بعد استعراض أوّلي لاستراتيجية الحرب الأمريكية ضد الدولة الإسلامية على مدار ثلاثين يومًا في أواخر الشهر الماضي، أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية قائمة من الخيارات للبيت الأبيض بأمر من الرئيس دونالد ترامب. التفاصيل التي تم تسريبها بشكل متقطع خلال الأسبوع الماضي توضح استعداد إدارة ترامب لمواصلة استراتيجية الإدارة السابقة في مكافحة داعش، ولكن مع توفير مزيد من الموارد لهذه المهمة.
فبينما تُنشأ وحدة المدفعية البحرية متجرًا يبعد حوالي عشرين ميلا عن جنوب الرقة؛ لتوفير غطاء ناري لقوات النظام السوري يندفع ببطء نحو المدينة، تقرر نشر أربعمائة جندي أمريكي إضافي بسوريا لدعم الحملة وتشديد الخناق حول عنق داعش، وهذا من شأنه مضاعفة وجود القوات الأمريكية الحالية في البلاد. كل هذه القرارات إن نُظر إليها من بعيد، فيمكننا أن نرى أن دونالد ترامب قدم كمرشح رئاسي تأكيدًا لا شك فيه حول محو الإرهاب الإسلامي من على وجه الأرض، حتى وإن كان ذلك مستحيلًا من الناحية العملية.
ما لا نعرفه حتى الآن هو كيف ستكون سياسة ترامب نحو الحرب الأهلية السورية. في الواقع لا يعلم كثير منا لا يعرفون ما هي سياسة سوريا الآن. المبعوث الخاص للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا، الرجل المطالب بما يشبه السحر وهو التوصل إلى حل سلمي للحرب، لا يختلف عنّا كثيرًا في الحيرة، يقول: “أنا أعرف إن كانت هي –يقصد إدارة ترامب- تتلقى تعليمات من الرئيس دونالد ترامب بخصوص وضع استراتيجية جديدة أو طرح خيارات جديدة.. لذلك أود أن أقول دعونا ننتظر لذلك”.
قضى الرئيس أوباما أربع سنوات يتألم حول ما يجب القيام به بشأن القضية السورية. كما مارست مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن ضغوطات مكثفة لإقحام المزيد من تدخل الولايات المتحدة في اللعبة، مما أدى إلى مزيج من عدد إجراءات، مثل أنظمة أسلحة أكثر قوة للمعارضة السورية المعتدلة، إجراء سريع وصحيح بوضع “الخط الأحمر” في استخدام الأسلحة الكيميائية، بجانب إنشاء مناطق آمنة أو منطقة حظر جوي لحماية المدنيين من التعرض للقصف من قبل آلة الحرب “الأسد”. تفاصيل تلك المقترحات: كم ستكلف، كيف يمكن للولايات المتحدة تجنب وضع قواتها على الأرض لحماية المناطق من جميع أنواع العنف، كيف سيرد الروس على المزيد من العدوانية الأمريكية. وكيف يمكن لسكب المزيد من الأسلحة في الصراع أن يساعد في تعزيز سلمية المستوطنات. تلك الأسئلة إما تُركت دون إجابة أو تم تجاهلها بسهولة من قِبل الصقور. يواجه الرئيس ترامب نفس السؤال المركزي الذي واجه الرئيس أوباما خلال فترة ولايته: ما الذي يمكن للولايات المتحدة القيام به لتسريع التوصل إلى حل دبلوماسي للصراع؟
لا شك أن مستشاري الأمن القومي لترامب يقترحون عليه مزيدًا من الخيارات بينما نتكلم. المناطق الآمنة ليست فقط مناقشات على الطاولة، ولكن لها الأولولية في قائمة ترامت بما فيه الكفاية حتى يناقشها مع الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود. يبدو أن الرئيس ترامب يعتقد أن بإمكانه استخدام قوة الإقناع ليس فقط لجلب عرب الخليج إلى جانبه، ولكن لإقناعهم لالتقاط أكثر من علامة التبويب لإدارتها. وبعد، فإن وجود أي بلد أو ائتلاف من الدول قادرة على جمع تلك المناطق ومساهمة تلك المناطق في وضع حد للحرب أمر يصعب تصوره. في النهاية، المناطق الآمنة هي مجرد إسعافات أولية لمشكلة أوسع نطاقا من شأنها أن تعزز الصراع: وهو عدم رغبة الأطراف الرئيسية في الحرب في الجلوس على طاولة الحوار والحديث عن مستقبل سوريا دون توجيه الضربات واحدًا تلو الآخر.
يمكن لترامب أن يرسل أكثر وأفضل الأسلحة لمن تبقى من المعارضة السورية العتدلة، على أمل أن تشكل الصواريخ المضادة للطائرات والدبابات ضغطا على الأسد، باعتبار أن مستوى القتال سيخرج عن السيطرة. كانت تلك الاستراتيجة لتكون فعّالة في وقتٍ سابق من الصراع، حين كان الجيش السوري يزداد انسحابا كل شهر وكان على وشك الانهيار، ولكنها لن تكون فعّالة في 2017. فرص سقوط تلك الأسلحة في أيدي الفصائل الإسلامية أقوى بكثير وأكثر احتمالا بكثير اليوم مما كانت عليه في أي وقت مضى؛ لأن السلفية والوحدات البرية الإسلامية تطلق الآن المزيد من الطلقات. وغني عن القول، استثمارات الروس والإرانيين التي تساهم في بقاء نظام الأسد، ويمكنهم ببساطة زيادة الدعم وإلغاء أي أسلحة تستعد واشنطن لإرسلها.
الخيار الوحيد الذي يمكن أن تنجح فيه إدارة ترامب عن بعد هو إتخاذ بلدة أقل حِدّة تحت رعاية الأمم المتحدة، بجانب المفاوضات السورية الجارية بجينيف حاليًا. لم تعد مطالبة الأسد بالتنحي دون قيد أو شرط بعد فترة انتقالية تستحق العناء، خاصة أن الأسد نفسه رفض التنحي حتى إن كان سيعلق في ميدان البلدة خلال أسابيع. شئنا أم أبينا، وفرت القوات الجوية الروسية والقوات البرية الإيرانية للأسد أكثر بكثير من مساحة لالتقاط الأنفاس، فقد منحت الدكتاتور السوري فرصة جديدة للحياة ومزيد من النفوذ على طاولة المفاوضات. يمكن للولايات المتحدة إما قبول الحقائق كما هي الآن، أو تجاهلها والإصرار على مفاوضة الأسد بين استسلامه والنفي، والاستمرار في تخيّل أن الاشتباكات العسكرية المشكوك فيها للغاية مثل المناطق الآمنة -التي ستكلف مليارات الدولارات خلال سنوات- محكوم عليها بالفشل في عام 2017 فقط لأنها قد فشلت في عام 2015 أو 2016.