خارج التغطية
مأزق الأمة (1)
ناصر المطيري
الإنسان مخلوق من روح وجسد يمشي على الأرض وتظلله السماء فهو بين عالمين سفلي وعلوي والروح متطلباتها علوية سماوية بينما الجسد متطلباته وشهواته ارضية سفلية وهنا تكمن اشكالية النفس البشرية التي تعيش في هذا العالم الذي طغت فيه الماديات على الروحانيات، وان العالم وهو يعيش مفهوم التسلع والاستهلاك كأساس للسعادة، لابد وأن ينتهي به المطاف بتدمير نفسه. لأنه يوماً بعد يوم يسير نحو مزيد من الغنى والثروة والقوة والمكنة، ولكن دون ان يوازي ذلك بتطور اخلاقي يوازن الطغيان الذي تنميه القوة لا محالة «كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى» فعيون الدول الأكثر قدرة، تمتد لثروات الأمم الأخرى، يدفعها الطمع وتغريها القوة والطغيان، والتسابق نحو أسباب القوة والمكنة سيكون عالمياً، ولن تتحمل الإنسانية تبدلاً في توزيع الثروات يتسبب فيه تغير مناخي مثلاً، أو أن تختلف الأرض في توزيع مافي باطنها من ثروات.
إن الأمة الاسلامية -والعرب رأسها- هي الأمة الوحيدة الباقية التي تقدر على العودة بالانسانية نحو السماء، لتعلو عندها من قيم الروح المعنوية، ولتصل حبلها مع السماء كما فعل ذلك دائماً الأنبياء والرسل، كلما ابتعدت الانسانية عن الله نحو الشهوات. وعلى امتنا ان تعي اهمية هذا الدور وأن تستعد له، وتنهض به، وهو دور لا بد منه، ولو تركناه استبدل الله بنا غيرنا «وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ».
المؤسف ان امتنا اليوم امة جامدة محنطة تجتر القديم وتعيش فيه، أمة تدعو للرجوع للوراء، غابت عن الفعل واكتفت بالانفعال. امة مزقتها المذاهب، يكفر بعضها بعضاً، لها فهم جامد للقرآن، متخلفة في مختلف النظم العلمية والثقافية والفلسفية واللغوية والاقتصادية والتعليمية والبحث العلمي، وسائر العلوم والصناعات، مطمئنة للاستبداد وتوارث الحقوق والأهلية. لا تصلح بهذا الحال شريكا في صناعة التقدم فضلاً عن ان تكون رائدة له.
لقد ايقن الكثير من المثقفين والمفكرين العرب والمسلمين، بأن لا سبيل لنهضة العرب والمسلمين الاّ بالاسلام فهو دين اعمق نفاذاً، وأوسع شمولاً، لعقل ونفس وعواطف الأمة وسلوكها، من ان ينتزع او يغير ويستبدل به غيره. ولكن الاسلام كما وصل حاله اليوم، هو غير قادر على خلق الحضارة من جديد، نظراً للجمود والاختلاف الشديدين، والتخلف الواسع الذي هو عليه، وعليه فلا مناص من القيام بعملية تجديد واسعة، وعميقة، وطويلة لهذه الأمة، فكراً وحضارة وسلوكاً وأخلاقاً، وهذا هو اعظم واجب اليوم. والذي بدونه سنكون قد ضيعنا انفسنا ورسالتنا التي كلفنا الله بها، في الجزء الثاني من المقال سنحاول طرح الحلول واقتراح المعالجات لمأزق الأمة وماتعانيه من امراض اجتماعية وسياسية وتربوية.