الرئيسية / عربي وعالمي / الملك عبدالله، مسيرة وعطاء

الملك عبدالله، مسيرة وعطاء

سجل التاريخ بأحرف من ذهب مسيرة عطرة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله خلال 91 عاما من حياته قضاها في خدمة الدين ثم الوطن ثم توجها بحزمة من الانجازات التنموية للمملكة منذ توليه مقاليد الحكم في الاول من اغسطس 2005 وحتى وفاته صباح هذا اليوم الجمعة ليعم بفضل الله تعالى ثم بفضل حنكته القيادية الخير والنماء على البلاد في مختلف المجالات.
ولم يقتصر هذا الخير وفقا لتقرير موسع بثته وكالة الانباء السعودية على المملكة فقط بل شمل مختلف أنحاء العالم حرصا منه رحمه الله على تأكيد رسالة الإسلام الخيرة التي تدعو إلى التعاون الإنساني وإغاثة الملهوف ونصرة قضايا الإسلام والمسلمين ونشر التسامح بين أتباع الأديان السماوية والثقافات والحضارات وتعميق المعرفة بالآخر وبتاريخه وقيمه وتأسيس علاقات على قاعدة الاحترام المتبادل والاعتراف بالتنوع الثقافي والحضاري.
وحصل الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله على أكثر من 20 جائزة عالمية توزعت ما بين جوائز منظمات دولية وأكاديميات عالمية وجامعات إضافة إلى أوسمة تقدير عالمية من بلدان ذات ثقافات مختلفة ومنها جائزة اليونسكو في تعزيز ثقافة الحوار والسلام العالميين واختيار مجلة (فوربس) الأمريكية له ضمن الشخصيات الأكثر تأثيرا في العالم ومنحه الدكتوراه الفخرية من الأزهر تقديرا لدوره في خدمة الإسلام والمسلمين ولمواقفه المشهودة لدعم القضايا الإسلامية والإنسانية وخدمته لأمته الإسلامية.
واتسمت سنوات حكم الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله بالأمن والأمان والانجاز والعطاء على الصعد التنموية كافة وتحولت المملكة إلى ورشة عمل شيدت فيها العديد من المنشآت التي تخدم المواطنين على الرغم من الأزمات المالية الخانقة التي مرت بالعالم ومنها الأزمة الأخيرة المتمثلة في انخفاض أسعار النفط وعزز تلك الرعاية الملكية الكلمة الضافية التي وجهها رحمه الله إبان إعلان ميزانية المملكة للعام المالي المنصرم وتأكيده على أن يؤخذ بعين الاعتبار في الخطوات المستقبلية للدولة كل ما من شأنه خدمة مواطني بلاده وتحسين الخدمات المقدمة لهم والتنفيذ الدقيق والكفء لبرامج ومشروعات الميزانية.
وإيمانا منه رحمه الله بدور المرأة السعودية في إثبات الذات والوصول إلى أعلى المستويات فقد أولاها تغمده الله بواسع رحمته اهتمامه ورعايته بمشاركتها في الحياة السياسية ومنحها الفرصة الكاملة للاسهام في بناء هذا الصرح الشامخ لكي تصبح عضوا في مجلس الشورى وترشح للانتخابات البلدية والمشاركة في ترشيح المرشحين للمجالس البلدية.
وخلال عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله دخلت المملكة ضمن أقوى اقتصادات عشرين دولة كبرى في العالم وشاركت في قمم العشرين التي عقدت في أمريكا وبريطانيا وكندا وأستراليا وتمكن بحنكته ومهارته في القيادة من تعزيز دور المملكة في الشأن الإقليمي والعالمي سياسيا واقتصاديا وتجاريا وأصبح للمملكة الوجود المهم في المحافل الدولية وفي صناعة القرار العالمي وشكل ذلك دافعا قويا للصوت الإسلامي والعربي في دوائر الحوار العالمي على اختلاف منظماته وهيئاته ومؤسساته.
ووجه رحمه الله بأن تستمر المملكة في دعم منظمة الأوبك لتضطلع بمهامها الكبيرة لاستقرار السوق البترولية الدولية مع العمل مع الدول الأخرى المنتجة للبترول خارج أوبك والتعاون بشكل حثيث مع الدول المستهلكة من منطلق جعل التعامل في السوق النفطية أكثر وضوحا وعدالة بين مصالح المنتجين والمستهلكين.
وحظي القطاع الصناعي في المملكة بجانب من الاهتمام والرعاية من الملك عبدالله رحمه الله حيث أسس وافتتح مشروعات عملاقة مما ضاعف حجم الاستثمارات في المدينتين الصناعيتين الجبيل وينبع ليبلغ (676) مليار ريال وبلغ عدد المجمعات الصناعية فيهما (42) مجمعا صناعيا أساسيا فضلا عن أكثر من (400) مصنع ما بين صناعات متوسطة وخفيفة وزاد حجم الإنتاج على (106) ملايين طن سنوي ومن المتوقع أن ترتفع الاستثمارات والمجمعات الصناعية وبالتالي الإنتاج لأكثر من ذلك بعد الانتهاء من المراحل المتبقية في المشروعين العملاقين (الجبيل 2) و (ينبع 2).
وتجسيدا لاهتمامه بمسيرة التعليم خصصت في عهده رحمه الله أكبر ميزانيات في تاريخ المملكة للتعليم ووصل عدد الجامعات الحكومية إلى أكثر من 30 جامعة تضم أكثر من 500 كلية تتوزع على 76 مدينة ومحافظة بالإضافة إلى ثمان جامعات أهلية وعشرات الكليات.
كما وصلت نسبة المقبولين من خريجي الثانوية العامة في عهده إلى أكثر من 92 بالمائة وفتح الابتعاث الخارجي بدعم سخي ليصل عدد المبتعثين إلى ما يقارب 135 ألف طالب وطالبة يدرسون في أكثر من 34 بلدا حول العالم وفتح المجال للابتعاث الداخلي لتتولى الدولة الإنفاق على 50 بالمائة من عدد الطلبة المقبولين في الجامعات والكليات الأهلية.
وحظيت بيوت الله بعناية الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله لتظهر بما يليق بها من البناء والتجهيز والعناية والرعاية لتحقق لها العمارة الحسية والمعنوية فصدر أمره الكريم بتخصيص مبلغ 500 مليون ريال لترميم المساجد والجوامع في كل أنحاء المملكة كذلك تخصيص مبلغ 200 مليون ريال لدعم جمعيات تحفيظ القرآن الكريم إضافة إلى تخصيص مبلغ 300 مليون ريال لدعم مكاتب الدعوة والإرشاد بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد واعتماد دعم الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمبلغ 200 مليون ريال لاستكمال بناء مقرات لها في مختلف مناطق المملكة.

وكان المشروع الضخم والفريد من نوعه لتطوير الجسر ومنطقة الجمرات الأهم والأبرز في منظومة الأمن والسلامة لحجاج بيت الله الحرام بمشعر منى بتكلفة نحو أربعة مليارات ريال حيث دشن رحمه الله المرحلة الأولى من تطوير جسر ومنطقة الجمرات.
ويتكون جسر الجمرات الجديد من أربعة أدوار إضافة إلى الدور الأرضي والسفلي تحت مستوى الأرض ويشغل حجم جسر الجمرات حوالي كيلو مترا واحدا وتبلغ الطاقة الاستيعابية لرمي الجمرات في كل مستويات الجسر حوالي خمسة ملايين حاج في اليوم الواحد.
كما صدرت موافقة الملك الراحل على تنفيذ مشروع لتوسعة الساحات الشمالية للمسجد الحرام وستكون مجمل المساحة المضافة إلى ساحات المسجد الحرام بعد تنفيذ مشروع التوسعة 300 ألف متر مسطح تقريبا مما يضاعف الطاقة الاستيعابية للمسجد الحرام ويتناسب مع زيادة أعداد المعتمرين والحجاج ويساعدهم في أداء نسكهم بكل يسر وسهولة.
وحرصا منه رحمه الله على راحة الحجاج والمعتمرين أمر خادم الحرمين الشريفين بتوسعة المطاف حيث سيتسع المطاف بعد تنفيذه بمشيئة الله تعالى ل130 ألف طائف بدلا من 52 ألفا طائف وستحافظ التوسعة على الرواق العباسي القديم وتتعامل معه بما لا يتعارض مع زيادة الطاقة الاستيعابية للمطاف ويستغرق تنفيذ المشروع ثلاث سنوات.
ولم يقتصر الأمر على الحرم المكي الشريف فقد أولى رحمه الله عناية خاصة بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خلال زيارته الميمونة للمدينة المنورة حيث وضع حجر الأساس لتوسعة الساحات الشرقية والمظلات للمسجد النبوي الشريف وتبلغ تكاليف استكمال الأعمال المتبقية من مشروع توسعة المسجد النبوي نحو أربعة آلاف و700 مليون ريال تشمل تركيب مئة واثنتين وثمانين مظلة تغطى جميع ساحات المسجد النبوي لوقاية المصلين والزائرين من وهج الشمس ومخاطر الأمطار خاصة حوادث الانزلاق وتكون هذه المظلات مجهزة بأنظمة لتصريف السيول وبالإنارة وتفتح آليا عند الحاجة.
وفي شهر رمضان 1431 هجري رعى رحمه الله حفل تدشين مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لسقيا زمزم الذي وجه بإنشائه في منطقة كدي بمكة المكرمة لضمان نقاوة مياه زمزم بأحدث الطرق العالمية إلى جانب تعبئته وتوزيعه آليا وبلغت كلفة المشروع 700 مليون ريال فيما بلغت الطاقة المركبة لمحطة التصفية خمسة ملايين لتر يوميا وتبلغ الطاقة التخزينية للعبوات المنتجة 200 ألف عبوه يوميا وتبلغ المساحة الكلية للمصنع 405ر13 أمتار مربعة.
وعلى المستويين العربي والدولي سجل الملك عبدالله بن عبدالعزيز تغمده الله بواسع رحمته نجاحات متتالية جعلته يحظى باحترام وتقدير العالم أجمع وليس أدل على ذلك من المصالحة الخليجية التي رعاها في الرياض لرأب الصدع الخليجي وعودة اللحمة بين دول المجلس وتعزيز مسيرة التعاون بين الخليجيين بما يكفل بعون الله تعالى تحقيق الخير لجميع شعوبها.
وذهب الملك عبدالله بن عبدالعزيز في أبعاد استراتيجيته القيادية إلى البعد الإنساني الذي عبر فيه عن اهتمامه غفر الله له بمساعدة المنكوب وإغاثة الملهوف دون النظر إلى جنسه أو ديانته إيمانا بالمبدأ الشرعي الذي يحث على فعل الخير في كل مكان بغية عكس صورة الإسلام الحقيقية الذي يدعو للخير وينبذ الشر فسيرت المملكة قوافل الإغاثة والإنقاذ حيثما وقعت كوارث طبيعية أو غير طبيعية وجعل في أولوياتها إغاثة المسلمين في فلسطين والعراق وسوريا وباكستان وغيرها من البلدان المحتاجة.
وعربيا أعلن رحمه الله دعمه للاستقرار في كل من مصر واليمن والعراق وتونس وسوريا وكان قد دعا في مؤتمر القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية (قمة التضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة) التي عقدت في الكويت عام 2009 تجاوز مرحلة الخلافات بين العرب وأسس لبداية مرحلة جديدة في مسيرة العمل العربي المشترك تقوم على قيم الوضوح والمصارحة والحرص على العمل الجماعي في مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل.
وقدم الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله عندما كان وليا للعهد تصورا للتسوية الشاملة العادلة للقضية الفلسطينية من ثمانية مبادئ عرف باسم (مشروع الأمير عبدالله بن ‌عبدالعزيز للسلام) قدم لمؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002 وقد لاقت هذه ‌المقترحات قبولا عربيا ودوليا وتبنتها تلك القمة وأضحت مبادرة سلام عربية أكدتها القمم العربية اللاحقة.
وعندما حدث خلاف بين الفلسطينيين سارع رحمه الله بتوجيه الدعوة لأشقائه قادة فصائل الفلسطينية لعقد لقاء في رحاب بيت الله الحرام بمكة المكرمة لبحث أمور الخلاف بينهم بكل حيادية ودون تدخل من أي طرف والوصول إلى حلول عاجلة لما يجري على الساحة الفلسطينية وتوجت تلك الاجتماعات باتفاق مكة الذي أعلن في قصر الصفا بجوار بيت الله الحرام في العشرين من شهر محرم 1428 هجري.
واستمر رحمه الله في جهوده للم الشمل العربي حيث تم في الثاني من شهر مايو 2007 في الرياض التوقيع على اتفاق ثنائي لتطوير وتعزيز العلاقات بين جمهورية السودان وجمهورية تشاد وفي شهر رمضان عام 1428 هجري رعى في جدة الجلسة الختامية لمؤتمر المصالحة الوطنية الصومالية كما حرص دوما على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية والإسلامية الأخرى والإسهام في تنمية المجتمعات العربية وتطويرها عبر وسائل الدعم والمساندة المباشرة وغير المباشرة وبمختلف أشكالها واستمر العطاء دون انقطاع حتى وفاته رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*