الانتقال بالنظام الصحي الكويتي من مرحلة علاج الامراض وتوفير الادوية والمعدات الطبية الى مرحلة الوقاية من الامراض والتصدي لعوامل الخطورة بمراحلها المبكرة واجراء المسوحات الصحية بهدف الاكتشاف المبكر للامراض قبل حدوثها وخفض معدل وفيات الاطفال والوصول بعمر الانسان الى 80 عاما وما فوق تطلعات تنموية مستدامة تسعى وزارة الصحة الكويتية الى تحقيقها حتى عام 2035.
الوزارة ضمن تطلعاتها تسعى الى تطوير نظام رعاية صحي وطني قادر على معالجة المشكلات الصحية وبناء مجتمع صحي يضمن تمتع جميع افراده بحياة صحية سليمة لجميع الاعمار بهدف تحسين الوضع التنافسي للكويت وجعلها في مصاف الدول التي تتميز بمعدلات نمو مستدامة.
التطلعات اصبحت هدفا وطنيا ملحا يجب تحقيقه ضمن برنامج وطني طموح خصوصا ان المؤشرات الصحية الدولية اكدت سعي البلاد ضمن منظومتها الصحية الى تنفيذ البرامج والخطط العالمية للتنمية المستدامة وفق برنامج تنموي محدد.
لذلك وضعت الوزارة مؤشرات لسلامة تحقيق تطلعاتها من خلال جمع البيانات الدقيقة التي تكشف مواطن الخلل ووضع الحلول الرامية لتحسين الخدمة بصفة مستدامة وتحديد الاستراتيجيات المستقبلية عبر استخدام (بطاقة الاتزان) التي تبين مدى التزام المؤسسة الصحية بتقديم خدمات امنة وذات جودة عالية.
كما ان اقناع المجتمع الكويتي بخفض استهلاك ملح الصوديوم الى نسبة 30 في المئة كمحاولة للحد من ارتفاع معدل الضغط يعد احد التطلعات الموضوعة لا سيما بعد نجاح الوزارة بالتعاون مع شركة (مطاحن الدقيق والمخابز الكويتية) بخفض نسبة الاملاح بالخبز بمعدل 20 في المئة والسعي الى تدعيم فيتامين (د) ضمن العنصر الغذائي.
واعتمدت الكويت على دراسات منظمة الصحة العالمية بأن التغذية الصحية لها دور كبير بمكافحة الامراض المزمنة غير السارية فأدخلت الغذاء الصحي ضمن العلاج كونه يحدث مناعة للجسم لمقاومة الامراض فبادرت ادارة التغذية والاطعام بالوزارة الى تجربة ذلك محققة نتائج واضحة لعلاج بعض انواع نوبات (الصرع).
وانعكس التحسن الملحوظ لمستوى جودة الرعاية الصحية في الكويت ايجابا على المؤشر الخاص بمتوسط العمر مما ساهم في ارتفاع العمر الى 6ر79 عاما وفق احصائية عام 2015 بالاضافة الى ايجابيات البروتوكولات الطبية المعمول بها التي ساهمت في تقليل وفيات الاطفال دون عمر الخمس سنوات (لكل الف طفل) فبلغ 8ر8 حالة وفاة وفق احصائية عام 2014.
ولعل اولى نتائج تلك المؤشرات هو ما حققته الكويت من نتائج تعد الاعلى على مستوى العالم لمعدل تغطية للتطعيمات الاساسية التي بلغت 5ر99 في المئة حيث لم يتم تسجيل اي حالة شلل اطفال في البلاد خلال السنوات الاخيرة فضلا عن ان متوسط نسبة العدوى لكل الف مريض بالعناية المركزة بدول العالم المتقدم هو 17 بالمئة بينما في الكويت بلغ 18ر11 بالمئة.
ومن المؤشرات ايضا برنامج الاعتماد للتأكد من تقديم رعاية صحية وفق المعايير الوطنية والعالمية وتطبيق برامج السلامة التي تضمن حق المريض في الحصول على خدمة صحية فعالة وفق بيئة صحية امنة.
وبدأت الوزارة انطلاقا من هذه المؤشرات بإعادة الهيكلة الشاملة للنظم الصحية لتوفير نموذج متكامل من الخدمات الصحية كان اهمها العمل على تطوير المنظومة الصحية والحد من الامراض المزمنة غير السارية وتحسين جودة الخدمات وتطوير الكوادر الوطنية بنظام الرعاية الصحية عالية الجودة وتطوير خدمات الصحة المهنية ممثلة بتحويل مراكز الرعاية الصحية الاولية بالمناطق الصناعية الى مراكز تخصصية للطب المهني وزيادة اعداد المدن الصحية المسجلة دوليا الى خمس مدن سنويا.
وقالت رئيس قسم المعايير والمؤشرات في ادارة الجودة والتطوير بوزارة الصحة الدكتورة ملاك العلي لوكالة الانباء الكويتية (كونا) انه “في حال تحققت تلك التطلعات فإننا سنرى الكويت تتمتع بخدمات صحية امنة من الاخطاء الطبية والاخطاء الناتجة عن تقديم الرعاية الصحية وخدمات صحية ذات كفاءة تتجنب اهدار الموارد البشرية والمادية”.
وجاءت الرؤية الصحية الموضوعة متوافقة مع الاهداف العالمية الشاملة للتنمية المستدامة للاعوام (2015 – 2030) خصوصا انها تمثل ركنا مهما من اركان (رؤية الكويت الجديدة) التي ترتكز على خمسة موضوعات حاملة برامج ومشروعات استراتيجية مصممة لتحقيق اكبر اثر تنموي نحو بلوغ تلك الرؤية.
وسعت الوزارة من خلال خطتها الاستراتيجية الى الدفع نحو اعتماد الكويت كمركز اقليمي للوقاية والتصدي للامراض المزمنة خاصة بعد اعتماد منظمة الصحة العالمية ممثلة بمكتبها الاقليمي للشرق المتوسط لاستراتيجية وزارة الصحة الكويتية للحد والتصدي للامراض المزمنة غير السارية تمهيدا لاعلان الكويت مركزا اقليميا.
ورأت الوزارة ضرورة توافق النظام الصحي الحديث مع الاهداف والغايات العالمية للتنمية المستدامة التي تركز على تمتع الجميع بأنماط حياة صحية لجميع الاعمار مبينة ان النظم الصحية السابقة كانت توجه الموارد نحو علاج الامراض دون التعامل مع جذور عوامل الخطورة المسببة لتلك الامراض المرتبطة بشكل كبير بأنماط الحياة.
وكان وكيل وزارة الصحة بالانابة الدكتور وليد الفلاح قد اكد في تصريحات سابقة البدأ بإعادة هيكلة شاملة للنظم الصحية وبرؤية جديدة من خلال توفير نموذج متكامل من الخدمات الصحية يفرض على جميع القطاعات العامة والخاصة احداث نقلة نوعية بنظام الرعاية الصحية المناسبة.
لذلك وضعت الوزارة برنامج الحد من الامراض المزمنة غير السارية على سلم تلك التطلعات كون تلك الامراض تعد من الاسباب الرئيسية للوفاة والاعاقة في الكويت بسبب ارتفاع معدلات زيادة الوزن والسمنة بين السكان واعتبار مرض السكري مصدر قلق كبير للصحة العامة.
ووفقا لتقرير الاتحاد الدولي لداء السكري فإن اجمالي عدد البالغين المصابين بهذا المرض في الكويت بلغ 400 الف شخص عام 2015 كما تحتل المرتبة الثالثة بنسبة الاصابة من النوع الاول بين الاطفال واليافعين (اقل من 15 عاما) ويرى الاتحاد ان عدد الحالات الجديدة التي تصاب بمرض السكر تبلغ 1ر37 لكل 100 الف نسمة.
وفي خط مواز خطت الوزارة خطوات فعلية نحو انشاء مشروع البرنامج الوطني للاعتماد بجودة الخدمات الصحية والمشاركة في التقييم الخارجي للمؤسسات الصحية مع المدققين المحليين وتكثيف الجهود نحو الاعتماد على الوقاية اكثر من اعتماد الصرف على المعالجة.
وتعتبر مؤسسات الرعاية الصحية لاعبا اساسيا لتحقيق جودة الحياة المنشودة للمجتمع الكويتي وفق ما اكده وزير الصحة الدكتور جمال الحربي في تصريحات سابقة بان “جودة الخدمات تعظم الهدف الاساسي للخدمة الصحية المتمثلة في رعاية المريض وسلامته وعدم المساس بكرامته”.
وقال الحربي ان مشروع البرنامج الوطني للاعتماد بجودة الخدمات الصحية يعد احد اهم المشاريع التي تتبناها الوزارة بهدف الارتقاء بمستوى الاداء من خلال نظام المراجعة الدقيقة والشاملة لجميع جوانب الخدمة المقدمة بالمؤسسات الصحية بما يتماشى مع القواعد التي تقرها الهيئات العالمية للاعتراف فوقعت مع هيئة كندا العالمية للاعتماد اتفاقيتين بهذا الصدد تنتهيان مع نهاية العام الحالي.
وفي هذا السياق وضعت ادارة الجودة والاعتماد بالوزارة خطوطا اساسية لاستثمار مشاريع الادارة منها الارتقاء بالمستوى الصحي للدولة وتوفير رعاية عالية الكفاءة تنعكس ايجابا على المرضى والعاملين في القطاع الصحي والاستغلال الامثل للموارد المستخدمة في تقديم الخدمات الصحية.
ووفقا لمؤشرات تقرير (التنافسية العالمية) فان الكويت احتلت اخيرا المرتبة الاولى عالميا فيما يتعلق بضعف انتشار مرض نقص المناعة (الايدز) كما شهدت الكويت تحسنا في ترتيبها بشان مؤشر عدد حالات الاصابة بالسل (لكل 100 الف من السكان) حيث تقدمت من المركز ال 52 في عام 2015 الى المركز ال 46 في عام 2016.
وبحسب تقرير معهد ليجاتوم البريطاني الخاص بمؤشر الرخاء لعام 2016 المبني على ثلاثة اتجاهات (الصحة البدنية والعقلية والبنية التحتية للصحة والصحة الوقائية) فإن الكويت تقدمت بترتيبها الدولي من المركز 37 عام 2015 الى المركز 31 عام 2016.
واكدت مؤشرات منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي ان التحسن الملحوظ في مستوى وجودة الخدمة الصحية المقدمة في الكويت عبر المؤشر الخاص بمتوسط العمر في الكويت الذي بلغ 2ر73 سنة عام 1992 ثم ارتفع الى 7ر77 سنة عام 2009 ووصل الى 6ر79 سنة عام 2015 جاء بفضل العمل بالبروتوكولات الطبية في المراكز الصحية وتوفير التقنيات الحديثة في التشخيص والعلاج.
وذكرت المؤشرات ان معدل وفيات الاطفال دون عمر الخمس سنوات لكل الف طفل من اجمالي السكان بلغ 9ر12 حالة وفاة عام 2009 وانخفض الى 2ر9 حالة عام 2013 الى ان وصلت الى 8ر8 حالة عام 2014.
وترى الوزارة انه من اجل الالتزام بتنفيذ الاهداف والغايات العالمية للتنمية المستدامة فإنها تسعى من خلال المركز الوطني للمعلومات الصحية التابع لادارة الجودة والتطوير الى اصدار اول تقرير وطني عن المؤشرات الصحية التي تتضمن مؤشرات رصد الوضع الصحي واداء النظام الصحي ومؤشرات الانفاق الصحي بهدف تحديث قاعدة البيانات الوطنية.
ويعتبر التقرير المتوقع اصداره وثيقة مرجعية مهمة لمتخذي القرارات وقاعدة اساسية لوضع الخطط والبرامج وتحديد الغايات وكشف التحديات والفرص المتاحة لتطوير وتعديل البرامج الصحية وتحديد الثغرات والفجوات بنظم المعلومات.
كما قام وزير الصحة الدكتور جمال الحربي بوضع برامج واستراتيجيات الوزارة موضع التنفيذ من خلال القرارات التصحيحية واعطاء الضوء الاخضر لتنفيذ الخطط المعطلة التي من شأنها المساهمة في الارتقاء الى افضل المستويات العالمية في القطاعين العام والخاص وتطوير نظام رعاية صحية وطني قادر على معالجة مشكلات الرعاية الصحية العامة المتنامية بتكلفة معقولة