تعتمد البلدان التي يرتفع متوسط أعمار المواطنين بها على عادات معيشية وثقافة غذائية وصحية متنوعة.
نشرت صحيفة Independent البريطانية قائمة بالشعوب التي يرتفع متوسط أعمارها، وذلك بالاعتماد على المسح الذي أجراه المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس). التقرير أكد أن ارتفاع متوسط الأعمار مرتبط ارتباطاً وثيقاً بنمو الاقتصاد والوصول إلى مستوى عال في الرعاية الصحية والاعتماد على العادات الصحية في الغذاء.
المدينة الصينية هونغ كونغ
في المدينة الصينية هونغ كونغ، يصل متوسط أعمار المواطنين بها إلى 84 عاماً، وأرجع التقرير تمتع المواطنين بالمدينة الصينية بصحة جيدة وبقاءهم في حالة نشاط حتى مع وصولهم سن الشيخوخة إلى انخراطهم في التدريبات القتالية وفنون الدفاع عن النفس، فضلاً عن النظام الغذائي الموزون الذي يتبعونه، باعتمادهم على البخار في طهي الطعام واعتيادهم شرب الشاي.
وأشارت تقارير إلى أن عادات الصينيين المعمَّرين في الغذاء ساعدت بشكل كبير على بقاء صحتهم أفضل؛ إذ جعلوا الخضراوات طعاماً أساسياً، لا سيما في وجبة الإفطار، وكذلك أكل الفواكه والمكسرات والبذور والبقوليات والأسماك، وأرجعوا تلك الحالة الصحية المستقرة إلى حالة “القلب الجيدة”.
حيث يمارس المعمَّرون الصينيون نشاطاً بدنياً لمدة 15 دقيقة يومياً وللدعم والاتصال الاجتماعي الذي يعيشه المعمرون في الصين ويتلقونه من أحفادهم وأسرهم فوائد صحية هائلة لهم.
وعن الطبيعة الجغرافية للصين، فهي تقع في الجزء الشرقي من قارة آسيا، وهي ثالث بلدان العالم من حيث المساحة؛ إذ تبلغ 9.6 مليون كيلومتر مربع، وتتنوع جغرافيتها بين السهول والغابات والصحارى، وتضم الصين أكثر من 19% من سكان العالم؛ أي ما يقرب من مليار و400 مليون نسمة.
تبجيل الطبيعة وعادات الغذاء السليمة في اليابان
وبعد أن كانت اليابان تحتل المرتبة الأولى عالمياً من حيث أطول معدل أعمار للشعوب، إلا أنه وبسبب ارتفاع حالات الانتحار بين الإناث تراجعت إلى المركز الثاني عالمياً، بمتوسط أعمار بلغ 83.6 عام.
وأرجع تقرير Independent ارتفاع متوسط أعمار اليابانيين إلى النظام الصحي الغذائي الذي يتبعونه.
كما أكدت وزارة الصحة والعمل في اليابان في سبتمبر/أيلول الماضي، أن أكثر من 65 ألف شخص، تجاوزوا 100 عام من أعمارهم، يعيشون الآن باليابان.
واعتاد اليابانيون تناول الأسماك الدهنية كالتونة والسلمون كل أسبوع، كما أنهم يقدرون المأكولات البحرية والطحالب، ويستخدمون أعشاب البحر بكثرة في وجباتهم؛ إذ تستهلك اليابان نحو 100 ألف طن من الأعشاب البحرية سنوياً.
وتشتهر اليابان بطبيعتها الخضراء؛ حيث الغابات الممطرة المعتدلة، كما أن تبجيل الطبيعة متأصل في الثقافة اليابانية، ويعتاد المسنون اليابانيون تسلق الجبال حتى مَن تجاوز منهم الثمانين عاماً، كما ينتشر باليابان العلاج عن طريق زيارة المساحات الخضراء واستنشاق الهواء النقي.
وتشتهر اليابان كذلك بالحمامات العامة التي هي عبارة عن ينابيع ساخنة، فخلال 2010 زار تلك الحمامات ما يقرب من 128 مليون ياباني، كما ينهي نحو 85% من اليابانيين يومهم في تلك الينابيع الساخنة.
وأكد علماء يابانيون أن تلك الينابيع الساخنة تعالج التهابات المفاصل والأمراض الجلدية والاضطرابات، كما أنها تعمل على انخفاض ضغط الدم؛ من خلال استخدام وقت الاستحمام ذلك في التأمل.
ويستخدم اليابانيون عادة شرب الشاي للبعد عن التفكير في الحياة اليومية ومشكلاتها، كما أن لهم طقوساً مخصصة لشرب الشاي، وهو جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية في اليابان.
ويعتاد اليابانيون شرب الشاي الأخضر، وهي من الدول العشر الأولى في شرب الشاي، ويشرب اليابانيون الشاي للوقاية من خطر أمراض القلب والسرطان، ويتناول اليابانيون نحو 5 أكواب من الشاي يومياً، ما أسهم في تخفيض نسبة الوفيات 26%.
إسبانيا
وتحتل إسبانيا المرتبة الثالثة ضمن الدول الأعلى في متوسط أعمار شعوبها، حيث يبلغ متوسط أعمارهم 83.1 عام.
ويتبع سكان إسبانيا نظام “حمية البحر المتوسط”، الذي يؤكد الأطباء أنه أفضل نظام غذائي يسهم في حياة صحية وطويلة؛ إذ يحتوي على الأسماك والخضروات الطازجة والدهون الصحية كزيت الزيتون والمكسرات.
ولعل نظام حمية البحر المتوسط الذي تتبعه إسبانيا واحداً من الأساليب الصحية في التغذية، ويُعد زيت الزيتون عنصراً أساسياً في الطعام، بالإضافة إلى الفواكه والبقول والحبوب، والمأكولات البحرية والأسماك، وكذلك الدجاج والبيض ومنتجات الألبان والجبن والزبادي، إلا أن الإسبان لا يتناولون اللحوم الحمراء إلا نادراً، كما يتجنبون إضافة السكر بشكل تام أو إضافة الزيوت المهدرجة إلى الوجبات.
ذلك النظام الغذائي المتبع مليء بفوائد الأحماض الدهنية المستمدة من زيت الزيتون والمكسرات والسمك، كما أنها غنية بالألياف نتيجة ارتفاع استهلاك الخضراوات والفواكه والحبوب، ويقلل خطر الإصابة بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والسكري.
وعادة، يتناول الإسبانيون الخضراوات والفواكه الموسمية الطازجة، كما أن حمية البحر الأبيض المتوسط الغذائية ليست فقط عن الطعام وإنما تُعد أسلوب حياة وجزءاً من النظام الصحي المنتظم في إسبانيا.
وعن الطبيعة الجغرافية لإسبانيا، فإنها محاطة بالبحار من معظم أطرافها، حيث يحدها من الشرق والجنوب الشرقي البحر المتوسط، وتطل في الشمال والشمال الغربي والجنوب الغربي على المحيط الأطلسي، ونطاق مناخها معتدل.
أفضل رعاية صحية بسويسرا
ويعد الاقتصاد السويسري واحداً من أكثر اقتصاديات العالم ازدهاراً؛ حيث تهتم الحكومة بالصحة والتعليم ومواهب الشعب مقارنة بأي بلد آخر بالعالم، والسويسريون من أكثر شعوب العالم صحة وسعادة.
ويبلغ متوسط أعمار المواطنين في سويسرا 82.8 سنة، كما أن المرأة التي عاشت أطول عمر بالعالم بلغ 113 عاماً كانت من سويسرا وتُدعى “روزا رين” وقد ولدت في عام 1897 وتوفيت في عام 2010.
ولسويسرا رعاية صحية ممتازة، فيما يتعلق بالصحة والعافية وطول العمر ومعدل وفيات الرضع والحالة العامة للصحة الجسدية والعقلية للسكان، فهي الأولى عالمياً في نظام الرعاية الصحية ورغم أن السويسريين هم من أصح المواطنون في العالم، فإن إنفاق سويسرا على الرعاية الصحية منخفض مقارنة بدول متقدمة أخرى.
وتعتبر سويسرا ثروتها في شعبها ورأسمالها البشري، يستند على أركان “الصحة والعافية والتعليم والعمل والعمالة”، وتنفق الحكومة السويسرية 2.7% من الناتج المحلي الإجمالي فقط على الرعاية الصحية.
وتدعم سويسرا الرعاية الصحية للفقراء على أساس التخرج؛ وذلك لمنع الأفراد من إنفاق أكثر من 10% من دخلهم على التأمين، ولدى 99.5% من المواطنين السويسريين تأمين صحي يمكنهم الاختيار بين خطط ما يقرب من 100 شركة صحية، وللمواطنين الحرية الكاملة في اختيار الطبيب المعالج.
وسويسرا بلد صغير جداً، عدد سكانها قليل كما مواردها الطبيعية، وقد أشارت مدير أول للمنتدى الاقتصادي العالمي سعدية زاهدي، إلى أن أكبر مورد تمتلكه سويسرا هو شعبها، وأن الحكومات السويسرية بدأت استثماره منذ وقت طويل، فبات اقتصاده قادراً على المنافسة والابتكار واعتمدت على التكنولوجيا بشكل أسرع.
وساهمت الأوضاع الاقتصادية الممتازة في سويسرا في اتباع المواطنين نظاماً صحياً في غذائهم، حيث يعتمدون على البيض والقمح الكامل ومنتجات الألبان، فهم يشتهرون بالجبن السويسرية. ومن العناصر الغذائية المهمة لهم الخضراوات بما فيها الفاصولياء والجزر والقنّبيط والبطاطس والسبانخ، بالإضافة للحوم، لا سيما لحم العجول والديك الرومي، ويتناول السويسريون طبقهم الأساسي في وجبة العشاء.
حمية البحر المتوسط في إيطاليا
أشارت Independent إلى أن إيطاليا تحتل المرتبة الخامسة بين الدول التي يرتفع متوسط أعمار مواطنيها، حيث يبلغ متوسط أعمارهم 82.7 عام.
المجلة الطبية The Lancet أرجعت ارتفاع متوسط أعمار الإيطاليين إلى انخفاض مستوى الفقر بها، ما ساعد غالبية السكان على تناول طعام صحي وطازج يضمن لهم صحة جيدة.
وأكد تقرير لـ bbc أن تحسن مستوى المعيشة في إيطاليا ساهم بشكل فعلي في ارتفاع متوسط أعمار المواطنين بها، فضلاً عن اتباع الإيطاليين نظام “حمية البحر المتوسط” ، كما أن لارتفاع أعمار الإيطاليين علاقة وثيقة بالإنفاق على مجال الصحة الذي تتبعه إيطاليا، وكذلك تراجع نسبة المدخنين بها.
التقرير لفت إلى أن هناك عدة أسباب متشابكة ساعدت على ارتفاع متوسط أعمار الإيطاليين؛ منها “النظام الغذائي المتبع، والرعاية الصحية والبنية الاجتماعية والمناخ”.
و يعتمد الإيطاليون في تغذيتهم على نظام حمية البحر المتوسط والتي تقلل الإصابة بأمراض القلب، وهناك تحسن في النظام الغذائي الإيطالي، حيث يتناول الإيطاليون زيت الزيتون بكثرة وكذلك الأسماك الطازجة، ويتناولون مجموعات متنوعة من الخضراوات والفواكه.
وتمتاز إيطاليا بمناظرها الطبيعة المتنوعة، ومناخها المختلف بين مناطقها المختلفة، لا سيما في فصل الشتاء، فمناخ مدنها الساحلية مناخ البحر الأبيض المتوسط النموذجي، بينما يشتد الصيف والجفاف جنوباً، ويواجه الجانب الغربي أمطاراً ورياحاً أكثر من الشرق، بينما يكون طقسها أكثر دفئاً في فصل الصيف.
رعاية صحية جيدة وثقافة غذائية متنوعة بسنغافورة
تقرير الصحيفة البريطانية لفت إلى أن متوسط العمر المتوقع في سنغافورة ارتفع على مدى الـ30 عاماً الماضية، مرجعاً ذلك إلى المستوى العالي من الرعاية الصحية والوقاية العلاجية.
ويبلغ متوسط أعمار المواطنين في سنغافورة 82.6 عام، وتنفق سنغافورة 4% من الناتج المحلي الإجمالي لها على الرعاية الصحية، وهي نسبة منخفضة مقارنة بالدول المتقدمة.
وأكدت منظمة الصحة العالمية أن سنغافورة تأتي في قمة المؤشرات الصحية العالمية وحققت الرعاية الصحية من الدرجة الأولى.
وتقع سنغافورة في الجنوب الشرقي لقارة آسيا، اقترابها من خط الاستواء جعل مناخها شبه ثابت طوال العام وترتفع بها نسبة الرطوبة العالية، وتسقط عليها الأمطار، ويعيش بها مواطنون من جنسيات وثقافات مختلفة “صينيون، وماليزيون، وهنود، وأوروبيون، وآسيويون”.
ويُعد تناول الطعام من الأمور المهمة والشبه مقدسة في سنغافورة، كما أن المطبخ السنغافوري يتميز بالتنوع الشديد؛ وذلك بالتناسب مع الكم الكبير من الثقافات والمجموعات العرقية التي تعيش بذلك البلد، فلكل ثقافة وجنسية الطعام والمأكولات المختلفة المميزة له.
علاقة حب بين الفرنسيين والطعام
وتحتل فرنسا المرتبة السابعة بين دول العالم الأعلى في متوسط أعمار مواطنيها والذي يبلغ 82.4 عام، وهي واحدة من بلدان منظمة التعاون الاقتصادي التي تنخفض بها معدلات البدانة، الأمر الذي يُسهم في ارتفاع متوسط أعمار السكان بها.
وبين الفرنسيين والطعام علاقة حب متبادلة، كما أن لهم عاداتهم الخاصة في تناول الطعام؛ إذ يُقسم الفرنسيون الطعام اليومي على 3 وجبات، ولا يتناولون أطعمة خارج تلك الوجبات الثلاث، ماعدا الأطفال الذين قد يتناولون وجبات خفيفة بينها.
ويعمل الفرنسيون بالقاعدة التي تعتبر أنه من المسموح بأن يكون الفرد جائعاً بين الوجبات الثلاث ولا يقوم بفتح الثلاجة أو الخروج إلى شراء الشيكولاتة، وبسبب تلك القاعدة تكون المطاعم مفتوحة لوقت محدد في فرنسا.
وتعتبر وجبة الغذاء من الوجبات الرئيسية في اليوم، ومن الممكن أن يؤخر الفرنسيون وجبة العشاء، كما اعتادوا تناول وجباتهم الثلاث اليومية بعضهم مع بعض، سواء في نطاق الأسرة أو زملاء العمل.
ويعتمد الفرنسيون في تناولهم الطعام على قاعدة “كُل ما تحتاج أن تأكله، وليس كلَّ ما يمكنك أكله”، ويُكثرون من تناول الفواكه والخضراوات الطازجة واللحوم، كما يتناولون كمية قليلة من النبيذ مع الوجبات.
وفرنسا، هي بلد شديد الاندماج والتجانس وتعتبر ثاني كبرى الدول الأوروبية من حيث المساحة، وتطل على البحر المتوسط والمحيط الأطلسي وبحر المانش، ما سهل اتصالها بدول العالم الخارجي، فضلاً عن سهولة اتصالها بالدول الأوروبية، كما أن مناخها بحري معتدل.
هافينغتون بوست