شهدت أروقة المحاكم، أخيراً، عدداً غير قليل من القضايا المرفوعة من المواطنين والمقيمين ضد الطواقم الطبية والهيئات التمريضية التابعة لوزارة الصحة، والخاصة بحدوث أخطاء طبية فادحة بحقهم أو ذويهم، ومن ثم وقوع أعراض صحية جانبية قد تكون خطيرة، ومنها ما أفضى إلى الموت، في حين صدرت أحكام بأكثر من قضية تُدين أطباء وتقضي بسجنهم، وأمام مثل هذه الحوادث فإن وزارة الصحة تبدو عاجزة عن حماية حقوق المرضى، ممن يتعرضون إلى الأخطاء الطبية في أكثر من مرفق، إلا أن الأدهى هو عدم تطبيق الوزارة قانون التأمين الصحي ضد الأخطاء الطبية الذي وافق مجلس الوزراء عليه عام 1989، قبل أن تقوم الوزارة باتخاذ عدد من الإجراءات الهادفة لتطبيقه على أرض الواقع، إلا أنه بعد مرور 25 عاماً على موافقة المجلس، يبدو أن تطبيقه ما زال صعباً.
زيارات وعدم تنفيذ
ففي جلسة مجلس الوزراء رقم 89/50 المنعقدة بتاريخ 1989/12/5، اطلع المجلس على توصيات اللجنة الوزارية التحضيرية، وأصدر قراراً مهماً بالموافقة على جعل التأمين ضد أخطاء المهنة الطبية إجبارياً على جميع الأطباء وأطباء الأسنان العاملين في الكويت، فضلاًَ عن تفويض وزارة الصحة باتخاذ الإجراءات التنفيذية، وفق السلطات المخوّلة للوزارة بموجب قانون مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان والمهن المعاونة لهما، على أن تتولى شركات التأمين الكويتية القيام بهذه المسؤولية، حيث تمت مخاطبة وزير الصحة بالإنابة آنذاك د. عبدالرحمن العوضي الذي أحال كتاب موافقة مجلس الوزراء إلى وكيل الوزارة المرحوم د. نائل أحمد النقيب.
وعلى الرغم من أهمية هذا القانون في ضمان حق المرضى من الأخطاء الطبية التي قد تحدث في أي وقت، فإن وزارة الصحة كانت خطواتها تجاه تنفيذ القانون بطيئة جداً وتتصف بالرتابة، حيث أرسلت في أوقات سابقة ثلاث لجان فنية متخصصة وبرئاسة وكلاء مساعدين، إلى الإمارات والسعودية وسلطنة عمان، للاطلاع على تجربة القانون المعمول به هناك، ورصد أبرز الإيجابيات والسلبيات والملاحظات، تمهيداً لتطبيقه في الكويت، إلا أن هذه الجهود لم تتكلل بالنجاح لأسباب مجهولة، رغم حاجة جميع متلقي الخدمات الصحية إلى هذا القانون المهم والحيوي، لضمان حقوقهم الأدبية والمادية والمعنوية، بدلاً من اللجوء إلى المحاكم ورفع الدعاوى القضائية ضد الوزارة أو الطواقم الطبية والهيئات التمريضية، التي قد تستمر لأوقات طويلة جداً قبل صدور الأحكام، حيث كانت بعض الأخطاء فادحة وتسببت بوقوع وفيات، في حين أصدرت أكثر من محكمة قرارات خاصة بسجن أطباء ومعاونين لهم بسبب هذه الأخطاء.
إن عدم تنفيذ هذا القانون لا يقع تحت طائلة مسؤولية وزارة الصحة فقط، بل إن الجمعية الطبية الكويتية تتحمل جزءاً من عدم تطبيقه، لضعف المطالب وعدم متابعتها على مدى الأعوام الماضية مع وزراء الصحة أو كليهما، والسعي إلى تنفيذه في أقرب وقت، ورغم أن الجمعية هي الممثل الشرعي والوحيد للأطباء، فإن هذا لا يعفيها من عدم تحمل المسؤولية عند وقوع أي أخطاء صادرة من الأطباء والهيئات التمريضية، بحق متلقي الخدمات الصحية في أي مستشفى عام أو خاص أو بمراكز الرعاية الصحية الأولية، كما أن شركات التأمين الوطنية تقع عليها مسؤولية أخرى، بضرورة إحياء مثل هذه المشاريع المهمة