هل بدأ مستوى انخفاض الإيجارات بشكل «حقيقي» وهو ما ينقب عنه المستأجرون في المناطق كافة؟ أم أنها مجرد «سحابة صيف وستنقشع» وما تلبث أن تتوقف قبل أن ترتد إلى مواقعها السابقة، وربما صعوداً مجدداً في قادم الأيام؟
العقاريون والمراقبون للسوق على مذاهب شتى، منهم من يرى أن الهبوط أصبح واقعا فعليا وعلى مالكي العقارات التعامل والتكيف معه تدريجيا لضمان أقل الخسائر، خاصة من عليهم التزامات مالية تجاه البنوك واقترب وقت سدادها، وفريق آخر يقول إن الهبوط الحاصل في قيمة الإيجارات مجرد كبوة جواد وسحابة صيف وستعود العجلة للدوران من جديد.
بين هذا وذاك هناك فئة كبيرة من مالكي العقارات السكنية ربما لم تأخذ بعين الاعتبار مواقع بعض العقارات وتدني قدرتها التنافسية، بمعنى أن بعضهم وخاصة مالكي البنايات الجديدة تحديدا كان قد حدد قيمة إيجاراته بناء على المستوى العام للمنطقة أو الشارع الذي يقع فيه عقاره، متناسيا أن مساحة الوحدات الاستثمارية في عقاره الجديد تختلف عن مساحات العقارات القديمة المحيطة به، لذا فهو بات منخدعا بالأسعار التي حددها لوحداته الجديدة بل الكثير منهم مازال متمسكا بالقيمة الإيجارية العالية رغم هبوط من حوله وهو يراه ويشاهده بأم عينه، الأيام المقبلة بلا شك ستجيب عن كثير من تساؤلات كلا الطرفين وستضع النقاط على الحروف لمالكي الوحدات والمستأجرين علي حد سواء.
بداية، قال الخبير والمقيم العقاري، رئيس مجلس الإدارة في شركة القرين القابضة نبيل الحصيني إن من أبرز مسببات تأثر قطاع العقارات، رفع البنك الكويتي المركزي لسعر الخصم، بالتزامن مع رفع الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة للعمليات الرئيسية للبنك 25 نقطة أساس لأول مرة هذا العام، (من 2.50 إلى 2.75 %)، نتيجة ارتفاع كلفة الاقتراض، مما قد يدفع إلى ركود ربما يكون محدودا، لكن هذا التأثير سيكون على المديين المتوسط والبعيد.
انكماش النمو
وأوضح الحصيني أن ارتفاع أسعار الفائدة يضغط سلبياً على المجال الائتماني للعقار والتسهيلات المالية جميعها؛ بسبب ارتفاع كلفة الاقتراض مما سيؤدي إلى انكماش في النمو العقاري بمختلف أشكاله ما سيدفع المبيعات العقارية للتراجع، والتي بدورها ستؤدي إلى انخفاض أسعار العقارات.
وأعتقد أن تأثير رفع الفائدة سيضر في المقام الأول قطاع العقارات، لأن القرار يؤثر على سيولة الأفراد والمشتري من فئة الأفراد، وهم الشريحة الأكبر، فإذا شحت السيولة فسيقل الطلب وتبدأ مرحلة الركود، أما على مستوى مبيعات العقارات التي تعاني تباطؤاً، حيث أظهر تقرير محلي تراجع مبيعات سوق العقار الكويتي بـ 40% خلال فبراير الماضي على أساس سنوي، لتصل إلى 170 مليون دينار.
مؤشرات راهنة
وتابع بقوله «من خلال متابعة المؤشرات الراهنة تتراوح العوائد على العقارات الاستثمارية بين 6 و7.5 في المئة، في حال ارتفاع الفائدة سريعاً سترتفع تكلفة خدمة الدين، ما قد يترتب عليه خروج جانب من رؤوس الأموال من هذا القطاع، لترتفع المخاطر التي تحيط بحركة تلك السيولة « .
أسعار الإيجارات في الكويت لن ترتفع مرة أخرى في القريب، كل المؤشرات في السوق تدل على هبوط في الإيجارات بدءاً من المنطقة العاشرة وامتداداً إلى المناطق الداخلية المزدحمة بالوافدين، «مئات» الشقق خالية وتبحث عن مستأجرين.
وبين الحصيني أن هبوط الإيجارات زحف من المنطقة العاشرة إلى الفر وانية والسالمية وحولي، مئات الشقق خالية تبحث عن مستأجرين ما تسبب في تراجع الإيجارات، هناك مقترحات تتداول في السوق ترى ضرورة تجديد عقد الإيجار سنوياً، مع تحديد سقف للزيادة كما في دبي.
تخوف المستثمرين
من جانبه، يرى مدير عام شركة أوتاد العقارية محمد حمود الهاجري أن من أبرز أسباب النزول في قيمة الإيجارات منها كثيراً من العوائل الوافدة تسافر حالياً إلى موطنها خلال الصيف أو بشكل دائم هرباً من الغلاء، وثانياً تخوف المستثمرين العقاريين من شراء العقار الاستثماري، حيث إن من يمتلك عقاراً استثمارياً الآن اتجه إلى بيعه – وهم كثر حالياً – وثالثاً يوجد مستثمرون في السوق ممن يطلق عليهم «اضرب واطلع» كمضاربين – وهم تجار الأسهم – تملكوا عقارات استثمارية ويتخارجون الآن منها، وهذه العوامل أدت إلى هبوط في الإيجارات الاستثمارية بشكل كبير.
من جانب آخر، فإن أسعار النفط إن استمرت في الانخفاض، فإنها ستترك آثارا سلبية على واقع الحياة الاقتصادية، فيما لاتزال آثارها غير واضحة مع الوفرة المالية والفوائض التي تغطي تلك الآثار، أضف إلي ذلك العقار الاستثماري سيصبح أمام ضغوطات إضافية في حال ارتفاع الفائدة على الدينار، إذ إن بعض المستثمرين اشتروا عقارات بأسعار معينة بتمويل مصرفي، وإذا ما ارتفعت الفائدة فإن عائدهم يصبح سلبياً، ما قد يشجع التخارجات تجنباً لأي مخاطر.
القيمة الإيجارية
وأردف قائلا: «التشطيب عالي الجودة والمستوى، مع ارتفاع قيمته، من شأنه أن ينعكس على قيمة العقار سواء من حيث القيمة الإيجارية او من حيث قيمة المبيع، والمستثمر من حقه أن يحمل تكاليف بنائه على المشتري او المستأجر لأن قيمة العقار ستنخفض إلى ما دون مستواها الحقيقي إذا خفضت الأسعار، فالأرض قيمتها تعادل ثلثي قيمة العقار بالكامل».
وقال الهاجري إن أسعار النفط لم تنعكس حتى الآن على الاقتصاد الكويتي بقطاعاته كافة في ظل الوفرة والفوائض المالية في الجانبين العام والخاص.
وأردف: هناك تطمينات كثيرة بأن أسعار النفط لن يؤثر انخفاضها على الاقتصاد المحلي بقطاعاته كافة الصناعية والزراعية والعقارية والخدمية والمصرفية وغيرها، هذا الانخفاض من شأنه أن يترك آثاره واضحة وجلية في حال استمر لفترة طويلة على القطاعات كافة أيضا.
وأكد الهاجري أن الطلب على تأجير الشقق السكنية تراجع بواقع 40-45 في المئة عن العام الماضي، ما يجعل الشركات المالكة للعقارات الاستثمارية في تخوف من هذا الشأن الذي يهدد الاستمرار في القيمة الإيجارية الحالية.
قانون الكهرباء
بدوره، قال رئيس اتحاد وسطاء العقار عبدالرحمن الحبيب إن تفعيل قانون زيادة أسعار الكهرباء والماء اعتبارا من شهر مايو 2017 على العقار التجاري أولا ثم في أغسطس 2017 على العقار الاستثماري، سيكون لتلك الزيادة تأثير كبير على قطاع العقار في الكويت، حيث سترتفع التكلفة على العقار التجاري بنسبة 1150 %، بحسب اتحاد العقاريين، فيما ستكون الزيادة على العقار الاستثماري بنسبة 230 %، وهذا الأمر سيخلق ضغوطا كبيرة على العقارين الاستثماري والتجاري، ملاكا ومستأجرين، حيث ستكون الحلول قليلة أمام الملاك لكيفية التعامل مع هذا الواقع الجديد، خصوصا أن العادة درجت أن يتحمل الملاك تكاليف الكهرباء والماء.
ولا شك في أن العوائد ستنخفض كثيرا إذا تحمل الملاك وحدهم التكاليف، بينما ستكون هناك ضغوط تضخمية في حال انعكست الزيادة على المستأجرين.
«الرهن العقاري»
وأضاف الحبيب: نتوقع أن يرى مشروع قانون الرهن العقاري النور في العام المقبل، حيث ينتظر أن يحقق هذا المشروع في حال عبوره من مجلس الأمة نقلة نوعية في القطاع العقاري بشكل عام، والعقار السكني للمواطنين بشكل خاص.
والرهن العقاري هو منتج جديد سيسمح للمواطنين بالاقتراض من البنوك المحلية لفترات طويلة الأجل (قد تمتد الى 30 سنة) على أن يرهن البنك الأرض كضمانة مصرفية، وهو أمر قد يؤدي إلى تسارع وتيرة إقراض المواطنين لإنجاز بيوتهم وتقليل فترات الانتظار،حيث هناك اكثر من 100 الف طلب سكني ينتظر الرعاية الحكومية في تأمين منزل.
كما سيخلق هذا المنتج فرصة استثمارية كبيرة للمطورين العقاريين في السوق المحلية، وينشط أعمال كثير من الشركات المطورة، لافتا إلي أن العديد من التقارير نوهت بأن حركة بيع وشراء العقارات فقدت في الربع الثاني من العام الحالي نحو 31 بالمئة من قيمتها، مقارنة بالفترة المقابلة من 2016، قيمة عمليات البيع والشراء انخفضت في القطاع الاستثماري الذي يمثل وحدات الإقامة للوافدين عادة بنسبة 45 في المئة، وفي القطاع السكني الذي يغلب المواطنون على سكانه بنسبة 31 في المئة.
توجه حكومي
وهناك أسباب عديدة تقف وراء الموجة الجديدة من التراجع في أسعار العقارات، والإيجارات من أهمها هبوط أسعار النفط العالمية، وما صاحبه من توجه حكومي نحو التقشف، ما أثر سلبا على قطاعات عديدة في المجتمع، وهناك أيضا إجراءات فرضها بنك الكويت المركزي منذ 2013 قلصت قدرة الأفراد للحصول على تمويل ومجلس الأمة اقر تشريعا يسمح فيه للحكومة بزيادة أسعار الكهرباء والماء على الوافدين والشركات التجارية بشكل أساسي، كما وافق مجلس الوزراء على رفع أسعار البنزين بنسب تصل إلى 83 في المئة للبنزين عالي الجودة اعتبارا من أول سبتمبر 2016.
وأنهى الحبيب بقوله «هناك توقعات بهبوط السوق العقاري والذي سيكون أكبر خلال العامين المقبلين، لاسيما بعد أن تدخل السياسات الجديدة لخفض الدعم حيز التنفيذ، وهو ما سيجبر أعدادا لا بأس بها من الوافدين على الرحيل أو على الأقل إعادة عائلاتهم إلى بلدانهم والبقاء في الكويت بأقل كلفة ممكنة».
تكاليف عالية
من جهته، أكد أمين عام اتحاد العقاريين، احمد الدويهيس، أن هبوط القطاع العقاري ينعكس الآن على أسعار العقارات، والأراضي وإيرادات العقارات، وزاد «اليوم الوافد صارت حسبته مختلفة.. الوافد المصري على سبيل المثال عندما يحسب سعر الدينار مقارنة بالجنيه سيجد أنه من الأوفر له أن يرسل أسرته (لبلده)، لأن التكاليف صارت عليه عالية، هذه كلها عوامل مؤثرة على عملية العرض والطلب على العقار.
وتوقع الدويهيس أن تكون هناك ضغوط على الطلب تؤدي لهبوط الأسعار، ومن ثم تقليل قيم العقارات، مشيرا إلى أن كثيرا من العقارات الاستثمارية هي بالأساس مرهونة لبنوك مقابل قروض حصل عليها مالكوها «بيعت أراضٍ بأسعار فيها خصومات وصلت حتى 30 في المئة بمناطق حيوية مثل حولي، وهذا معناه أن الأمور بدأت تأخذ منحى الانحدار».
وقال إن انخفاض العقار الاستثماري سينتقل بالضرورة إلى باقي أنواع العقار، لأن المستثمر سيلجأ إلى تسييل بعض محافظه من أجل الوفاء بالتزاماته تجاه البنوك، وهو ما سيسبب ربكة في السوق، ارتفاع أسعار العقار خلال الفترة الماضية بشكل كبير جاء بسبب هجرة الاستثمارات من البورصة التي تراجعت كثيراً منذ الأزمة المالية العالمية في 2008 وبسبب تدني العائد على ودائع البنوك، قد نشهد خلال الفترة المقبلة حركة تصحيح في السوق قد تطال مستوي الإيجارات خاصة للشقق السكنية.
سحابة الصيف
ويعتقد الدويهيس أن الهبوط الحالي في أسعار الإيجارات مجرد سحابة صيف ستنقشع مع نهاية موسم العطلات الصيفية، رغم التراجع في قيم العقارات وإيجاراتها في كل المناطق بنسب تتراوح بين 1-12 %، وليس منطقة بعينها، وهو مرتبط بالحالة العامة للاقتصاد الكويتي الذي يشهد تراجعا منذ فترة، وذلك بالتزامن مع هبوط أسعار النفط. مبينا أنه لا توجد حتى الآن مؤشرات قوية تعزز القول بأن هناك ارتفاع وارتداد قوي في قادم الأيام علي صعيد الايجارات واسعار العقار بصفة عامة ، لاسيما في حال تراجع الإنفاق الحكومي وفرض رسوم على الوافدين كما حدث مؤخرا في السعودية، منوها بأن التراجع في السوق العقاري ربما ينذر بأن الأمور ستكون أسوأ بكثير، ولا أعتقد أن الأمور ستستقيم كثيرا لان المستثمر يريد أن يتأكد أن العائد يأتي بشكل منتظم، وأن الدخول في المشاريع بعيد عن المخاطرة، ويريد أن تكون البيئة فيها أمان ودعم أكبر، وهذا كله غير وارد في الوقت الحالي بالكويت، خاصة في حال الالتزام بسداد اقساط منتظمة للبنوك مقابل قروض تم الحصول عليها خلال فترة البناء.
وأنهى بقوله «توجد مسببات سلبية على أسعار العقار بمختلف أشكاله وتلعب دورا محورياً في التأثير العكسي على مستوى الأسعار، منها على سبيل المثال عدم الدراية والتخصص في أسعار السوق وحركته مما يضع الكثير من المعلومات المغلوطة في متناول الأفراد أو المتداولين ، فضلا عن احتكار الأراضي الفضاء من قبل الحكومة».
ملاذ آمن
من ناحيته، أكد رئيس مجلس ادارة شركة المستثمر العقاري عبدالرحمن الحمود أن العقار ورغم ما لحق به من هبوط لايزال يمثل «ملاذا آمنا» للمستثمر الكويتي، وذلك لأنه يمنحه في حدود 7 إلى 8 في المئة عائدا على رأس المال، في وقت تشهد فيه سوق الأسهم هبوطا مضطردا في ظل ضعف العائد على ودائع البنوك، وغياب الاستثمار الزراعي والصناعي تقريبا.
نعم هناك انخفاض في قيمة العقارات وحجم السيولة المتجهة للقطاع العقاري، كما أن هناك انخفاضا أيضا في التداولات العقارية، لكن الأمر لم يصل بعد للقيمة الإيجارية وعائد العقار الاستثماري أصبح حاليا عند نحو 5 في المئة سنويا، في حين أن عائد البنوك في حدود 2 في المئة وكلاهما لا يعتبر عائداً جاذباً للمستثمر في الوقت الراهن.
في ظل هذا التراجع يفضل كثير من المستثمرين البحث عن فرص في الخارج، لاسيما في ظل الهبوط المستمر للبورصة ومحدودية الاستثمار في القطاعات الأخرى، غالبية المستثمرين سيفضلون التوجه باستثماراتهم نحو دول أكثر أماناً واستقراراً مثل بريطانيا وأميركا، لكن الفرص العقارية في الخارج تعتبر ذات مخاطر عالية أيضا.
فرض بنك الكويت المركزي منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية عدة قواعد على التمويل الموجه للقطاع العقاري للحد من المضاربات التي أدت لارتفاع كبير في الأسعار القيود التي فرضها البنك المركزي على التمويل العقاري في السنوات الماضية أدت إلى تراجع عمليات تداول العقار، لاسيما تخفيض نسبة القرض أو التمويل العقاري الذي يمكن أن يحصل عليه المواطن من 75 في المئة من قيمة العقار، إلى 50 في المئة فقط.
تحمل الوضع
ولفت الحمود إلى أن كثيرا من ملاك العقارات الاستثمارية عليهم التزامات تجاه البنوك، وهو ما يحد من قدرتهم على تحمل وضع الركود.
الخلاصة «القيمة الايجارية الحالية في السوق بدأت تهبط في كثير من المناطق فمثلا إيجار الشقة المكونة من غرفة وصالة تراجع من 230 ديناراً في بعض المناطق المكتظة بالوافدين إلى 210 دنانير، والشقة المكونة من غرفتين وصالة من 370 ديناراً إلى 340، هذا يعتبر تراجعاً ينذر بهبوط أكبر».
بعض الشركات العقارية لديها ما يقارب من 80 شقة في عقارات جديدة تبحث عن مستأجرين لها بالسعر السوقي، لكن السوق يشهد ركوداً حالياً، وهناك بنايات مجاورة خفضت ايجاراتها لتسكين مساحاتها، إدارة الشركة ستتجه لتخفيض القيمة الايجارية لمجاراة السوق لضمان اقل الخسائر في حال استمرار الهبوط لما بعد فصل الصيف.