تمرّ اليوم الاثنين 21 أغسطس الذكرى الثامنة والأربعين على إحراق المسجد الأقصى المُبارك، وذلك في الحادي والعشرين من أغسطس عام 1969، حيث أقدم المتطرف اليهودي مايكل دينس روهن على إشعال النار في الجناح الشرقي للمسجد الأقصى، وأكلت النيران على كامل محتويات الجناح، بما في ذلك منبره التاريخي المعروف بمنبر صلاح الدين، فيما هدد الحريق قبة المسجد الأثرية المصنوعة من الفضة الخالصة.
ومن ضمن المعالم التي تضررت بفعل هذا الحريق، مسجد عمر الذي كان سقفه من الطين والجسور الخشبية، ويمثل ذكرى دخول عمر بن الخطاب إلى مدينة القدس وفتحها، إضافة إلى تخريب محراب زكريا المجاور لمسجد عمر، ومقام الأربعين المجاور لمحراب زكريا، وثلاثة أروقة من أصل سبعة أروقة ممتدة من الجنوب إلى الشمال مع الأعمدة والأقواس والزخرفة، وجزء من السقف الذي سقط على الأرض خلال الحريق، وعمودي مع القوس الحجري الكبير بينهما تحت قبة المسجد، و74 نافذة خشبية وغيرها.
كما تضررت أجزاء من القبة الداخلية المزخرفة والجدران الجنوبية، وتحطمت 48 نافدة في المسجد مصنوعة من الجبص والزجاج الملون، واحترقت الكثير من الزخارف والآيات القرآنية.
وما زالت ذاكرة الشيخ عكرمة صبري، تختزن جيدا مشاهد ألسنة الحريق، وهي تتصاعد من المسجد الأقصى في مدينة القدس، وصدح مكبرات صوت المسجد، بدعوة السكان للمساعدة في إطفائه.
ويقول الشيخ صبري، وهو خطيب المسجد الأقصى، لوكالة «الأناضول» التركية: «كانت الساعة قرابة السابعة صباحا من يوم 21 من أغسطس 1969، شاهدنا من بعيد ألسنة النيران وهي تتصاعد من منطقة المنبر في المسجد القِبْلي المسقوف، وبالتزامن كانت مكبرات في المسجد تستنجد بالناس».
في حينه، كان صبري يعمل مدرسا في ثانوية الأقصى الشرعية، الموجودة داخل المسجد، ولكن نظرا لأن الحريق كان في أغسطس فقد كانت المدرسة في عطلتها الصيفية.
وقال صبري، الذي يشغل أيضا منصب رئيس الهيئة الإسلامية العليا: «ركضنا إلى المسجد رجالا وشيوخا ونساء وأطفالا للمشاركة في إطفاء الحريق .. كان المشهد مروعا إذ أن النيران كانت تتسع بسرعة في المسجد».
وأضاف: «بداية تمت محاولة إطفاء الحريق بطرق بدائية، حيث اصطف الناس في صفوف لنقل التراب في محاولة لإطفاء الحريق، الذي أتى بداية على منبر صلاح الدين الأيوبي…كان الناس ينقلون التراب والمياه من رجل إلى آخر وصولا إلى منطقة الحريق».
وتابع:» كان الناس غاضبون، كانوا ينقلون التراب وهم يهللون ويكبرون ويبكون على الأقصى ويهتفون ضد الاحتلال الإسرائيلي».
وأشار الشيخ صبري إلى إن الوضع استمر على هذا الحال، حتى وصول سيارات الإطفاء من مدن الخليل وبيت لحم (جنوبي الضفة الغربية) ورام الله (وسط الضفة) علما بأن سلطات الاحتلال الإسرائيلي عرقلت وصول سيارات الإطفاء، حسب تأكيده.
وقال : «حين وصول سيارات الإطفاء كانت النيران قد أتت على الجزء الشرقي من المسجد، سقفه وأروقته ونوافذه، إضافة إلى المنبر والمحراب والسجاد والمصاحف».
وأشار إلى أن الهيئة الإسلامية العليا (غير حكومية) عقدت في نفس يوم الحريق، مؤتمرا صحفيا وجهت فيه الاتهام إلى السلطات المحتلة بالمسؤولية عن الحادث.
وقال: «عند صلاة العصر، حمل السكان ما تبقى من منبر صلاح الدين المحترق وتظاهروا ضد الاحتلال الإسرائيلي».
آنذاك تم توجيه الاتهام إلى مايكل روهان، اليهودي، استرالي الجنسية، بالمسؤولية عن إضرام الحريق، حيث تم إلقاء القبض عليه من قبل السلطات الإسرائيلية.
ولكن الشيخ صبري أشار إلى أن من قاموا بالحريق هم أكثر من شخص.
وقال: «كانت المواد شديدة الاشتعال، هذه مواد لم تتوفر في الأسواق، ولم تكن بحوزة أفراد، هذه المواد لا توجد إلا لدى الجيوش والدول، وبالتالي فان سلطات الاحتلال هي المخططة للحريق وهي التي زودت المجرمين لتنفيذ جريمتهم، وان الذين قاموا بالجريمة هم مجموعة وليس شخصا واحدا».
وأضاف: «لكن الذي أُلقي القبض عليه هو واحد، وهو المدعو مايكل دينيس روهان، وقيل انه استرالي الجنسية، فان كان هو استراليا بمعنى انه اجنبي، فكيف حصل على هذه المواد، ولماذا جاء للتنفيذ؟، ومعنى ذلك أن الأمر خُطط له ودُفع لأن يقوم بهذه الجريمة النكراء».
وتابع الشيخ صبري: «الذي يؤكد أيضا على أن الذين قاموا بالعمل اكثر من شخص أن مواقع الحريق كانت متعددة، ولكن المجرم بدأ باستهداف المنبر الذي يرمز إلى تحرير مدينة القدس».
لاحقا، قضت محكمة إسرائيلية بعدم أهلية روهان العقلية، قبل أن تبعده إلى أستراليا عام 1974، وأعلنت وسائل إعلام استرالية وفاته عام 1995.
وعلى مدى سنوات طويلة، انشغلت طواقم دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية، بعمليات ترميم واسعة للمسجد.
واعتبرت الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات اليوم الاثنين، بمناسبة الذكرى الـ 48 لحريق «الأقصى»، الجرائم والاقتحامات اليومية وما تمارسه سلطات الاحتلال من تهويد بإقامة البؤر الاستيطانية وحفر الانفاق ومنع المصلين هو استمرار للجريمة الكبيرة والتي تمثلت بحرق المسجد المبارك.
وأشارت الهيئة في بيانها إلى أن نيران الحريق ما زالت مستعرة في قلب كل مسلم غيور لن يخمده إلا تحرير القدس وعودة المسجد الأقصى للأمة الإسلامية.
من جهته، قال الأمين العام للهيئة الدكتور حنا عيسى: «إن إحراق المسجد الأقصى المبارك كان البداية لمخطط شامل وخطير لتهويد المسجد والاستيلاء الكامل عليه، لتتبين خيوط المؤامرة بشكل علني وصريح من خلال الدعوة لفتح بوابات المسجد أمام اليهود وتقسيمه زمانياً ومكانياً، ومحاولة فرض البوابات الالكترونية على بواباته، معتبراً جريمة حرق المسجد المبارك ليست الجريمة الوحيدة بحق المسجد والاعتداء على حرمة المقدسات ودور العبادة في القدس الشريف، بل كان جزءاً من مخطط تهويدي كبير يستهدف مدينة القدس بأكملها دون اعتبار لحرمة المقدسات الاسلامية والمسيحية فيها».
وأضاف: «أن الجريمة بحق المسجد الأقصى وباقي المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس المحتلة مستمرة باختلاف مسمياتها وتفاصيلها، حيث إن الهدف الذي سعت إلى تحقيقه سلطات الاحتلال الإسرائيلي والمتطرفين فيها ما زالت تعمل على تنفيذه على قدم وساق لهدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه، وتهويد المدينة المقدسة وصبغها بطابع يهودي غريب عن عروبتها وقدسيتها، ناهيك عن تهجير سكانها المقدسيين وتوطين المستوطنين فيها.»
وقال الشيخ محمد حسين مفتي القدس : إن حريق المسجد الاقصى ما زال نستمرا حتى اليوم.
من جانبه قال سفير جيبوتي لدى المملكة العربية السعودية، ضياءالدين بامخرمة، حريق المسجد الأقصى شرارة مازالت حرائقها ملتهبة تستهدف تمزيق كيان أمة وبث الفتن بين شعوبها حتى يحقق الإرهابي الجاني مبتغاه بإزالة المقدسات.
الجدير بالذكر أن الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى لم تتوقف منذ وقوعه تحت الاحتلال في يونيو 1967 وحتى اليوم، وفيما يلي أبرز هذه الاعتداءات:
7يونيو 1967: احتلال المسجد الأقصى .
21 أغسطس 1969: إحراق المسجد الأقصى على يد اليهودي الأسترالي مايكل دينس روهان.
11 أبريل 1982: جندي إسرائيل يطلق النار بشكل عشوائي في المسجد ما أدى إلى مقتل فلسطينيين اثنين وإصابة 6 آخرين.
10 أكتوبر 1990: مقتل 21 فلسطينيا وإصابة 150 خلال تصدي لمحاولة جماعات يهودية وضع حجر الأساس للهيكل في المسجد.
25 سبتمبر 1996: افتتاح نفق أسفل الجدار الغربي للمسجد الأقصى، يوصل ما بين طريق الآلام، وساحة البراق، ما أدى إلى اندلاع هبة جماهيرية عمت الأراضي الفلسطينية استمرت عدة أيام قتل خلالها 63 فلسطينيا وأصيب 1600.
28 سبتمبر 2000: رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون يقتحم ساحات المسجد الأقصى، ليطلق شرارة انتفاضة الأقصى الثانية.
20 أغسطس 2003: الشرطة الإسرائيلية تفتح المسجد الأقصى من جانب واحد أمام اقتحامات المستوطنين رغم احتجاج دائرة الأوقاف الإسلامية.
6 فبراير 2007: السلطات الإسرائيلية تشرع بهدم طريق تلة المغاربة المؤدي إلى المسجد باب المغاربة في الجدار الغربي للمسجد ما أدى إلى مواجهات فلسطينية-إسرائيلية.
13 يونيو 2014: إصابة أكثر من 30 مصليا في ساحات المسجد الأقصى بعد احتجاجات على الاقتحامات الإسرائيلية لساحات المسجد.
13 أغسطس 2014: رئيسة لجنة الداخلية في الكنيست ميري ريغيف تعلن عن ضرورة «إتاحة إمكانية الصلاة في جبل الهيكل (التسمية اليهودية للمسجد الأقصى) لكل من يريد ذلك».
13 نوفمبر 2014: اجتماع ثلاثي في العاصمة الأردنية عمان بمشاركة العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لبحث تهدئة الأوضاع في المسجد الأقصى.
9 سبتمبر 2015: وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون يعلن حظر ما يعرف بتجمع «المرابطين والمرابطات»، في المسجد الأقصى.
13 سبتمبر 2015: تصاعد الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى بالتزامن مع مواجهات عنيفة بين الشبان الفلسطينيين وقوات الشرطة الإسرائيلية ما فجر الهبة الجماهيرية الفلسطينية مطلع شهر اكتوبر الماضي.
14 يوليو 2017: إغلاق المسجد بشكل كامل ومنع الصلاة فيه لمدة يومين كاملين ووضع بوابات الكترونية على مداخل المسجد الأقصى وجسور معدنية لتركيب كاميرات، لكن تمت إزالتها جميعا بعد احتجاجات فلسطينية غير مسبوقة في القدس استمرت نحو الأسبوعين.
27 يوليو 2017: الشرطة الإسرائيلية تهاجم الفلسطينيين الذين دخلوا المسجد الأقصى بهدف الاحتفال بإعادة فتحه، وبإزالة البوابات الالكترونية، ما أسفر عن إصابة العشرات.