تبدو سوريا اليوم مسرحا لحديثين مختلفين، الأيدولوجيا والمصالح، مفرداتهما مختلفة، وجملهما متباينة، وصوتهما غير، لكن للمفارقة النتيجة واحدة.
مفردات روسية وأخرى فارسية تكرس حسابات جيوسياسية في سوريا، لكن تفاصيل هذه الحسابات وأرقامها تختلف.
فالروس الذين تدفعهم المصالح الاستراتيجية، اقتصادية وعسكرية، يريدون حضورا قويا كدولة عظمى تفرض على العالم رأيها ولا منازع.
دولة عظمى بذراع عسكري مجرب، كما أفصح القادة الروس الذين رأوا في سوريا ميدان مناورات ممتازا لقدراتهم التي لم تجرب بعد.
موسكو تريد أيضا أن تأد كل المحاولات التي قد تؤثر على أهم سلعة لها، وهي الغاز.
فالموقع الجغرافي لسوريا كنقطة للتوزيع، والاكتشافات في عرض المتوسط قد تهددان الإمدادات الروسية لأوروبا، السلاح الأقوى للرئيس فلاديمير بوتن، الذي يهدد كل يوم بإقفال صنبور الغاز ليقتل البرد القارة العجوز.
إذن فالحمم التي أنزلتها روسيا على حلب، وربما لاحقا على أماكن أخرى، جزء من استراتيجية تصب في تلك الخانات، يزيد عليها أن موسكو لا تريد لـ”أبنائها العاقين” من المتطرفين العودة، وذلك بدفنهم حيث هم.
إيران في المقابل تسند ظهرها إلى حائط أيديولوجي، توسعي إطاره مشروع “الولي الفقيه” وحلم الخميني بتصدير الثورة، العنوان الجذاب للهيمنة الفارسية على المنطقة.
بوابتا المشروع بغداد ودمشق، ومع شبه اكتمال السيطرة في بغداد يبدو المشروع السوري لطهران فرصة لا تعوض، حرسها الثوري وقياداته تدفع بالآلاف والآلاف كي يكملوا هذا المشروع، ويحرك فيالقه اللبنانية لذات الغرض، ويجبر آلاف اللاجئين الأفغان والباكستانيين من أبناء مذهبه على خوض حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
لكن الأيدولوجيا تبقى محركا أكثر منها أداة، في بلد غالبيته تخالف إيران المذهب، ولذلك فإن الخطط الإيرانية لا تقف عند تدمير حلب أو القضاء على أعداء الرئيس بشار الأسد، وإنما نقل سوريا إلى شكل ديمغرافي جديد بتوزيع للثروة يكون لمواليها فيها اليد العليا.
طريقان متوازيان لكنهما، وخلافا لكل قوانين الطبيعة التقيا في سوريا، والجهة الوحيدة التي كان بإمكانها منع مثل هذا اللقاء غارقة في سبات كوابيسه كثرت، ليس الرئيس دونالد ترامب آخرها.