحيث إن الفرق بينها وبين منظمة التعاون الاقتصادي تراجع من 19.1 حالة وفاة لكل 1000 طفل في 1972، إلى 1.2 حالة وفاة فقط لكل 1000 طفل في 2015.
الخبير الاقتصادي البحريني، يوسف مشعل، قال، بحسب وكالة “بنا”، إن الاقتصاد الخليجي لو طبق الاتفاقية الاقتصادية في الثمانينات من القرن الماضي، وعمل ببنودها لأصبح الآن سادس أكبر اقتصاد في العالم، لا سيما أن الاقتصاد الخليجي يبلغ حجمه 2.2 تريليون دولار، ويأتي بعد الولايات المتحدة والصين واليابان والاتحاد الأوروبي والبرازيل.
ولفت مشعل إلى أن الاقتصاد الخليجي قوي جداً وتنقصه الوحدة المتكاملة بكل عناصرها بين دوله الست، معرباً عن أمله أن تكون قمة المنامة الخليجية في ديسمبر/كانون الأول المقبل باكورة انطلاقة التكامل الاقتصادي، والنظر للاقتصاد بزاوية مختلفة بعيدة عن مداخيل النفط.
وأضاف: “لم يعد البترول مدخولاً يمكن الاعتماد عليه في تحديد المسار الاقتصادي بسبب تذبذب أسعاره الشديد، ولا بد من تقوية القطاع الخاص لينتقل من مرحلة الاستهلاك التجاري البحت إلى الإنتاجية الابتكارية المبدعة”.
وزاد قائلاً: “لدينا القدرة والمقدرات لتحويل الاقتصاد الكلي لدول مجلس التعاون من استهلاكي إلى إنتاجي مبدع، تنقله إلى قوة كبيرة تضارع الدول الكبرى وتتكلم بصوت واحد وهدف واحد، بما فيه مصلحة اقتصاديات وشعوب المنطقة”.
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي أكبر جعفري أن “اقتصاديات دول مجلس التعاون أحوج الآن إلى الاتحاد الخليجي أكثر من أي وقت مضى؛ بسبب المتغيرات الجيوسياسية والتحديات الكبيرة من الخارج واستمرار تدني أسعار النفط”.
وأضاف جعفري: “بإمكاننا حماية مكتسباتنا الاقتصادية من خلال تعظيم الجهود المشتركة في التكامل، ونأمل اتخاذ قرارات فعلية للتنفيذ، حيث انتهينا من مراحل الدراسة والتخطيط”.
وذكر أنه على قمة متطلبات التكامل الاقتصادي الآن العملة الخليجية الموحدة، وتبعات ذلك هي توحيد الجمارك وتفعيل السوق المشتركة كوحدة واحدة.
وشدد على وجود الأرضية الخصبة والمقومات للانتقال إلى التكامل الاقتصادي الخليجي، مشيراً إلى الحاجة لتفعيل وأخذ القرار بالتنفيذ فقط. وذكر أن توحيد العملة بحد ذاته يؤدي إلى توحيد الأمور الأخرى وستكون رأس الحربة، وكل العوائق ستزاح في أول وهلة من تنفيذ العملة الخليجية الموحدة.
وبين أن التحول إلى كيان موحد واقتصاد واحد سيجعل الخليج سادس أكبر اقتصاد في العالم، وهي مرتبة متقدمة جداً وقوة كبيرة من الممكن استغلالها لمصلحة الدول الخليجية وللمنطقة ككل، مدعومة باللغة والدين والعادات والتقاليد والقرب الجغرافي، خاصة أنها مقومات تفوق ما يتوافر لدى الاتحاد الأوروبي.
الخليج أون لاين