الحقيقة- الوقيان للمحاكم
أكد رئيس المجلس الأعلى للقضاء المستشار فيصل المرشد “أن الجنسية الكويتية لا يجوز سحبها أو إسقاطها عمن يحملها إلا في حدود القانون، منوهاً أن القاضي وهو يعمل يلتزم بنصوص قانونية يجب تطبيقها ومسألة الجنسية قد نص عليها في المادة 27 من الدستور – بالباب الثالث – الخاص بالحقوق والواجبات العامة والتي نصت على أن “الجنسية الكويتية يحددها القانون ، ولايجوز إسقاط الجنسية أو سحبها إلا في حدود القانون” ، كما نص في المادة 164 منه على “يُرتب القانون المحاكم على إختلاف أنواعها ودرجاتها ، ويُبين وظائفها واختصاصاتها“.
وقال المستشار المرشد ان مهام القضاة الجليلة ورسالتهم السامية تقوم وتنحصر في إحقاق الحق وإزهاق الباطل ووأد الظلم ، وصون وحماية الحقوق وغوث ونجدة المظلومين من الظالمين وردع المجرمين في ربوع البلاد بميزان الحق والعدل .
وأضاف المستشار فيصل المرشد خلال لقاءه أجراه رئيس تحريرها الزميل المحامي نجيب الوقيان “ان القضاء وسيلة رادعة وفعالة لحفظ النظام الإجتماعي فهو لايحل التنازع بين المتخاصمين فقط ، بل يؤثر بقراراته على النظام التجاري والإقتصادي للدولة وعلى الحياة العائلية ، ولذلك فقط أحاط الدستور والقانون السلطة القضائية وأحكامها بسياج من الإستقلال وعدم التبعية لأي سلطة وحمايتها من أي تأثير وجرم الإعتداء عليها وحظر التدخل في عملها وكافة شئونها ، وهذه الضمانات التي أحيط بها القضاء لم تكن للترفيه عن القاضي ، وإنما لكي يصفو ذهنه ويسمو بوجدانه لتعزيز إخلاصه لمهنته السامية ، وقد أكد الدستور الكويتي ذلك حين نص في المادة 163 منه على أنه “لاسلطان لأي جهة على القاضي في قضائه ، ولايجوز بحال التدخل في سير العدالة ، ويكفل القانون إستقلال القضاء …”.
واوضح المستشار المرشد انه ومن القواعد الوجوبية التي ترسخ هذا المعنى عدم جواز الإعتراض أوالتعليق على الأحكام من أي فرد سواء كان ذلك بالقدح أو المدح ، وذلك لما لها من إدلال وتقدير يتناسب مع جلال مهنة القضاء وسمو القضاة .
وقال المستشار فيصل المرشد أن الحكمة من ذلك أن التعليق عليها من شأنه أن يؤدي إلى إدخال الشك والريبة فيها وعدم إحترامها والتشكيك في صحتها والنيل من قدسيتها ، ويعد ضربا من ضروب التأثير على القضاة والتدخل في عملهم ، الأمر المعاقب عليه قانونا ، وتصبح الأحكام ليست عنوانا للحقيقة وفي النهاية تهدر قيمة الحق والعدل الذي تقوم عليه المنظومة القضائية .
وأضاف المستشار فيصل المرشد قائلا : ولا يعني القول بعدم جواز التعليق على الأحكام أنها قاعدة مطلقة ، بل يوجد عليها إستثناءات فيمكن أن يتم تناولها في أماكن العلم والدراسة والبحثية من المتخصصين والدارسين والباحثين أو من خلال المؤلفات والمجلات العلمية تناولا من الناحية العلمية وفقا لضوابط معينة ودون مساس بالقضاة الذين أصدروها بما يدخل الريبة في أحكامهم أو الشبهة في إنحرافهم عن جادة الحق.
وعن دور وسائل الإعلام وتناولها الأحكام القضائية قال المستشار فيصل المرشد: “نرى أن يقتصر دورها فقط على إستعراض حيثيات الحكم وأسبابه والأثار التي تترتب عليه وأساليب الطعن عليه ، ولايمكن القول بأن هذا الحظر فيه تعرض لحرية الرأي والتعبير وأن هناك ضمانات شرعية تحمي ذلك ، وهذا لأن حرية الرأي ليست مطلقة وإنما لها حدود وضوابط ، وقد نص الدستور في المادة 36 منه على أن حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة ، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما ، وذلك وفقا للشروط التي يبينها القانون” ، ويعاقب القانون كل شخص أخل بوسيلة من وسائل العلانية بالإحترام الواجب للقاضي على نحو يشكك في نزاهته أو إهتمامه بعمله أو في إلتزامه لأحكام القانون .
وبين المستشار فيصل المرشد أنه لاجريمة إذا لم يجاوز فعل المتهم حدود النقد النزيه الصادر عن نية حسنة بحكم قضائي ، سواء تعلق النقد بإستخلاص الوقائع أو تعلق بكيفية تطبيق القانون عليها” ، وتقوم النيابة العامة بتحريك الدعوى الجنائية ضد من يخالف ذلك.
وقال المستشار فيصل المرشد “إن معالجة ماقد يقع في الحكم من أخطاء وهو أمر وارد الحدوث لأن من يصدره قاضٍ بشر يجتهد في البحث توصلاً للحقيقة من واقع أوراق الدعوى ، ويُنزل عليها حكم القانون إستنادا على مايتوافر أمامه من أدلة وأسانيد في القضية ، ويكون ذلك بحيادية واستقلالية دون تغليب أيٍ من الأطراف على الآخر ، وقد يُخطي ولذلك كان التقاضي على درجات ففي البداية يصدر الحكم من قاضٍ فردٍ ، وعند الطعن عليه بالإستئناف ينظر الدعوى قضاة ثلاثة ، وإذا كان جائز الطعن عليه بالتمييز فالحكم يصدر في هذه الحالة من خمسة قضاة وهي ضمانات أوجدها القانون حماية لحقوق المتقاضين وضمانا لهم في الحصول على حقوقهم .
واوضح المستشار فيصل المرشد ان القضاء له من خطورةِ الشأنِ وعلو المكانة ماتنوء به الجبال لثقل المهمة وجسامتها وأن القاضي لا يأتمر إلا بأمر القانون وبأمر ضميره الحي اليقظ ووجدانه الحُر النزيه ، ويجب أن تجري كافة محاولات إقناعه والتأثير عليه في قاعات المحاكم وأن يكون ذلك قاصراً على الخصوم أو وكلائهم ولا ينبغي إتخاذ التعليق على الأحكام ونشرها مطيةً للنيلِ من القضاة بسبب الأحكام التي يصدرونها .
وفي رده على سؤال يتعلق بالمسألة التي اثارت الجدل في الأونة الأخيرة وهي مسألة الجنسية فأجاب قائلا “في البداية أحب أن أنوه إلى أن القاضي وهو يعمل يلتزم بنصوص قانونية يجب تطبيقها ومسألة الجنسية قد نص عليها في المادة 27 من الدستور – بالباب الثالث – الخاص بالحقوق والواجبات العامة والتي نصت على أن “الجنسية الكويتية يحددها القانون ، ولايجوز إسقاط الجنسية أو سحبها إلا في حدود القانون” ، كما نص في المادة 164 منه على “يُرتب القانون المحاكم على إختلاف أنواعها ودرجاتها ، ويُبين وظائفها وإختصاصهاتها”.
وأضاف المستشار المرشد : وإعمالاً لذلك فقد نصت المادة الثانية من المرسوم بالقانون رقم 34 لسنة 1990 بشأن قانون تنظيم القضاء على أنه “ليس للمحاكم أن تنظر في أعمال السيادة” وتطبيقا لذلك فقد استقر قضاء محكمة التمييز على أن المسائل المتعلقة بالجنسية ، والتي تُعد من أعمال السيادة – وذلك لاتصالها بالسياسة العليا للدولة – وأن ما تتخذه الحكومة من إجراءات بشأنها يكون للمحافظة على سيادة الدولة وكيانها وسلطة الحكومة في هذه المسائل تكون سلطة حكم لا سلطة إدارة وا. دافع ها في هذا الشأن هو تحقيق مصلحة المواطن وأمنه وسلامته.
وأكمل المستشار فيصل المرشد : أما المسائل التي تعرض على المحاكم والتي لاتتعلق بمنح الجنسية الكويتية فإن المحاكم تتصدى لها وتقوم بإصدار أحكام بشأنه .
وتطرق المستشار فيصل المرشد في حديثه إلى ضرورة تحديث التشريعات ، حيث قال: إنطلاقا من أن المجلس الأعلى للقضاء هو القائم على شؤون القضاء فإنه يعلم جيدا أهمية العمل على تجديد التشريعات كي تواكب متغيرات العصر عملا بنص المادة 71 من المرسوم بالقانون رقم 23 لسنة 1990 بشأن قانون تنظيم القضاء المُعدل ، وفي سبيل ذلك يقوم بإعداد تقرير في بداية شهر أكتوبر من كل عام أو كلما رأى ضرورة لذلك ، يتضمن ما أظهرته الأحكام القضائية وقرارات الحفظ الصادرة من النيابة العامة من نقص في التشريع القائم أو غموض فيه وما يراه لازما للنهوض بسير العدالة ، ويتولى وزير العدل رفع هذا التقرير إلى مجلس الوزراء” ، فضلا عن مشاركته بالرأي في كافة التشريعات التي تقدم كمشاريع لمجلس الأمة ، كما يحضر ممثل عنه باللجنة التشريعية بمجلس الأمة عند مناقشتها لهذه المشاريع ، فضلا عن وجود اللجنة الدائمة للتشريعات بوزارة العدل والتي يشارك فيها أعضاء من السلطة القضائية للنظر في شأن التشريعات القانونية الجديدة وإبداء الرأي القانوني فيها .
وختم رئيس المجلس الأعلى للقضاء لقاءه قائلا : أخيرا أسأل الله العلي القدير لقضائنا دوام الرفعة وسمو المكانة ، وأن يديم عليه استقلاله ونزاهته كي يبقى حصنا منيعا يلوذ به كل من ناله ضيم أو حاق به ظلم ، وأن يظل وطننا الغالي دار أمن وأمان في ظل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى وولي عهده الأمين حفظهما الله ورعاهما .