كلما اندلعت أزمة معينة سواء سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو رياضية، انبرى بعض الكتّاب والمهتمين بالشأن العام بحماس منقطع النظير للدفاع عن الحكومة وإخلاء مسؤوليتها عن الأزمات والمشاكل العامة، ثم ألقوا كل اللوم على المواطن بأنه السبب وراء ذلك، وبالتالي فإنه يتحمل المسؤولية عن تردي الشأن العام. المواطنون بحسب رأي هؤلاء يتحملون مسؤولية غلاء الأسعار، والأزمة الاقتصادية والسياسية، ومشكلتي البورصة والرياضة، وتردي مستوى الخدمات العامة، وتلوث الهواء والبيئة البحرية، وفساد الأغذية، وزحمة المرور، ومشكلة القبول الجامعي… إلخ.
يتناسى أصحاب هذا التوجه أن المسؤولية بقدر السلطة، فالحكومة هي المهيمنة دستوريا على مصالح الدولة، وهي التي ترسم السياسة العامة وتنفذها، أما مسؤولية المواطن فتعتمد على درجة مشاركته في صنع السياسات واتخاذ القرارات العامة. لنأخذ، على سبيل المثال لا الحصر، موضوع سوء أداء الإدارة العامة، وتردي مستوى الخدمات، والفساد المستشري في الأجهزة الحكومية، فهل يتحمل المواطنون المسؤولية عن ذلك بالرغم من أنه لا علاقة لهم بعملية التشكيل الحكومي، بجانب أن التعيينات في الوظائف القيادية لا علاقة لها بنظام الجدارة والكفاءة، بل توزع المناصب العامة في الدولة بنظام المحاصصة الطائفية والفئوية، أو بحسب درجة النفاق والتملق والتزلف لأصحاب السلطة والنفوذ؟!
في الأنظمة البرلمانية، على سبيل المثال، تزداد مسؤولية المواطن عن الشأن العام لأن الحكومة تُشكّل من البرلمان الذي انتخبه بكامل إرادته من خلال نظام انتخابي عادل، حيث يستطيع المواطن محاسبة الحكومة وطرح الثقة بها من خلال ممثليه في البرلمان، ثم العودة مرة أخرى للاحتكام للإرادة الشعبية عن طريق الانتخابات العامة، أما في حالة تشكيل الحكومة بعيداً عن آراء المواطنين ورغباتهم ومشاركتهم في اتخاذ القرار فإن المواطنين في هذه الحالة لا يتحملون المسؤولية عن سوء إدارة الدولة أو تصرفات الحكومة ونتائج أعمالها.
هناك نظريات اجتماعية بائسة ومتهافتة تحاول تبرير عملية استغلال الإنسان، وتكريس بؤسه، وتعاسته، وإفقاره، وحرمانه، فتحمله وحده المسؤولية، حيث تعزو ذلك إما لأسباب شخصية أو عرقية أو إثنية أو مناطقية أو عنصرية؛ مثل لون البشرة بالنسبة إلى السود وغير البيض في أميركا، أو النظرة المتخلفة للمرأة، وبهذا فهي تُحيّد بشكل ميكانيكي منحاز طبيعة النظام الاقتصادي-السياسي، وتتجاهل عن عمد تأثير الأوضاع والظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تُحيط بالإنسان، فتعزز طغيان النزعة الفردية وكأن الفرد وحده هو الصانع للظروف العامة في المجتمع والمتحكم فيها وليس العكس.