توقع محللان نفطيان كويتيان اليوم الثلاثاء أن يدور سعر برميل النفط الكويتي في نطاق ال 50 دولارا أمريكيا خلال الأشهر المقبلة مدعوما بتحسن اساسيات السوق النفطية وابرزها العرض والطلب.
واتفق المحللان في تصريحين منفصلين على أن أسواق النفط تسير في اتجاه تصاعدي للاسعار مع حدوث استقرار نسبي نتيجة عدة عوامل ابرزها الالتزام باتفاق خفض الانتاج بين اعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وكبار المنتجين من خارجها.
وقال المحلل النفطي ومستشار اقتصادات الطاقة في مركز (استشراف المستقبل للاستشارات والدراسات) محمد الشطي، ان أسعار النفط الخام الكويتي شهدت تعافيا ملحوظا خلال الاشهر الثلاث الماضية حيث بلغت 2ر44 دولار للبرميل في يونيو و9ر45 دولار في يوليو و5ر48 دولار في اغسطس.
واضاف ان سعر النفط الكويتي وصل خلال الأيام الاولى من سبتمبر الجاري الى 5ر50 دولار للبرميل مسجلا اتجاها تصاعديا واضحا “يشير الى اننا امام تعاف مستمر وان موجة التعافي تشير الى تحسن في اساسيات السوق النفطية باتجاه استعادة توازن اختلال أسواق النفط الذي بدأ في النصف الثاني من عام 2014”.
واوضح ان هناك عددا من التحولات أسهمت بشكل واضح في ايجاد اجواء ايجابية والتي جاءت نتيجة لعدة امور منها اتفاق خفض الانتاج خلال مؤتمر الجزائر الذي عقد في نهاية العام الماضي والتغير في استراتيجية منظمة (اوبك) للتعاون مع منتجين آخرين من خارجها بهدف سحب الفائض في المخزون النفطي وعودته في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الى مستويات طبيعية.
وذكر ان هذه الاستراتيجية هدفت الى سحب 8ر1 مليون برميل يوميا من النفط الخام بداية من شهر يناير 2017 وحتى نهاية شهر مارس 2018 للمساعدة في توازن الاسواق واستقرارها مشيرا الى ان (اوبك) والمنتجين من خارجها نجحوا في ذلك من خلال رفع نسب الالتزام باتفاق خفض الانتاج عند نسب عالية تقترب من 100 في المئة وهو ما اسهم بشكل واضح في دعم أسعار النفط.
وبين الشطي ان من بين الامور التي اعادت للسوق بعض التوازن ايضا تغير اجواء التنافس والإنتاج في السوق العالمي ووضع استراتيجية اكثر مسؤولية تجاه السوق واستقرار الاسعار للمصلحة العامة.
ولفت الى انه من الخطوات المهمة ايضا تعاون كل من روسيا والمملكة العربية السعودية وهما اكبر منتجين للنفط في العالم ودعمهما وتعاونهما بشكل ملحوظ لاستقرار الاسواق حيث كان ذلك عاملا مهما في إعطاء مصداقية لاتفاق خفض الانتاج وطمأنة الاسواق.
واشار الى ان الجهود التي بذلت لتمديد اتفاق التعاون لخفض الانتاج بين (اوبك) والمنتجين اكدت ان (اوبك) جادة في استعادة توازن السوق وان تحالف المنتجين مستمر.
واعتبر ان خفض واردات الولايات المتحدة من النفط الخام من دول الاوبك من 6ر3 مليون برميل يوميا في يناير 2017 الى 3ر3 مليون برميل يوميا في يونيو الماضي كان احد اسباب الاستقرار في الاسواق وتحسنها.
وحول تباطؤ وتيرة ارتفاع انتاج النفط الامريكي التي جاءت نتيجة للتباطؤ في زيادة عدد منصات وأبراج الحفر وإعصار هارفي الذي اثر على مصافي النفط الامريكية اكد الشطي أن ذلك كان عاملا مهما لدعم الاسعار اضافة الى خفض المخزون النفطي الامريكي لتسعة أسابيع متواصلة ما اسهم في تحول اجواء السوق ونشاط المضاربين والمستثمرين وحدوث ارتفاع ملحوظ في أسعار النفط.
واشار الى ان من الاسباب التي دعمت الاسعار ايضا تعهد المنتجين برفع مستوى التزامهم الى 100 في المئة خلال الأشهر المقبلة والتزامهم باتفاق خفض الانتاج اضافة الى اسهام الخفض في الفائض النفطي في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بشكل ملحوظ في استعادة توازن السوق.
وبين انه من الاسباب الاخرى لدعم الاسعار عدم ثبات تعافي الانتاج في بلدان تعاني من اوضاع جيوسياسية استثنائية أسهمت في تقلبات في مستويات الانتاج مثل ليبيا ونيجيريا “وهذا أيضا دعم الاسعار لأن آفاق الزيادة محدودة ومقيدة فنيا وسياسيا كما ان اعلان نيجيريا استعدادها تثبيت الانتاج عند بلوغ وثبات الانتاج عند 8ر1 مليون برميل ساعد في ذلك”.
وذكر أن من الاسباب الاخرى ايضا تعافي مستويات الطلب العالمي خلال النصف الثاني من هذا العام وكذلك توقعات ارتفاع الطلب الصيني على النفط اضافة الى إعصار هارفي الذي ادى الى توقف نحو ثلاثة ملايين برميل يوميا من طاقة التكرير وما تبع ذلك من تاثر أسواق العالم بالنسبة للدول التي تصدر الولايات المتحدة لها الجازولين والديزل.
وافاد بان ذلك اسهم في دعم أسعار الجازولين والديزل وهوامش أرباح المصافي ورفع معدلات تشغيل المصافي في آسيا واوروبا موضحا ان عودة بعض المصافي للعمل في الولايات المتحدة يساهم في دعم الطلب على النفط “وهو مؤشر إيجابي”.
ورأى ان كل تلك الاسباب تدعم استمرار حركة أسعار النفط الكويتي ضمن نطاق 44 الى 50 دولارا للبرميل خلال الأشهر المقبلة مدعوما بتحسن اساسيات السوق النفطية.
ومن جهته قال المحلل النفطي رئيس شركة (الشرق للاستشارات البترولية) الدكتور عبد السميع بهبهاني، ان “المراقب لمنحنيات اسعار النفط الآنية والمستقبلية للمؤسسات الاقتصادية خلال الاعوام الثلاثة الماضية يجدها في تقلبات ليس لها مثيل من قبل”.
ورأى ان منظمة (أوبك) تسببت في ذلك منتصف عام 2014 عندما قررت ترك التحكم في السوق على غير عادتها بحجة “ان ترك الفائض النفطي يقلل من الاستثمار في النفط الصخري الذي اضحى يهدد انتاج النفط التقليدي”.
واضاف ان”هذا الخلل في الانتاج سبب تراكما في المخزونات النفطية حيث وصل الى حد الاستثمار من قبل دول (أوبك) في بناء مخازن عملاقة طافية وفوق الارض في البلدان الاكثر استهلاكا للنفط والتي من اهمها الصين واليابان وكوريا وسنغافورة”.
ولفت الى ان السوق فقد تأثره المباشر باساسيات السوق كالطلب وسعر الدولار والتقلبات الموسمية وسعر المواد الاستهلاكية “فأصبح العامل الاساسي المؤثر في تقديري اعلاميا بالدرجة الاولى والتي منها قرار اوبك في الخفض ومدى الالتزام به والمخزونات الامريكية وعدد حفاراتها”.
وتابع ان من العوامل التي لوحظ انها مؤثرة في الأسعار “تأثر المضاربين الصغار نفسيا بالمتغيرات مما افقد السوق مرونته فأثر ذلك بالتالي على المنتجين وشركات الاستثمار الكبرى”.
واكد بهبهاني ان اساسيات سوق اسعار النفط قادمة “لا محالة” فعمليات الاستثمار في الاستكشافات قلت بشكل ملحوظ واتجهت الشركات الكبرى الى تطوير ما لديها وبيع امتيازاتها الصعبة مما سيسبب نقصا حادا في المعروض خلال السنوات الخمس المقبلة “وحينها يكون نصيب الاسد في يد دول أوبك ذات النفط السهل”.
وقال ان هناك تضخيما في حجم ومستقبل تحديات النفط التقليدي المقبلة ومدى فعاليتها مبينا ان اهم هذه التحديات هي بدائل طاقة للنفط الاحفوري والتي منها الطاقة المتجددة وسيارات الكهرباء والغاز الطبيعي المسال ومصادر طاقة اخرى كالفحم الرخيص الذي يواجه اعتراض انصار البيئة.
واضاف انه ووفقا للاحصاءات فان الآليات الضخمة تبقى هي المستهلك الاكبر من زيت الخام المستهلك للديزل وباقي المشتقات والصناعات التكميلية لافتا الى ان “فكرة الطاقة البديلة بدأت قبل اكثر من 20 عاما على فرضية تحدي النقص في امدادات النفط الاحفوري حيث اظهرت دراسات هزيلة حينها ان نفط الذروة قد وصل”.
وأوضح ان تلك الدراسات بنيت على فرضيات اثبتت عدم مصداقيتها من خلال احصائية منطقية ل(جامعة فرجينيا) مبنية على ارقام حقيقية وليست فرضيات كما هو النموذج المعتمد في (مؤتمر باريس للمناخ) “لذا فان قرارات مؤتمر باريس غلب عليها الجو الجيوسياسي مرة اخرى”.
ورأى بهبهاني ان الغاز الطبيعي المسال هو التحدي الاكبر القادم ليغطي نسبة اكبر حيث تنامت مخزوناته وخاصة في روسيا وايران وفنزويلا اضافة الى قطر.
واضاف “من خلال تقييم العوامل السابقة ارى ان اسعار النفط ستكون بيد المستهلك نتيجة المخزونات الضخمة وليس غيرها الى ثلاث سنوات مقبلة حيث لن يتجاوز سعر خام برنت 58 دولارا للبرميل كمعدل في عام 2018 و60 دولارا في 2019 على أن تبدأ القفزات الملحوظة بعد 2020”.
وتوقع ان يكون اللاعب الاساسي المؤثر على اسعار النفط مستقبلا هو العامل الجيوسياسي “حيث تسود حالة التوتر الاقتصادي بين اكبر اقتصادين في العالم وهما الولايات المتحدة وحلفاؤها من جانب والصين من جانب آخر وهو ما سيفرز منظومة اقتصادية جديدة ذات اساسيات اقتصادية مختلفة عن الوضع الحالي ومن بوادرها التبادل التجاري للسلع ومنها النفط بعملات غير الدولار”.