كشفت مصادر عليمة عن لجوء العديد من المواطنين والمقيمين في الكويت إلى سوق مواز للودائع، خصوصاً في البنوك الإيرانية، مما يوفر لهم فوائد تتراوح بين %18 و%20 سنوياً، وذلك من خلال صرافين ومؤسسات صرافة محلية (خاضعة لرقابة وزارة التجارة والصناعة)، علماً أن الفوائد على الودائع في البنوك الكويتية أقل من ذلك بكثير جداً.
وأوضحت المصادر أن «الهبة» الجديدة كما يصفها البعض آخذة في النمو، وقد تتحول إلى ظاهرة في حال استمرار الإقبال عليها.
وأكدت أن عمليات الإيداع والسحب وتحصيل العوائد تمر عبر «خط ساخن» يبدأ في الكويت من بعض الصرافين ومؤسسات «مكاتب» الصرافة التي يقتصر نشاطها على بيع وشراء العملات، وينتهي على الشاطئ المقابل من الخليج لدى شركات صرافة أو بنوك إيرانية، وكذلك بعض رجال الأعمال من المستوردين والمصدرين الذين يحتاجون الدولار في تعاملاتهم الخارجية.
وأشارت إلى أن هناك ممراً بديلاً للودائع يبدأ من نفس الجهات بالكويت، وهي مؤسسات الصرافة وصولاً إلى بعض البنوك الإيرانية التي لها فروع في إحدى الدول الخليجية، والتي تقوم بجمع تلك الودائع لمصلحة مستفيدين في إيران.
وحذرت مصادر مالية من ممارسة أنشطة غير مسموح بها لمؤسسات بيع وشراء العملات.
وذكرت المصادر أن رقابة وزارة التجارة على تلك المؤسسات تنحسر في نطاق التراخيص ومتابعة البيانات المالية، أما البنك المركزي فرقابته دقيقة ولصيقة أكثر على شركات الصرافة الخاضعة لرقابته.
وأشارت إلى دور بعض مؤسسات الصرافة من معاملات خارج الحدود وجعل الكويت طرفاً فيها من خلال تحويلات المقيمين إلى بلدانهم، والتي كانت آخرها السوق السوداء في سعر صرف الجنيه المصري حين تسبب قيام بعض مؤسسات الصرافة بتحويل العملات خارج النظام المصرفي، وبأسعار ترتفع عن سعر السوق الرسمي بكثير.
وذكرت مصادر أن آلية عمل بعض مؤسسات الصرافة في السوق السوداء للجنيه المصري كانت تتم من خلال تلقيها قيمة تحويل المصريين بالدينار أو الدولار على أن تقوم شركات صرافة في مصر بسداد القيمة للعميل داخل مصر، في حين يتم تحويل تلك الأموال الى شركات ورجال أعمال في أي دولة بالعالم بخلاف مصر لإنجاز صفقات.
وألمحت المصادر أن تلك الممارسة دفعت أطرافاً دبلوماسية مصرية لطلب المساعدة من وزارة التجارة والصناعة الكويتية في الحد من ممارسات مؤسسات صرافة، وقدمت أسماء مؤسسات بعينها.
ولفتت كذلك إلى استغلال تلك المؤسسات في وقت سابق إلغاء الحكومة الهندية لبعض الفئات من العملة الهندية فئة 500 وألف روبية لأسباب محلية تتعلق باستغلال تلك الأوراق الكبيرة في غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
من جانبه، قال أحد «المودعين» في البنوك الإيرانية الذي بدا متحفظاً في حديثه أن الأمر يتم في سرية تامة حيث لا تقبل مؤسسات الصرافة والقائمون عليها غير العملاء المعروفين لديها.
واضاف: «لا بأس من المغامرة طالما ذلك يضمن تحقيق عوائد جديدة لا تتوافر من الودائع في البنوك المحلية أو الاستثمار بالعقار والبورصة، كما أنهم يوفرون لي ضمانات لاستعادة أصل المبلغ في نهاية فترة الإيداع المتفق عليها». وفي الوقت الذي أنكر فيه عدد من مسؤولي مؤسسات الصرافة قيامهم بتلك الممارسات، قال مسؤول في احدى شركات الصرافة «إننا نتضرر كثيراً من ضعف الرقابة على مؤسسات الصرافة، لا سيما في ظل الخلط ما بين شركات الصرافة المرخصة والخاضعة لرقابة البنك المركزي ومؤسسات الصرافة التي يقتصر نشاطها على بيع وشراء العملات».
وروى مسؤول شركة صرافة واقعة حدثت بطلها أحد الأميركيين من المقيمين في الكويت، الذي راجع الشركة بمبلغ مالي يصل إلى 100 ألف دولار «كاش»، طالباً تحويلها إلى أحد البنوك في بلده.
وأضاف: بالطبع رفضنا إتمام هذا التحويل، باعتباره يخالف تعليمات بنك الكويت المركزي التي تقضي بعدم تحويل أي مبالغ «كاش» تتجاوز 3 آلاف دينار، متابعاً «بناء عليه طلبنا منه أن يفتح حساباً في أحد البنوك المحلية، ومن ثم يتم تحويل هذا المبلغ إلى حساب شركة الصرافة، تمهيداً لإتمام التحويل بشكل رسمي، ولكنه رفض وذهب للبحث عن بديل».
واستطرد قائلاً: بعد نحو ساعة عاد الأميركي إلى شركتنا ممسكاً بيده إيصالاً بالمبلغ، مؤكداً أن إحدى مؤسسات الصرافة قد أنجزت عملية التحويل مقابل سعر أقل وبرسوم أكبر.
وأكد أن الفصل في الرقابة بين شركات الصرافة الخاضعة لبنك الكويت المركزي صاحب القبضة الرقابية القوية وبين مؤسسات الصيرفة الخاضعة لرقابة وزارة التجارة التي تفتقر إلى الكوادر المؤهلة للرقابة على تلك العمليات المالية وضبطها يتسبب في مشاكل أحياناً.
بدوره، حذّر أحد المتخصصين في مكافحة غسل الأموال من الاندفاع وراء العوائد المرتفعة بإيداع الأموال في البنوك الإيرانية وغيرها، بطرق ملتوية بحثاً عن العوائد المرتفعة.
وقال إن العملة الإيرانية «التومان» تتعرض إلى هزات كبيرة منذ فترة طويلة، ما قد يدفع السلطات هناك إلى منع خروج الودائع في أي لحظة لفترة ما وربما إلى أمد بعيد، خصوصاً في حالة تراجع الاحتياطيات من العملات الأجنبية.
وكشف أن «التعاون» بين مؤسسات الصرافة على جانبي الخليج لا يقف عن حدود الودائع، مؤكداً أن العديد من الكويتيين عندما يبيعون عقاراتهم في إيران يتم تحويل الأموال بنفس الطريقة، ولكن بشكل عكسي بعيداً عن النظام المصرفي، ومن خلال تسليم الأموال لشركة صيرفة هناك بالتومان وتسلمها بالدولار أو بالدينار في الكويت من دون أن تدخل تلك الأموال النظام المصرفي للبلدين، مؤكداً أن الأمر يتطلب رقابة حازمة على مؤسسات صيرفة محلية تغامر في ذلك.
وختمت المصادر بدعوة وزارة التجارة إلى إحكام رقابتها على شركات بيع وشراء العملات ومنعها من القيام بأعمال تحويلات خلافاً للقواعد والأصول، وخلافاً للأنشطة المسموح لها القيام بها. وحذّرت من أن هكذا عمليات قد يتخللها غسل أموال وتمويل إرهاب ربما، وبالتالي يستحق الأمر وقفة رقابية.
(القبس)