كتب المقال: د. بدر الديحاني (da******@gm***.com)
منذ تشكُل الملامح الأولية للدولة الحديثة في بداية العهد الدستوري، ومنظومة الفساد السياسي، والقوى المعادية للدستور والتطور المدني الديمقراطي، تعمل ولا تزال لإبقاء الوضع السياسي العام مُشوّهاً لأن ذلك يخدم مصالحها الضيقة واستمرار سيطرتها واستئثارها بالثروة الوطنية. عدم إشهار العمل السياسي وتنظيمه على أسس مدنيّة ديمقراطية، وبرامج وطنية عامة هدفها المصلحة العامة، شوّه العمل السياسي والعام، وأوجد فراغا ملأته مجاميع فئوية وطائفية وانتهازية (بعضها مجرد اسم إعلامي) تدّعي أنها تُمارس السياسة من أجل المصلحة العامة، وأنها تعمل ضمن الأطر الدستورية، في حين هي تعمل في حقيقة الأمر لمصالحها الضيقة، وتقف في الصف المعادي للدستور والتقدم والتطور الديمقراطي.
ونتيجة لهذا فقد أصبح لدينا أشكال سياسية صوريّة (ورقيّة) من دون مضمون اجتماعي-اقتصادي حقيقي؛ مما زاد في تشويه الوضع العام، وساهم في حالة التراجع الديمقراطي لتكتمل الصورة المُشوّهة، فمثلما لدينا شبه ديمقراطية وضع أسسها الدستور الذي لم يبق دون تطوير فحسب، بل تم الالتفاف عليه وتفريغه من محتواه، فإن لدينا أيضا شبه مؤسسات دستورية، وشبه قوى سياسية، وشبه معارضة! وهو الأمر الذي أوجد تناقضا ملحوظا بين متطلبات التطور الديمقراطي، والمطالب الشعبية المستحقة بالمشاركة الفعلية في صنع السياسات واتخاذ القرارات وغيرها من ظروف موضوعية من ناحية، وبين واقع “القوى السياسية” وقوى التغيير الديمقراطي أو ما يسمى “المعارضة” ومدى قدرتها على ترجمة المطالب الشعبية ومتطلبات التطور إلى واقع ملموس من خلال الطرق والوسائل السلمية الديمقراطية من ناحية أخرى، حيث إن الوضع الحالي المشوّه لا يمكن أن يُفرز معارضة سياسية حقيقية تُقدم بديلا عمليا وواقعيا وتستطيع تنفيذه من خلال تداول السلطة التنفيذية، وهو ما سبق أن تطرقنا إليه في هذه الزاوية بتاريخ 8 يناير 2012.
أمام هذا الوضع العام المُشوّه فإن إشهار العمل السياسي وتنظيمه على قواعد وأسس مدنية ديمقراطية من المفترض أن يحتل أولوية في برامج قوى التغيير والتقدم، وتحركها الميداني بجانب المطالب الأخرى الملحة حاليا كحماية الحريات، وعدم تحميل المواطنين تبعات عجز الموازنة العامة للدولة، إذ إن استمرار الفوضى السياسية الحالية سيفتح المجال واسعا في المستقبل أمام المجاميع الفئوية والطائفية والعنصرية، التي تُمنع في الدول الديمقراطية من ممارسة العمل السياسي، لملء الفراغ السياسي، وعندئذ سيستمر تشويه الوعي العام، وتسطيح الفكر، وإشغال الناس في أمور هامشية تافهة على حساب القضايا الوطنية والحياتية المشتركة كما هو حاصل الآن، وهذا هو بالضبط ما تريده قوى الفساد والإفساد، والقوى المعادية للدستور والديمقراطية والتقدم الاجتماعي